التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
403 [ ص: 409 ] حديث سابع وأربعون ليحيى بن سعيد يحيى بن النعمان بن مرة - حديث واحد ، وهو أول مراسيل يحيى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن النعمان بن مرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما ترون في الشارب ، والسارق ، والزاني - وذلك قبل أن ينزل فيهم - ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هن فواحش ، وفيهن عقوبة ، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ، قالوا : وكيف يسرق صلاته ، قال : لا يتم ركوعها ، ولا سجودها .


لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث ، عن النعمان بن مرة - وهو حديث صحيح يستند من وجوه من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد .

أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر أخبرنا مسلمة بن قاسم أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني - بسيراف حدثنا أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القاهر قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري .

وحدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال : [ ص: 410 ] حدثنا هارون بن عبد الله قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري .

وحدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال أخبرنا علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أسوأ السرقة سرقة الذي يسرق صلاته ، قالوا : وكيف يسرقها ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .

وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال : حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن شر الناس سرقة الذي يسرق صلاته ، قالوا : وكيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .

وروى الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما تعدون الكبائر فيكم ؟ قلنا : الشرك ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر قال : هن كبائر ، وفيهن عقوبات ، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى قال : شهادة الزور .

والحكم هذا ضعيف عنده مناكير لا يحتج به ، ولكن فيما تقدم ما يعضد هذا .

[ ص: 411 ] في حديث مالك من الفقه : طرح العالم على المتعلم المسائل ، وفيه أن شرب الخمر ، والسرقة ، والزنا ، فواحش ، والله - عز وجل - قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومعلوم أنه لم يرد شرب الماء ، وإنما أراد شرب ما حرمه الله من الأشربة .

وفيه دليل على أن الشارب يعاقب ، وعقوبته كانت مردودة إلى الاجتهاد ، فلذلك جمع عمر الصحابة فشاورهم في حد الخمر ، فاتفقوا على ثمانين ، فصارت سنة ، وبها العمل عند جماعة فقهاء المدينة ، ومكة ، والكوفة ، والبصرة ، والشام ، والمغرب وجمهور أهل الحديث ، وما خالفهم شذوذ ، وبالله التوفيق .

وأما السرقة ، والزنى ، فقد أحكم الله حدودهما في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما لا مدخل للرأي فيه ، وأظن قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا كان عند نزول قول الله - عز وجل - في فاحشة الزنى ( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ) وبعد قوله ( فأمسكوهن في البيوت ) ثم نسخ ذلك كله بالجلد والحد .

وفيه دليل على أن ترك الصلاة أو ترك إقامتها على حدودها من أكبر الذنوب ، ألا ترى أنه ضرب المثل لذلك بالزاني ، والسارق ، ومعلوم أن السرقة والزنا من الكبائر ، ثم قال : وشر السرقة أو أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته كأنه قال : وشر ذلك سرقة من يسرق صلاته ، فلا [ ص: 412 ] يتم ركوعها ، ولا سجودها .

وقد مضى القول في تارك الصلاة ممن يؤمن بفرضها في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب .

حدثني قاسم بن محمد قال : حدثني خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا 4 إبراهيم بن مرزوق حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة أخبرني سليمان الأعمش سمعت عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا عبد الملك بن بحر حدثنا موسى بن هارون حدثنا ابن أخي جويرية حدثنا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل ، عن حذيفة أنه رأى رجلا يصلي لا يقيم ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته دعاه ، فقال : مذ كم صليت هذه الصلاة ؟ قال : صليتها منذ كذا وكذا ، فقال له حذيفة : ما صليت لله صلاة .

وقال مالك في رواية ابن وهب عنه ، والشافعي ، والثوري وجمهور الفقهاء : من لم يتم ركوعه ولا سجوده في الصلاة وجب عليه إعادتها ، وكذلك عندهم من لم يعتدل قائما في ركوعه ، ولا جالسا بين السجدتين ; وقد روى ابن القاسم عن مالك في ذلك ما يشبه قول أبي حنيفة ، وقد أوضحنا أن قول أبي حنيفة في ذلك شذوذ عن جمهور الفقهاء ، وخلاف لظاهر الآثار المرفوعة في هذا الباب ، وذكرنا [ ص: 413 ] اختلاف الفقهاء فيمن لم يعتدل في ركوعه ولا سجوده في باب أبي الزناد عند قوله : من أم الناس فليخفف ، وأوضحنا ذلك المعنى هناك بالآثار ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

وقد حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المومن حدثنا المفضل بن محمد حدثنا علي بن زياد حدثنا أبو قرة قال : سمعت مالكا يقول : إذا نقص الرجل صلاته في ركوعه وسجوده ، فإني أحب أن يبتدئها .

قال أبو عمر : كأنه يقول : إنه أحب إليه من إلغاء الركعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية