التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1640 مالك ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت بقرية تأكل القرى يقولون : يثرب ، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد .


هكذا هذا الحديث في الموطأ ، عند جماعة الرواة ، ورواه إسحاق بن عيسى الطباع ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، وهو خطأ ، والصواب فيه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب كما في الموطأ ، - والله أعلم - .

وأبو الحباب هذا سعيد بن يسار مولى الحسن بن علي ، وقيل : مولى شميسة : امرأة نصرانية أسلمت بالمدينة على يدي الحسن بن علي ، وقيل : أبو الحباب سعيد بن يسار مولى شقران مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو الحباب أحد الثقات من التابعين بالمدينة ، وبها توفي سنة سبع عشرة ومائة .

وأما قوله : - صلى الله عليه وسلم - تأكل القرى ، فروي ، عن مالك أنه قال : معناه تفتح القرى ، وتفتح منها القرى ; لأن من المدينة افتتحت المدائن كلها [ ص: 171 ] بالإسلام ، وفي هذا الحديث دليل على كراهية تسمية المدينة بيثرب على ما كانت تسمى في الجاهلية ، وأما القرآن ، فنزل بذكر يثرب على ما كانوا يعرفون في جاهليتهم ، ولعل تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها بطيبة كان بعد ذلك ، وهو الأغلب في ذلك .

وأما قوله : تنفي الناس ، فإنه أراد شرار الناس ألا ترى أنه مثل ذلك وشبهه بما يصنع الكير في الحديد ، والكير إنما ينفي رديء الحديد ، وخبثه ، ولا ينفي جيده ، وهذا عندي ، - والله أعلم - إنما كان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ لم يكن يخرج من المدينة رغبة ، عن جواره فيها إلا من لا خير فيه .

وأما بعد وفاته ، فقد خرج منها الخيار الفضلاء الأبرار ، وأما الكير ، فهو موضع نار الحداد ، والصائغ ، وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرا .

هكذا قال أهل العلم باللغة ، ومن هذا حديث أبي أمامة ، وأبي ريحانة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الحمى كير من جهنم ، وهي نصيب المومن من النار .

حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا علي بن معبد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف ، عن أبي الحصين ، عن أبي صالح الأشعري ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الحمى كير من جهنم ، فما أصاب المومن منها كان حظه من النار - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية