التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
977 [ ص: 271 ] حديث موفي ثلاثين ليحيى بن سعيد

يحيى
، عن عبادة بن الوليد

مالك ، عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .


هكذا روى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد جمهور رواته ، وهو الصحيح ، منهم ابن وهب ، وابن القاسم ، ومعن ، وابن بكير ، وابن أويس ، وغيرهم ، ( وما خالفه عن مالك ، فليس بشيء في جامع الموطأ ، عن مالك ، عن يحيى ، عن عبادة بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت - ولم يذكر أباه ، وتابعه عبد الله بن يوسف ، ورواه قتيبة ، عن مالك ، عن يحيى ، عن عبادة بن الوليد ، أخبرني أبي قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر عبادة بن الصامت ، وتابعه أبو مسهر ، وأبو مصعب ، عن محمد بن زريق بن جامع منه ) .

وقد [ ص: 272 ] اختلف فيه على يحيى بن سعيد ، فرواه بعضهم عنه ، عن عبادة بن الوليد ، عن أبيه قال : وبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث .

لم يذكر عبادة بن الصامت ، وزعم أن البيعة المذكورة في هذا الحديث ليست بيعة العقبة ، وأن الوليد بن عبادة له صحبة ، وأنه ممكن أن يشاهد هذه البيعة ; لأنها كانت على الحرب ، وذلك بالمدينة .

ورواه سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد ، عن جده عبادة بن الصامت - لم يذكر الوليد بن عبادة هكذا رواه الحميدي ، عن ابن عيينة .

ورواه أبو إسحاق الفزاري ، عن يحيى بن سعيد ، عن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه - لم يذكر عبادة بن الوليد ، وهذا عندي غلط - والله أعلم - ، والصحيح فيه إن شاء الله - يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد ، عن أبيه عبادة بن الصامت - وكان أحد النقباء - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب ، وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .

[ ص: 273 ] قال أبو عمر : كان عبادة بن الصامت قد شهد العقبة الأولى والثانية . وشهد بدرا ، والحديبية ، والمشاهد كلها ، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارا ، وقد ذكرنا من خبره في كتاب الصحابة ما فيه الكفاية .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت قال : كنا فيمن حضر البيعة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على - بيعة - النساء ، وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب - على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف قال : فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر .

قال أحمد بن حنبل ، وحدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال : حدثني أبي ، ومجالد ، عن عامر الشعبي ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة ، فقال : ليتكلم متكلمكم - ولا يطيل الخطبة [ ص: 274 ] فإن عليكم من المشركين عينا ، وإن يعلموا بكم يفضحوكم ; قال قائلهم - وهو أبو أمامة : سل يا محمد لربك ما شئت ، وسل لنفسك ، ولأصحابك ما شئت ، ثم أخبرنا بما لنا من الثواب على الله إذا فعلنا ذلك ، قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي ولأصحابي : أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : لكم الجنة ، قالوا : فلك ذلك .

قال الشعبي ، وكان أبو مسعود أصغرهم .

قال أحمد بن حنبل : وحدثني يحيى بن زكرياء قال : حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت الشعبي يقول : ما سمع الشيب ولا الشبان خطبة مثلها .

قال أبو عمر : هذه البيعة التي انفرد بها الأنصار بهذا اللفظ وهذا المعنى ، وسائر البيعات التي ذكر عبادة ، وغيره - هي بيعات جماعات الناس قريش والأنصار وسائر أبناء العرب ممن دخل في الإسلام ، - والله أعلم - .

قال أحمد بن حنبل سمعت سفيان بن عيينة وقيل له : تسمي النقباء ؟ ، فقال : نعم . سعد بن عبادة ، وأسعد بن زرارة ، وسعد بن [ ص: 275 ] الربيع ، وسعد بن خيثمة ، وعبد الله بن رواحة ، والمنذر بن عمرو ، وأبو الهيثم بن التيهان ، والبراء بن معرور ، وأسيد بن حضير ، وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر . وعبادة بن الصامت ، ورافع بن مالك من بني زريق . قال سفيان : عبادة عقبي بدري أحدي شجري نقيب .

قال أبو عمر : ما ذكره سفيان في النقباء خلاف ما ذكره ابن إسحاق فيهم في السير - فالله أعلم ، ولم يختلفوا أنهم اثنا عشر رجلا ، وهم الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الأولى ، وكان بينها وبين العقبة الثانية عام أو نحوه ، وكانوا في بيعة العقبة الثانية ثلاثا وسبعين رجلا ، فيما ذكر ابن إسحاق وامرأتين ، وكانت العقبة الثانية قبل الهجرة بأشهر يسيرة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن سلمان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا الليث ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب - أنه كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشهر أو نحوها ; قال : وكانت بيعة الأنصار ليلة العقبة في ذي الحجة ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في ربيع الأول .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أحمد بن الوليد ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة [ ص: 276 ] عن سيار ، ويحيى بن سعيد ، أنهما سمعا عبادة بن الوليد يحدث ، عن أبيه ، قال سيار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال يحيى بن سعيد ، عن أبيه ، عن جده قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن نقوم بالحق حيثما كان .

فهذا شعبة قد جوده ، ففرق بين رواية سيار ، ورواية يحيى بن سعيد ، فدل ذلك على صحة من جعل حديث يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، وعبد الرحمن بن عمر بن إسحاق ، قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا مالك ، والليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد قال : حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ، قال : أخبرني أبي ، عن عبادة بن الصامت قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العسر واليسر ، والمكره والمنشط ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ، وهذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث إن شاء الله .

وأما قوله فيه : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فقول مجمل يفسره حديث مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا : فيما استطعتم وأطقتم .

وكذلك كان أخذه على النساء في البيعة ، كان يقول لهن : فيما استطعتن وأطقتن ، وهذا كله يتضمنه قول الله عز [ ص: 277 ] وجل ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، ولا يلزم من طاعة الخليفة المبايع إلا ما كان في المعروف ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمر إلا بالمعروف ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنما الطاعة في المعروف .

وأجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته قال الله - عز وجل - ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .

حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا ابن ثوبان قال : حدثني عمير بن هانئ قال : حدثني جنادة بن أبي أمية قال : حدثني عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ، ومنشطك ومكرهك ، وأثرة عليك ، وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بأمر عندك تأويله من الكتاب .

قال عمير : وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال خضير : فقلت لعبادة : أفرأيت إن أنا أطعته ، قال : يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار ، وليجئ هذا فينقذك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا الحوظي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني ربيعة بن يزيد ، قال : قعدت إلى الشعبي بدمشق [ ص: 278 ] في خلافة عبد الملك ، فحدث رجل من التابعين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اعبدوا ربكم ، ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الأمراء ، فإن كان خيرا فلكم ، وإن كان شرا فعليهم ، وأنتم منه براء .

قال الشعبي : كذبت لا طاعة في معصية ، إنما الطاعة في المعروف .

وأما قوله : في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، فمعناه فيما تقدر عليه ، وإن شق علينا ، أو يسر بنا ، وفيما نحبه وننشط له ، وفيما نكرهه ويثقل علينا ، وعلى هذا المعنى جاء حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .

حدثنا أحمد بن قاسم ، ومحمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على المرء السمع والطاعة ، فيما أحب أو كره .

وروى عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر قال : قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية : إن كان خيرا رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا .

وأما قوله : وأن لا ننازع الأمر أهله ، فاختلف الناس في ذلك ، فقال قائلون : أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين ، فهؤلاء لا ينازعون [ ص: 279 ] لأنهم أهله ، وأما أهل الجور والفسق ، والظلم ، فليسوا له بأهل ; ألا ترى إلى قول الله - عز وجل - لإبراهيم - عليه السلام - قال ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ، وإلى منازعة الظالم الجائر ، ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج . وأما أهل الحق ، وهم أهل السنة ، فقالوا : هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا ، فإن لم يكن ، فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه ; لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء ، وشن الغارات ، والفساد في الأرض ، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه ، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك ، وكل إمام يقيم الجمعة ، والعيد ، ويجاهد العدو ، ويقيم الحدود على أهل العداء ، وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض ، وتسكن له الدهماء ، وتأمن به السبل ، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح .

حدثني خلف بن أحمد ، حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا أيوب بن سليمان ، ومحمد بن عمر قالا : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من ينتضل [ ص: 280 ] ومنا من يصلح جناه ، ومنا من هو في جشره ، إذ نادى منادي النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة جامعة ، فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يقول : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان لله عليه حق أن يدل أمته على الذي هو خير لهم ، وينذرهم الذي هو شر لهم ، وأن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها ، وفتن مرفق بعضها بعضا ، تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، ثم تجيء أخرى ، فيقول : هذه هذه ، ثم تنكشف ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يمينه ، وثمرة قلبه ، فليطعه ما استطاع ، فإن جاء أحد ينازعه ، فاضربوا عنق الآخر . قال عبد الرحمن : فخرجت في الناس ، فقلت : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمعته أذناي ، ووعاه قلبي قلت : إن هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله يقول : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، ( ولا تقتلوا أنفسكم ) قال : فضرب بيده على جبهته ، وأكب طويلا ، ثم قال : أطعه فيما أطاع الله ، واعصه فيما عصى الله .

[ ص: 281 ] قال أبو عمر :

قوله في هذا الحديث : ومنا من ينتضل ، فإنه يريد الرمي إلى الأغراض ، وقوله : ومنا من هو في جشره : يريد أنه خرج في إبله يرعاها .

حدثنا أحمد بن فتح ، وعبد الرحمن بن يحيى قالا : حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال : حدثنا أبو محمد إسحاق بن بنان بن معن الأنماطي البغدادي قال : حدثنا الحسن بن حماد حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم ، وعبد القطيفة ، وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي ، وإن لم يعط لم يف .

وأما قوله : وأن نقوم أو نقول بالحق - فالشك من المحدث إما يحيى بن سعيد ، وإما مالك ، فإنه لم يختلف عن مالك في ذلك ، وفي ذلك دليل على الإتيان بالألفاظ ومراعاتها ، وقد بينا هذا المعنى في كتاب العلم .

وأما قوله : لا نخاف في الله لومة لائم ، فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه ، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى ، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده ، فإن لم يقدر ، فبلسانه ، فإن لم يقدر ، فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك ، وإذا أنكره بقلبه ، فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع [ ص: 282 ] سوى ذلك ، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأكيد الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، ولكنها كلها مقيدة بالاستطاعة .

قال أبو ذر : أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول الحق ، وإن كان مرا ، وأن لا أخاف في الله لومة لائم .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : فضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان .

وقال الله - عز وجل - ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) ، ولما وجبت مجاهدة الكفار حتى يظهر دين الحق ، فكذلك كل من عاند الحق من أهل الباطل واجب مجاهدته على من قدر عليه حتى يظهر الحق .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن الشعبي ، عن أبي جحيفة ، قال : قال علي : الجهاد بثلاثة : باليد ، واللسان ، والقلب ، فأولها اليد ، ثم اللسان ، ثم القلب ، فإذا كان لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ، نكس فجعل أعلاه أسفله .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ؟ قال : إن خشيت أن يقتلك فلا .

[ ص: 283 ] أخبرنا أحمد بن قاسم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا نصر بن علي ، قال : أخبرنا الأصمعي ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن قال : إنما يكلم مؤمن يرجى ، أو جاهل يعلم ، فأما من وضع سيفه أو سوطه ، وقال لك : اتقني اتقني ، فما لك وله .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب ، عن مطرف بن الشخير أنه كان يقول : لئن لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه مائة ألف سيف أرمي إليه كلمة فيقتلني ، إن ديني إذا لضيق .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، وحدثنا أحمد ، حدثنا أحمد ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة - جميعا - عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : جاء عتريس بن عرقوب إلى عبد الله ، فقال : هلك من لم يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فقال عبد الله : بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه ، وينكر المنكر بقلبه .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن [ ص: 284 ] عبد الملك بن عمير قال : سمعت ربيع بن عميلة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود ، يقول : حسب المومن إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا عبد الله بن أبي حسان ، عن ابن لهيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لمومن أن يذل نفسه . قالوا : يا رسول الله ، وما إذلاله نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يقوم له .

وقد زدنا هذا المعنى بيانا بالآثار في باب بلاغ مالك عن أم سلمة قولها : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ، وأشبعناه هناك ، والحمد لله ، وبه التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية