التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
467 [ ص: 394 ] ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أو منع نساء بني إسرائيل المساجد ؟ قالت : نعم .


قال أبو عمر : سائر رواة الموطأ يقولون في هذا الحديث : لمنعهن المسجد ، ولم يقل " المساجد " غير يحيى بن يحيى .

في هذا الحديث دليل على أن النساء كن يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ، وفيه دليل على أن أحوال الناس تغيرت بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء ورجالا ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : ما نفضنا أيدينا عن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنكرنا قلوبنا .

وإن كان في هذا الحديث دليل على أن مشاهدة النساء الصلوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن النص في ذلك ثابت مغن عن الاستدلال ، ألا ترى إلى قول عائشة : إن النساء كن ينصرفن متلففات بمروطهن من صلاة الصبح ، فما يعرفن من الغلس .

[ ص: 395 ] وقد روى معمر ، والزبيدي ، وغيرهما ، عن الزهري ، عن هند ابنة الحارث ، وكانت تحت معبد بن المقداد الكندي ، أخبرته - وكانت تدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أم سلمة أخبرتها : أن النساء كن يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ، فينصرفن إلى بيوتهن متلففات في مروطهن ما يعرفن من الغلس .

قالت : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم مكث قليلا ، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال . دخل حديث بعضهم في بعض ، ولا بأس عند جمهور العلماء بمشاهدة المتجالات من النساء ، ومن لا يخشى عليهن ، ولا منهن الفتنة ، والافتتان بين الصلوات ، وأما الشواب فمكروه ذلك لهن .

وقد ثبت من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أذن لهن في مشاهدة الصلوات بالليل لا بالنهار ، وقال مع ذلك : وبيوتهن خير لهن .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن حميد ، وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل .

قال : وحدثنا ابن وكيع ، ومجاهد بن موسى ، قالا : حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، [ ص: 396 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهن خير لهن .

قال ابن جرير ، وحدثنا سوار بن عبد الله بن سوار العنبري ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استأذنكم النساء إلى المساجد بالليل ، فلا تمنعوهن ، وليخرجن ثفلات .

وسيأتي معنى ثفلات في بلاغات مالك أنه بلغه عن بسر بن سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا شهدت إحداكن العشاء ، فلا تمسن طيبا إن شاء الله .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير ، وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : قال عبد الله بن عمر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل . فقال ابن له : والله لا نأذن لهن ، فيتخذنه دغلا ، والله لا نأذن لهن قال : فسبه وغضب ، وقال : أقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ائذنوا لهن ، وتقول : لا نأذن لهن .

وروى حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولم يقل بالليل [ ص: 397 ] ولا بالنهار ، ذكره أبو داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد .

وروى محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولكن ليخرجن وهن ثفلات رواه ابن عيينة ، وحماد بن سلمة وجماعة ، عن محمد بن عمرو .

وروى ابن أبي الرجال ، عن أبيه ، عن عمرة ، عن عائشة مثله .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد العشاء والصبح في جماعة في المسجد ، فقيل لها : تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ، قالت : فما يمنعه أن ينهاني ، قالوا : يمنعه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو تركنا هذا الباب للنساء قال : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .

[ ص: 398 ] قال أبو داود : رواه إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع قال : قال عمر : لو تركنا هذا الباب للنساء ، فذكره موقوفا ، عن عمر ، وهذا أصح .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن مورق العجلي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، حدثني داود بن قيس ، عن عبد الله بن سويد الأنصاري ، عن عمته أم حميد : - أنها جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني أحب الصلاة معك ، قال : فقال لها : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي . قال : فأمرت ، فبني لها مسجد في أقصى شيء في بيتها وأظلمه ، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله .

[ ص: 399 ] أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا جرير بن أيوب ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : سمعت أبا هريرة ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة المرأة في داخلتها ، وربما قال : في مخدعها أعظم لأجرها من أن تصلي في بيتها ، ولأن تصلي في بيتها أعظم لأجرها من أن تصلي في دارها ، ولأن تصلي في دارها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد قومها ، ولأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد الجماعة ، ولأن تصلي في الجماعة أعظم لأجرها من الخروج يوم الخروج .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا المعلى بن منصور ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن أبي اليمان ، عن شداد بن أبي عمرو بن حماس ، عن أبيه ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج من المسجد ، فاختلط النساء بالرجال ، فقال : لا تحفظن الطريق ، عليكن بحافات الطريق - وذكر تمام الحديث .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، قال : حدثنا سوار بن مصعب ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 400 ] ليس للنساء نصيب في الخروج ، وليس لهن نصيب في الطريق إلا في جوانب الطريق .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو شهاب ، عن ابن أبي ليلى ، عن عبد الكريم ، عن عبد الله بن الطيب ، عن أم سليمان ابنة أبي حكيم أنها قالت : أدركت القواعد يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفرائض .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، قال : حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهن خير لهن .

وأخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرني العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تمنعوا النساء المساجد ، وبيوتهن خير لهن .

فقال ابن لعبد الله بن عمر : والله لنمنعهن ، فقال ابن عمر : تراني أقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وتقول لتمنعهن
.

[ ص: 401 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا مضر بن محمد ، حدثنا سعيد بن حفص الحراثي ، حدثنا موسى بن أعين ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن السائب مولى أم سلمة ، عن أم سلمة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خير مساجد النساء قعر بيوتهن .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا أبو ثابت ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن جده ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في دارها ، وصلاتها في دارها خير من صلاتها فيما وراء ذلك .

قال أبو عمر :

قد أوردنا من الآثار المسندة في هذا الباب ما فيه كفاية وغنى ، فمن تدبرها وفهمها وقف على فقه هذا الباب .

وأما أقاويل الفقهاء فيه ، فقال مالك : لا يمنع النساء الخروج إلى المساجد ، فإذا جاء الاستسقاء والعيد ، فلا أرى بأسا أن تخرج كل امرأة متجالة - هذه رواية ابن القاسم عنه .

[ ص: 402 ] وروى عنه أشهب قال : تخرج المرأة المتجالة إلى المسجد ، ولا تكثر التردد ، وتخرج الشابة مرة بعد مرة ، وكذلك في الجنائز يختلف في ذلك أمر العجوز والشابة في جنائز أهلها وأقاربها .

وقال الثوري : ليس للمرأة خير من بيتها ، وإن كانت عجوزا ، قال الثوري : قال عبد الله : المرأة عورة ، وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان .

وقال الثوري : أكره اليوم للنساء الخروج إلى العيدين .

وقال ابن المبارك : أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين ، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج ، فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطهارها ، ولا تتزين ، فإن أبت أن تخرج كذلك ، فللزوج أن يمنعها من ذلك .

وذكر محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة قال : كان النساء يرخص لهن في الخروج إلى العيد ، فأما اليوم فإني أكرهه قال : وأكره لهن شهود الجمعة ، والصلاة المكتوبة في الجماعة ، وأرخص أن تشهد العشاء والفجر فأما غير ذلك فلا .

وروى بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة أنه قال : خروج النساء في العيدين حسن ، ولم يكن يرى خروجهن في شيء من الصلوات ما خلا العيدين .

وقال أبو يوسف لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها ، وأكره ذلك للشابة .

[ ص: 403 ] قال أبو عمر :

أقوال الفقهاء في هذا الباب متقاربة المعنى ، وخيرها قول ابن المبارك ; لأنه غير مخالف لشيء منها ، ويشهد له قول عائشة : لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدثه النساء لمنعهن المسجد . ومع أحوال الناس اليوم ، ومع فضل صلاة المرأة في بيتها ، فتدبر ذلك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، قال : حدثنا سوار بن مصعب ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس للنساء نصيب في الخروج ، وليس لهن نصيب في الطريق إلا في جوانب الطريق .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، ويونس ، وحبيب ، ويحيى بن عتيق ، وهشام في آخرين ، عن محمد ، أن أم عطية قالت : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد ، قيل : فالحيض قال : يشهدن الخير ودعوة المسلمين ، فقالت امرأة : يا رسول الله إن لم يكن لإحدانا ثوب كيف تصنع ؟ قال : تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها .

قال : وحدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن أم عطية بهذا الخبر قال : ويعتزل الحيض مصلى المسلمين .

[ ص: 404 ] قال أبو جعفر الطحاوي : يحتمل أن يكون ذلك والمسلمون يومئذ قليل ، فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو ، واليوم فلا يحتاج إلى ذلك .

أخبرنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو ، وحدثنا ابن سنجر ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب علينا الحجاب ، وكانت امرأة تفرع النساء جسمة ، فوافقها عمر ، فناداها : يا سودة ، إنك والله ما تخفين علينا إذا خرجت ، فانظري كيف تخرجين ، فانكفت راجعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقته يتعشى ، فأخبرته بما قال عمر ، وإن العرق لفي يده ، فأوحى الله إليه ، ثم رفع عنه ، وإن العرق لفي يده ، فقال : قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن .

وذكر مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تستأذنه إلى المسجد ، فيسكت ، فتقول : لأخرجن إلا أن تمنعني .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، وأحمد بن سعيد بن بشر ، قالا : حدثنا مسلمة بن القاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عيسى المقرئ المعروف بابن الوشاء قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد مولى بني [ ص: 405 ] هاشم قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : حدثنا رجل من أهل المدينة يقال له : محمد بن مجبر ، عن زيد بن أسلم ، وعبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه قال : تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت امرأة جميلة ، وكان يحبها حبا شديدا ، فقال له أبو بكر الصديق : طلق هذه المرأة ، فإنها قد شغلتك عن الغزو فأبى ، وقال :


ومن مثلي في الناس طلق مثلها وما مثلها في غير بأس تطلق

قال : ثم خرج في بعض المغازي ، فجاء نعيه ، فقالت فيه عاتكة :


رزيت بخير الناس بعد نبيهم     وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفك عيني حزينة     عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى     أعف وأحصى في الهياج وأصبرا

قال : فلما انقضت عدتها زارت حفصة ابنة عمر ، فدخل عمر على حفصة ، فلما رأت عاتكة عمر قامت فاستترت ، فنظر إليها عمر ، فإذا امرأة بارعة ذات خلق وجمال ، فقال عمر لحفصة : من هذه ؟ فقالت : هذه عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل ، فقال عمر : اخطبيها علي قال : فذكرت حفصة لها ذلك ، فقالت : إن عبد الله بن أبي بكر جعل لي جعلا على أن لا أتزوج بعده ، فقالت ذلك حفصة لعمر ، فقال لها عمر : مريها فلتردي ذلك على ورثته وتزوجي . قال : فذكرت ذلك لها حفصة ، فقالت لها عاتكة : أنا أشترط عليه ثلاثا : ألا يضربني ، ولا يمنعني من الحق ، [ ص: 406 ] ولا يمنعني عن الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة ، فقالت حفصة لعمر ذلك ، فتزوجها ، فلما دخل عليها أولم عليها ، ودعا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا فيهم علي بن أبي طالب ، فلما فرغوا من الطعام ، وخرجوا خرج علي فوقف ، فقال : أهاهنا عاتكة ؟ قالوا : نعم ، فصارت خلف الستر ، وقالت : ما تريد بأبي وأمي ؟ ، فذكرها بقولها في عبد الله بن أبي بكر :


فآليت لا تنفك عيني سخينة     عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

تلك الأبيات - وقال لها : هل تقولين الآن هذا ؟ فبكت عاتكة ، فسمع عمر البكاء ، فقال : ما هذا ؟ ، فقال لعلي : ما دعاك إلى ذلك - غممتها ، وغممتنا ؟ قال : فلبثت عنده حتى أصيب - رحمه الله - فرثته بأبيات قد ذكرتها في بابها من كتاب النساء من كتابي في الصحابة ، ثم اعتدت ، فلما انقضت عدتها خطبها الزبير بن العوام ، فقالت له : نعم إن اشترطت لي الثلاث الخصال التي اشترطتها على عمر ، فقال : لك ذلك ، فتزوجها ، فلما أرادت أن تخرج إلى العشاء شق ذلك على الزبير ، فلما رأت ذلك قالت : ما شئت أتريد أن تمنعني ؟ فلما عيل صبره خرجت ليلة إلى العشاء ، فسبقها الزبير فقعد لها على الطريق من حيث لا تراه ، فلما مرت جلس خلفها ، فضرب بيده على [ ص: 407 ] عجزها ، فنفرت من ذلك ومضت ، فلما كانت الليلة المقبلة سمعت الأذان فلم تتحرك ، فقال لها الزبير : ما لك ؟ هذا الأذان قد جاء ، فقالت : فسد الناس ، ولم تخرج بعد ، فلم تزل مع الزبير حتى خرج الزبير إلى الجمل فقتل ، فبلغها قتله ، فرثته ، فقالت :


يا عمرو لو نبهته لوجدته     لا الطائش منه الجنان ولا اليد

وهي أبيات قد ذكرتها في بابها من كتاب الصحابة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور حدثنا عيسى بن مسكين حدثنا محمد بن سنجر حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا موسى بن عبيدة ، عن داود بن مدرك ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا في المسجد ، إذ دخلت امرأة من مزينة ترفل في زينة لها في المسجد ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد ، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة ، وتبختروا في المسجد ‌ .

هذا ما ليحيى بن سعيد ، عن عمرة ، وله عن عمرة حديث الاعتكاف ، قد ذكرناه في باب ابن شهاب برواية يحيى له عن مالك ، عن ابن شهاب ، وهو مما رواه عن زياد ، عن مالك ، وذلك خطأ .

وإنما الحديث ليحيى بن سعيد عند جماعة الرواة ليس لابن شهاب ، والله الموفق للصواب ، وهو حديث مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف ، فلما انصرف إلى [ ص: 408 ] المكان الذي أراد أن يعتكف فيه رأى أخبية : خباء عائشة ، وخباء حفصة ، وخباء زينب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألبر تقولون بهن ؟ ثم انصرف ، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال .

هكذا هو في الموطأ مرسلا ، وقد وصله الوليد بن مسلم ، عن مالك ، وكذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة مسندا .

وقد ذكرنا ذلك ، وذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني ، وما للعلماء فيها من المذاهب في باب ابن شهاب ، عن عمرة - وإن كان ذلك خطأ لا شك فيه ، ولكن لما رواه يحيى بن يحيى ، عن مالك كذلك على ما وصفنا ، وبالله توفيقنا .

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا ابن ملاس حدثنا أبو عامر العقري حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، ومالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة : ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان ، فاستأذنته عائشة ، فأذن لها . ( وسألته حفصة أن يأذن لها ففعل ، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء لها ) . قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح انصرف إلى بنائه ، فأبصر الأبنية ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : عائشة ، وحفصة ، وزينب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنا بمعتكف ، فرجع ، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال .

التالي السابق


الخدمات العلمية