التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
178 [ ص: 315 ] حديث خامس وثلاثون ليحيى بن سعيد

يحيى عن محمد بن إبراهيم أربعة أحاديث

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي حازم التمار ، عن البياضي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون ، وقد علت أصواتهم بالقراءة ، فقال : إن المصلي يناجي ربه ، فلينظر بما يناجيه به ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن .


محمد بن إبراهيم بن الحارث هذا هو أحد ثقات أهل المدينة ومحدثيهم ، معدود في التابعين ، روي عنه أنه قال : رأيت سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر يأخذان برمانة المنبر ، ثم ينصرفان .

ويكنى أبا عبد الله ، وهو محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة .

قال الواقدي : كان جده الحارث بن خالد من المهاجرين الأولين ، وتوفي محمد بن إبراهيم سنة عشرين ومائة في خلافة هشام .

[ ص: 316 ] وأبو حازم التمار يقال : اسمه دينار مولى الأنصار ، ويقال مولى أبي رهم الأنصاري .

وذكر حبيب ، عن مالك أن اسم أبي حازم التمار : يسار مولى قيس بن سعد بن عبادة .

وأما البياضي ، فيقولون : اسمه فروة بن عمر بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة ، فخذ من الخزرج .

وهذا الحديث معناه في صلاة النافلة إذا كان كل أحد يصلي لنفسه ، وأما صلاة الفريضة فقد أحكمت السنة سرها وجهرها ، وأنها خلف إمام الجماعة أبدا هذه سنتها ، وكان أصل هذا الحديث في صلاة رمضان ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجمعهم لها إلا على ما قد مضى في باب ابن شهاب ، عن عروة : من أنه صلى بهم ليلة ، وثانية ، وثالثة ، ثم امتنع من الخروج إليهم خشية أن تفرض عليهم .

وقد روى هذا الحديث حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، فقال فيه : إن ذلك في رمضان .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان - قراءة مني عليه - أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا [ ص: 317 ] حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي حازم مولى الأنصار : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان معتكفا في رمضان في قبة على بابها حصير ، قال : وكان الناس يصلون عصبا ، عصبا قال : فلما كان ذات ليلة رفع باب القبة ، فأطلع رأسه ، فلما رآه الناس أنصتوا ، فقال : إن المصلي يناجي ربه ، فلينظر أحدكم ما يناجي به ربه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن .

هكذا قال حماد بن زيد في هذا الباب ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد ، عن أبي حازم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا - لم يذكر البياضي ; كذلك رواه كل من رواه ، عن حماد بن زيد .

وقد روى هذا الحديث يزيد بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي حازم ، عن البياضي ، وعن محمد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار ، عن البياضي : حدثناه خلف بن القاسم قال : حدثنا الحسن بن الحجاج الطبراني حدثنا الحسين بن محمد المدني ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، حدثنا ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني بياضة من الأنصار أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو مجاور في المسجد يوما : فوعظ الناس ، وحذرهم ، ورغبهم ، ثم قال : ليس مصل يصلي إلا وهو يناجي ربه ، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن .

[ ص: 318 ] قال الليث : وحدثنا ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي حازم مولى الغفاريين أنه حدثهم هذا الحديث البياضي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، وعبيد بن عبد الواحد ، قالا : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، وابن لهيعة قالا : حدثنا ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني بياضة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره سواء إلى آخره .

وقد روى هذا الحديث أبو سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد ، قال : اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، فسمعهم يجهرون بالقراءة ، فكشف الستر ، وقال : ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ولم يذكر أبو داود حديث البياضي ، وذكر حديث أبي سعيد هذا .

وقد روى خالد الطحان ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع الرجل صوته بالقرآن [ ص: 319 ] قبل العشاء ، وبعدها يغلط أصحابه وهم يصلون وهذا تفرد به خالد الطحان ، وهو ضعيف ، وإسناده كله ليس مما يحتج به .

وحديث البياضي ، وحديث أبي سعيد ثابتان صحيحان - والله أعلم - والحمد لله ، وليس فيهما معنى يشكل يحتاج إلى القول فيه إن شاء الله .

وإذا لم يجز للتالي المصلي رفع صوته لئلا يغلط ويخلط على مصل إلى جنبه ، فالحديث في المسجد مما يخلط على المصلي أولى بذلك وألزم وأمنع وأحرم - والله أعلم - وإذا نهي المسلم عن أذى أخيه المسلم في عمل البر ، وتلاوة الكتاب ، فأذاه في غير ذلك أشد تحريما ، وقد نظر عبد الله بن عمرو إلى الكعبة ، فقال : والله إن لك لحرمة ، ولكن المومن عند الله أعظم حرمة منك ، حرم منه عرضه ، ودمه ، وماله ، وأن لا يظن به إلا خير .

وحسبك بالنهي عن أذى المسلم في المعنى الوارد في هذا الحديث ، فكيف بما هو أشد من ذلك ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية