التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
106 [ ص: 100 ] حديث ثان ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة زوج النبي ، فقال لها : لقد شق علي اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به ، فقالت ما هو ؟ ما كنت سائلا عنه أمك ، فسلني عنه ، فقال : الرجل يصيب أهله ، ثم يكسل ، ولا ينزل ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان ، فقد وجب الغسل ، فقال أبو موسى : لا أسأل ، عن هذا أحدا بعدك أبدا .


هكذا هذا الحديث موقوفا في الموطأ ، عند جماعة الرواة ، وقد روي ، عن أبي قرة ، عن مالك مرفوعا ما حدثناه خلف بن القاسم حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المقدسي بمنى في مسجد الخيف إملاء من حفظه قال : حدثنا أبو سعيد الخدري حدثنا علي بن زياد اللخمي حدثنا أبو قرة قال ذكر مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي موسى ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا التقى الختانان وجب الغسل .

وهذا خطأ ، والصواب ما في الموطأ ، وهذا الحديث يدخل في المسند بالمعنى ، والنظر ; لأنه محال [ ص: 101 ] أن ترى عائشة نفسها في رأيها حجة على غيرها من الصحابة في حين اختلافهم في هذه المسألة النازلة بينهم ، ومحال أن يسلم أبو موسى لعائشة قولها من رأيها في مسألة قد خالفها فيها من الصحابة غيرها برأيه ; لأن كل واحد ليس بحجة على صاحبه ، عند التنازع ; لأنهم أمروا إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله ، وسنة رسوله ، وهذا يدلك على أن تسليم أبي موسى لعائشة في هذه المسألة إنما كان من أجل أن علم ذلك كان عندها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلذلك سلم لها إذ هي أولى بعلم مثل ذلك من غيرها ، ومع ما ذكرنا من جهة الاستدلال ، فقد روي هذا الحديث ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندا ، وروي أن سعيد بن المسيب دخل مع أبي موسى على عائشة في هذه بذلك حقيقة قولنا ، وصحة استدلالنا ، وبالله التوفيق .

وأخبرنا عبد الوارث ، وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا زائدة قال : حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب قال : نازع أبو موسى ناسا من الأنصار ، فقالوا : الماء من الماء قال سعيد : فانطلقت أنا ، وأبو موسى حتى دخلنا على عائشة ، فقال لها أبو موسى الذي تنازعوا فيه ، فقالت عائشة : عندي الشفاء من ذلك [ ص: 102 ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس الرجل بين الشعب الأربع ، وألصق الختان بالختان ، فقد وجب الغسل .

وروى هشام ، وشعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء ذكره البخاري من طريق هشام ، ثم قال تابعه عمرو ، عن شعبة .

وقد حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة ، وهشام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قعد بين شعبها الأربع ، ولزق الختان بالختان ، فقد وجب الغسل .

وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا التقى الختانان ، وتوارت الحشفة ، فقد وجب الغسل .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير ، والحارث بن أبي أسامة قالا : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا همام ، وأبان قالا : حدثنا قتادة ، عن [ ص: 103 ] الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قعد بين شعبها الأربع ، وأجهد نفسه ، فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل .

قال أحمد بن زهير سئل يحيى بن معين ، عن أبان ، وهمام أيهما أحب إليك ، فقال : كان يحيى بن سعيد يروي ، عن أبان ، وكان أحب إليه ، وأما أنا ، فهمام أحب إلي ، وكلاهما ثقة .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم حدثنا عفان قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ثابت ، عن عبد الله بن رباح ، عن عبد العزيز بن النعمان ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقى الختانان اغتسل .

وقال فيه سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة بإسناده هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا التقى الختانان وجب الغسل .

قال أبو عمر : هذا إسناد كله ثقة عن ثقة ، لا أعلم فيه علة إلا أن البخاري قال : لا أعلم لعبد العزيز بن النعمان سماعا من عائشة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبد الله بن روح قال : حدثنا عثمان بن عمر [ ص: 104 ] قال أخبرنا عبيد الله بن زياد ، عن عطاء قال : قالت : عائشة : إذا التقى الختانان ، فقد وجب الغسل قد كنت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفعله ، فنغتسل .

ورواه أبو الزبير ، عن جابر ، عن أم كلثوم ، عن عائشة مثله مرفوعا .

ورواه القاسم بن محمد ، عن عائشة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال : حدثنا علي بن المديني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : إذا جاوز الختان الختان ، فقد وجب الغسل ، فعلته أنا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاغتسلنا .

قال أبو عمر : تسليم أبي موسى لعائشة في هذه المسألة دليل على صحة رفعها إلى النبي ; لأن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي ، وكذلك قطعها - رضي الله عنها - بصحة ذلك ألا ترى إلى توبيخها لأبي سلمة في ذلك .

روى مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : سألت عائشة ما يوجب الغسل ، فقالت : هل [ ص: 105 ] تدري ما مثلك يا أبا سلمة مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل .

قال أبو عمر : على هذا القول جمهور أهل الفتوى بالحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم والليث بن سعد ، والأوزاعي ، والثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، والطبري .

واختلف أصحاب داود في هذه المسألة ، فبعضهم قال بما عليه الفقهاء ، والجمهور على ما وصفنا من إيجاب الغسل بمجاوزة الختان الختان ، ومنهم من قال : لا غسل عليه إلا بإنزال الماء الدافق وجعل في الإكسال الوضوء ، واحتج من ذهب هذا المذهب بما حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى القطان ، عن هشام بن عروة قال : أخبرني أبي قال : أخبرني أبو أيوب الأنصاري قال : أخبرني أبي بن كعب قال : يا رسول الله ، إذا جامع الرجل المرأة ، فلم ينزل قال : يغسل ما مس المرأة ، ثم يتوضأ ويصلي .

وذكره البخاري ، عن مسدد بإسناده مثله سواء .

وذكره عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : حدثني هشام بن عروة بإسناده مثله حرفا بحرف ، وهذا حديث صحيح من جهة الإسناد [ ص: 106 ] إلا أن حديث عائشة يعارضه ; لأن مثلها لا يجهل الحكم في هذا المعنى ، وأيضا فإن حديث أبي بن كعب هو في نفسه ، واه من جهة رجوع أبي بن كعب ، عن القول به ، وهو الذي رواه ولو كان عنده غير منسوخ لما رجع عنه ; لأن ما لم ينسخ من الكتاب والسنة لا يجوز تركه بوجه من الوجوه ، وقد كان هشام بن عروة يقول : به ذكر عبد الرزاق ، عن مظهر قال : سمعت هشام بن عروة يقول : لقد أصبت ، فأكسلت ، ولم أنزل ، فما اغتسلت .

وذكر عبد الرزاق أيضا عن الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي أيوب الأنصاري ، عن أبي بن كعب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا جامع أحدكم فأكسل ، فليتوضأ وضوءه للصلاة .

قال أبو عمر : من روى هذا الحديث ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لزمه القول به ، وعساه لم يبلغه رجوع أبي بن كعب عنه ، وأما رجوع أبي بن كعب ، عن ذلك ، فروى مالك في موطئه ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت ، عن الرجل يصيب أهله ، ثم يكسل ولا ينزل ، فقال زيد : يغتسل ، فقال محمود بن لبيد إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل ، فقال زيد إن أبيا نزع عن ذلك قبل أن يموت .

[ ص: 107 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مطلب بن شعيب قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد قال : حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون بها قولهم إنما الماء من الماء رخصة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص فيها في أول الإسلام ، ثم أمر بالغسل بعد ، فهذا بين في أن الماء من الماء منسوخ بالتقاء الختانين .

وروى هذا الحديث معمر ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد لم يتجاوزه ، ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد . حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا عبد الملك بن بحر قال : سمعت موسى بن هارون يقول : كان الزهري إنما يقول في هذا الحديث قال سهل بن سعد ، ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد ، وقد سمع من سهل أحاديث إلا أنه لم يسمع هذا منه رواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن الزهري قال : حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد أخبره قال موسى : ولعمري إن كان الزهري سمعه من أبي حازم ، فإن أبا حازم رضى ، فقد روى أبو حازم هذا الحديث عن سهل بن سعد .

قال أبو عمر : أما رواية ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن الزهري في هذه القصة ، فأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال [ ص: 108 ] حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب قال : حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام ، ثم أمر بالغسل ، ونهى عن ذلك . قال أبو داود : يعني الماء من الماء .

قال أبو داود : وحدثنا محمد بن مهران البزار الرازي قال : حدثنا مبشر الحلبي ، عن محمد أبي غسان ، وهو ابن مطرف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون : الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعد .

قال أبو داود : وحدثني أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الماء من الماء . وكان أبو سلمة يفعل ذلك .

وهذا إسناد صحيح من جهة النقل ثابت ، ولكنه يحتمل التأويل ; لأن قوله الماء من الماء ليس فيه ما يدفع الماء من التقاء الختانين ; لأن من أوجب الغسل من التقاء الختانين يقول : الماء من الماء ، ومن التقاء الختانين - أيضا - زيادة حكم ، وقد قيل معنى : الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة ، وهذا مجتمع عليه ، فيمن رأى أنه يجامع ، ولم ينزل أنه لا غسل عليه ، وهذا لعمري تأويل محتمل ، في [ ص: 109 ] : الماء من الماء لولا أن بعضهم يروي حديث أبي بن كعب ، وحديث أبي سعيد الخدري بغير هذا اللفظ ، وذلك قوله : إذا جامع أحدكم فأكسل أو أقحط ، فلا يغتسل ، ولكن يتوضأ .

ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل .

ورواه شعبة ، عن الحكم ، عن ذكوان أبي فلح ، عن أبي سعيد مثله .

وهذا يحتمل أن يكون أعجل ، فلم يبلغ مجاوزة الختان إلا أنه قد روي عن عثمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ما حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان بن عفان قال قلت : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن ؟ قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ويغسل ذكره ، سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وسأل عن ذلك عليا ، والزبير ، وطلحة ، وأبي بن كعب ، فأمروه بذلك [ ص: 110 ] وذكره البخاري ، عن سعد بن حفص قال : وحدثنا النفيلي ، عن شيبان بإسناده مثله سواء إلى آخره .

ورواه حسين المعلم كما رواه شيبان ، عن يحيى سواء ، وهو حديث انفرد به يحيى بن أبي كثير ، وقد جاء عن عثمان ، وعلي ، وأبي بن كعب ما يدفعه من نقل الثقات الأثبات ويعارضه ، وقد دفعه جماعة منهم أحمد بن حنبل ، وغيره ، وقال علي ، وأبي بخلافه .

قال يعقوب بن شيبة : سمعت علي بن المديني ، وذكر حديث يحيى بن أبي كثير هذا ، فقال : إسناده جيد ، ولكنه حديث شاذ .

قال : وقد روي ، عن عثمان ، وعلي ، وأبي بن كعب أنهم أفتوا بخلافه قال يعقوب بن شيبة : هو حديث منسوخ كان في أول الإسلام ، ثم جاء بعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالغسل من مس الختان الختان أنزل أم لم ينزل .

قال أبو عمر : روى مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعائشة زوج النبي كانوا يقولون : [ ص: 111 ] إذا مس الختان الختان ، فقد وجب الغسل ، وهذا هو الصحيح ، عن عثمان من نقل الثقات الأئمة الحفاظ .

وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن المسيب قال : كان عمر ، وعثمان ، وعائشة ، والمهاجرون الأولون يقولون : إذا مس الختان الختان ، فقد وجب الغسل .

وعلى أن لفظ حديث عثمان المرفوع ليس فيه تصريح لمجاوزة الختان الختان ، وهو محتمل التأويل الذي ذكرناه في حديث أبي سعيد .

وقال الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : حديث حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن خالد قال : سألت خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وأبي بن كعب ، فقالوا : الماء من الماء فيه علة تدفعه بها قال : نعم بما يروى عنهم من خلافه ، قلت : عن عثمان ، وعلي ، وأبي بن كعب ؟ قال : نعم ، وقال أحمد بن حنبل : الذي أرى إذا جاوز الختان الختان ، فقد وجب الغسل قيل له : قد كنت تقول غير هذا ؟ فقال : ما أعلمني قلت غير هذا قط ، قيل له : قد بلغنا ذلك عنك ، قال : الله المستعان .

[ ص: 112 ] قال أبو عمر :

قد تكلم في حديث أبي سلمة للاختلاف عنه فيه ; لأن ابن شهاب يرويه ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد ، ويحيى بن أبي كثير يرويه ، عن أبي سلمة ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن خالد ، عن عثمان ، ومن أهل العلم بالحديث من جعلهما حديثين ، وصححهما ، وهو الصواب ; لأن حديث أبي سعيد روي من وجوه ، عن أبي سعيد فهو غير حديث عثمان بلا شك ، والله الموفق للصواب .

وأما الروايات عن الصحابة ، ومن بعدهم في هذا الباب ، فمنها ما ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي قال : حدثني الحارث ، عن علي ، وعلقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، ومسروق ، عن عائشة قالوا : إذا جاوز الختان الختان ، فقد وجب الغسل .

قال مسروق ، وكانت أعلمهم بذلك يعني عائشة .

وعن معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن عليا قال : كما يجب منه الحد كذلك يجب منه الغسل ، وعن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر أن عليا ، وأبا بكر ، وعمر قالوا : ما أوجب الحدين الرجم ، والجلد أوجب الغسل [ ص: 113 ] وعن علي ، وشريح قالا : أيوجب الحد ، ولا يوجب قدحا من ماء ؟ .

وعن ابن جريج ، وعبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل .

وعن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أن ابن مسعود سئل عن ذلك ، فقال : إذا بلغت ذلك اغتسلت .

قال سفيان والجماعة على الغسل .

قال أبو عمر :

ذكر ابن خواز منداد أن إجماع الصحابة انعقد على إيجاب الغسل من التقاء الختانين ، وليس ذلك عندنا كذلك ولكنا نقول إن الاختلاف في هذا ضعيف ، وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف .

انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين ، ومجاوزة الختان الختان ، وهو الحق إن شاء الله ، وكيف يجوز القول بإجماع الصحابة في شيء من هذه المسألة مع ما ذكرناه في هذا الباب ، ومع ما ذكره عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن زيد بن أسلم [ ص: 114 ] عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن خالد قال : سمعت خمسة من المهاجرين الأولين منهم : علي بن أبي طالب ، فكلهم قال : الماء من الماء .

قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن مجاهد ، عن أبيه قال : اختلف المهاجرون والأنصار فيما يوجب الغسل ، فقالت طائفة الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا مس الختان الختان وجب الغسل ، فحكموا بينهم علي بن أبي طالب ، واختصموا إليه ، فقال علي : أرأيتم لو رأيتم رجلا يدخل ويخرج أيجب عليه الحد ؟ قالوا : نعم قال : فيوجب الحد ، ولا يوجب صاعا من ماء .

فقضى للمهاجرين ، فبلغ ذلك عائشة ، فقالت : ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمنا واغتسلنا .

قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : أخبرني إسماعيل الشيباني على امرأة رافع بن خديج كان لا يغتسل إلا إذا أنزل الماء ، وكان إسماعيل قد خلف على امرأة رافع قال : وأخبرنا ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن عبيد الله بن أبي عياض ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : الماء من الماء [ ص: 115 ] قال : وأخبرنا ابن جريج قال : قال لي عطاء : سمعت ابن عباس يقول : الماء من الماء .

قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن مسعود مثله .

قال أبو عمر : عطاء لم يسمع من ابن مسعود ، وقد قدمنا بإسناد صحيح ، عن ابن مسعود خلاف هذا ، وأما أصحاب داود ، فاختلفوا في هذه المسألة ، فطائفة منهم قالت بما عليه جمهور الفقهاء من إيجاب الغسل إذا التقى الختانان ، ومنهم من أبى ذلك ، وقال لا غسل إلا بالإنزال ، وهو المشهور عن داود ، واحتج من ذهب مذهبه في ذلك بأن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر الماء من الماء أثبت من جهة النقل رواه أبي بن كعب ، وعثمان بن عفان ، وأبو سعيد الخدري ، وغيرهم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الإكسال الوضوء ، وفي الإنزال الغسل .

قالوا : وعلى ذلك جماعة الأنصار وجمهورهم ، ومن المهاجرين علي ، وابن عباس ، وعثمان ، وغيرهم ، وضعفوا حديث علي في إيجاب الغسل من التقاء الختانين ; لأنه يدور على جابر الجعفي ، والحارث الأعور ، وهما ضعيفان ، وقالوا : حديث عثمان المسند أولى بالمصير إليه مما روي عنه في ذلك ; لأن الحديث عليه حجة ، وليس هو على الحديث حجة ، وإنما يسوغ ما ذهب إليه راوي الحديث إذا لم يدفعه ، فأما إذا دفعه [ ص: 116 ] فالحجة في المسند ، ولهم في هذا المعنى كلام طويل تركته ؛ قالوا : ورجوع أبي بن كعب ، عن ذلك لا يصح ; لأن خبر زيد بن ثابت ، وأبي في ذلك يدور على عبد الله بن كعب ، ولم يصح له سماع من زيد بن ثابت ، وإنما يروى ، عن خارجة بن زيد ، وهو أيضا مشهور بنقل العلم ، وخبر ابن شهاب في ذلك من سهل بن سعد ، ولا يدري من بينهما على صحة ، قالوا : وأقل أحوال هذه المسألة أن تتكافأ فيها الحجج ، وتتعارض فيها الآثار ، فيرجع حينئذ إلى ظاهر كتاب الله ، وليس في كتاب الله إيجاب الغسل إلا على من كان جنبا ، ولا جنب إلا الذي ينزل الماء الدافق .

قالوا : ووجه آخر أن الفرائض لا تجب إلا بيقين في هذه المسألة إلا على قول من لم يوجب الغسل إلا بإنزال الماء ، وهو الاتفاق الذي يقطع عليه ، ويستيقن ، وبالله التوفيق .

قال أبو عمر : لا مدخل ، عند أولي الألباب من العلماء للنظر ، عند ثبوت الأثر ، وما ادعاه هؤلاء من ثبوت حديث الماء من الماء ، فقد مضى الجواب ، عن ذلك ، وعلة حديث أبي بينة لرجوعه ، عن الفتيا به ، ومعلوم أنه لا يجوز أن يدع الناسخ ، ويأخذ المنسوخ ، ولا حجة في حديث أبي أيوب ; لأنه إنما يرويه ، عن أبي بن كعب ، وحديث أبي سعيد ، وغيره يحتمل أن يكون أكسل ، ولم يجاوز الختان الختان ، فهذا فيه الوضوء للملامسة ، والمباشرة ، ولا يصح ، عن المهاجرين ما ذكر بل الصحيح ما [ ص: 117 ] وصف على ما تقدم عنهم في هذا الباب ، وحديث عثمان المرفوع لا يصح ; لأنه لو صح ، عن عثمان ، وعنده ما خالف ، وقد كان يفتي بخلافه ، وكل خبر مروي في الماء من الماء يحتمل التأويل على ما وصفنا في هذا الباب ، وخبر ابن شهاب ، عن سهل صحيح عندنا لرواية أبي حازم له ، وموضع ابن شهاب موضعه ، وعبد الله بن كعب معروف روى عنه يحيى بن سعيد ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهما ، وقد مضى القول في هذه المعاني مبسوطا لمن تدبرها .

وأما ما رجحوه من الاحتياط في ترك إيجاب الفرض إلا بيقين ، فإنه يدخل عليهم أن الصلاة لا تجب أن تؤدى إلا بطهارة مجتمع عليها ، وقد أجمعنا على أن المجامع إذا أكسل ، ولم ينزل ، فقد وجبت عليه طهارة ، وصار في حالة لا يدخل معها في الصلاة حتى يطهر ، وأجمعوا أن الغسل طهارة له إن فعله ، ولم يجمعوا على أن الوضوء طهارة له ، فالواجب على الاحتياط القول بالغسل إن شاء الله ، والأحوط الصحيح في هذا ما جاء ، عن عائشة مرفوعا ، وموقوفا ، وعلى حديثها المدار في هذا الباب ، وحديث أبي هريرة مثله ، ولا يصح فيه دعوى إجماع الصحابة ، وقد يقرب فيه دعوى إجماع من دونهم إلا من شذ ممن لا يعد خلافا عليهم ، ويلزمهم الرجوع إليهم ، والقول بأن لا غسل من التقاء الختانين شذوذ ، وقول عند جمهور الفقهاء مهجور مرغوب عنه ، ومعيب ، والجماعة على الغسل ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية