التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1506 [ ص: 414 ] حديث ثامن وأربعون ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، وغير واحد ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، وعن محمد بن سيرين : أن رجلا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق عبيدا له ستة عند موته ، فأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق ثلث تلك العبيد .


هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، وغير واحد ، وتابعه طائفة من رواة الموطأ ، وروته - أيضا - جماعة ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن غير واحد ، عن الحسن ، وابن سيرين مثله مرسلا .

وقال مالك : بلغني أنه لم يكن للرجل مال غيرهم ، وهذا الحديث يتصل من حديث الحسن ، وابن سيرين ، عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث ثابت صحيح .

رواه عن الحسن جماعة منهم : قتادة ، وسماك بن حرب ، وأشعث بن عبد الملك ، ويونس بن عبيد ، ومبارك بن ، فضالة ، وخالد الحذاء ، ويتصل - أيضا - من حديث أبي هريرة من رواية ابن سيرين ، وغيره .

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس حدثنا محمد بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع ، عن [ ص: 415 ] يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن ، وابن سيرين ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق ستة أعبد في مرضه ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة .

سقط من هذا الحديث ، ومن حديث مالك قوله فيه : ليس له مال غيرهم ، وهو لفظ محفوظ في هذا الحديث عند الجميع ، والأصول كلها تشهد بأن الأمر الموجب للقرعة بينهم أنه لم يكن له مال غيرهم .

وحدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين البغدادي بمكة قال : حدثنا عبد الله بن صالح البخاري حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عمران بن حصين ، وعن قتادة ، وحميد ، وسماك ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ، وليس له مال غيرهم ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين ، ورد أربعة في الرق .

قال حماد بن سلمة : وحدثنا عطاء الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

[ ص: 416 ] قال أبو عمر : قال يحيى القطان : مبارك أحب إلي في الحسن من الربيع بن صبيح .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قالا : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد ، عن يحيى بن عتيق ، وأيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته ، ولم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

قال يحيى : وقال محمد : لو لم يبلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان رأيي .

أخبرنا محمد بن خليفة قال أخبرنا محمد بن الحسين قال أخبرنا عبد الله بن أبي داود حدثنا نصر بن علي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عمران بن حصين : أن رجلا كان له ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم ، فأعتقهم عند موته ، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن المديني قال : حدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا الأشعث ، عن الحسن ، عن عمران بن [ ص: 417 ] حصين : أن رجلا أعتق ستة مملوكين لم يكن له مال غيرهم عند موته ، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين ، فأرق أو أبقى أربعة .

وأخبرنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا قاسم بن زكرياء المطرز قال : حدثنا أحمد بن سفيان ، وأبو بكر بن رنجويه قال : حدثنا الفرياني ، عن سفيان ، عن سماك ، وخالد ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد غلمة عند الموت ، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق ثلثهم ، وقال : لو علمنا ما صلينا عليه أو ما دفن في مقابرنا .

وحدثنا سعيد بن نصير ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : أن رجلا مات ، وأعتق ستة مملوكين ليس له مال غيرهم ، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة ، وقال : لو أدركته ما صليت عليه .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر قال : حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة ، عن سماك بن حرب ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة ، فجاء ورثته من الأعراب ، فأخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما صنع ، فقال : أو فعل ذلك ؟ قالوا : نعم قال : لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه ، فأقرع بينهم ، فأعتق منهم اثنين ، ورد أربعة في الرق .

[ ص: 418 ] وحدثنا سعيد ، وعبد الوارث قالا : حدثنا قاسم حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : أن رجلا كان له ستة أعبد ، فأعتقهم عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكره ذلك ، ثم جزأهم ثلاثة أجزاء ، فأقرع بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا أيوب ، عن محمد : أن عمران بن حصين كان يحدث أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا بهم ، فجزأهم ، ثم أقرع بينهم ، فأعتق اثنين ، ورد أربعة في الرق .

فهذه رواية الحسن ، وابن سيرين لهذا الحديث ، وقد رواه أبو المهلب ، عن عمران بن حصين - وهو حديث بصري ، انفرد به أهل البصرة .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ، وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قالا : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين : أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للرجل قولا شديدا [ ص: 419 ] ثم دعاهم ، فجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

ورواه أبو هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن موسى قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الله بن المختار ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة : أن رجلا كان له ستة أعبد ، فأعتقهم عند موته ، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق منهم اثنين ، وأرق أربعة .

ورواه بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا بشر بن المفضل قال إسماعيل : وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان أخبرنا إسماعيل بن أمية أنه سمع مكحولا يحدث عن سعيد بن المسيب : أن امرأة أعتقت ستة مملوكين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لها مال غيرهم ، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

قال : حدثنا علي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول : سمعت سعيد بن المسيب يقول : أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم ، فذكر الحديث .

[ ص: 420 ] قال : وأخبرنا ابن جريج قال : أخبرني سليمان بن موسى قال : سمعت مكحولا يقول : أعتقت امرأة من الأنصار توفيت أعبدا لها ستة ، لم يكن لها مال غيرهم ، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب ، وقال في ذلك قولا شديدا ، ثم دعا بستة قداح ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين .

قال سليمان بن موسى : كنت أراجع مكحولا ، فأقول : إن كان ثمن عبد ألف دينار أصابته القرعة فذهب المال ، فقال : قف على أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال ابن جريج قلت لسليمان : الأمر يستقيم على ما قال مكحول قال : كيف ؟ قلت : يقامون قيمة ، فإن زاد اللذان أعتقا على الثلث أخذ منهما ، وإن نقصا أعتق ما بقي - أيضا - بالقرعة ، فإن ، فضل عليه أخذ منه ; قال : لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم .

قال إسماعيل القاضي : قد ذكر غير واحد في الأحاديث المسندة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جزأهم ، فهذا يدل على القيمة ، ولو لم يذكر التجزئة في الحديث لعلم أن القيمة لا بد منها إذا كان الواجب في ذلك إخراج الثلث ، فإن استوى الرقيق كانوا على العدد ، وإن لم يستووا كانوا على القيمة على ما فسره ابن جريج ، وهو قول مالك .

حدثنا سعيد ، وعبد الوارث قالا : حدثنا قاسم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب [ ص: 421 ] وعن كثير بن شبطير - أن الحسن حدث به ، عن عمران بن حصين - وكان يراه ويقضي به .

وحدثنا سعيد ، وعبد الوارث قالا : حدثنا قاسم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن يحيى قال : ذهب بعض الناس إلى أن يراجع محمدا فيه ، فقال : لو لم يبلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان رأيي .

قال أبو عمر : اختلف العلماء في الرجل يعتق عند موته عبيدا له في مرضه ، ولا مال له غيرهم ، أو يوصي بعتقهم كلهم ، ولا مال له غيرهم ، فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما بهذا الأثر الصحيح وذهبوا إليه ، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ، والطبري وجماعة من أهل الرأي والأثر .

ذكر ابن عبد الحكم قال : من أعتق عبيدا له عند الموت ليس له مال غيرهم قسموا ثلاثا ، ثم يسهم بينهم ، فيعتق ثلثهم بالسهم ، ويرق ما بقي ، وإن كان فيهم فضل رد السهم عليهم ، فأعتق الفضل - وسواء ترك مالا غيرهم أو لم يترك قال : ومن أعتق رقيقا له عند الموت - وعليه دين يحيط بنصفهم ، فإن استطاع أن يعتق من كل واحد نصفه ، فعل ذلك بهم .

[ ص: 422 ] قال : ومن قال : ثلث رقيقي حر أسهم بينهم ، وإن أعتقهم كلهم أسهم بينهم إذا لم يكن له مال غيرهم ، وإن قال : ثلث كل رأس حر أو نصفه لم يسهم بينهم .

وقال ابن القاسم : كل من أوصى بعتق عبيده أو بت عتقهم في مرضه - ولم يدع غيرهم ، فإنه يعتق بالسهم ثلثهم ، وكذلك لو ترك مالا - والثلث لا يسعهم ، لعتق مبلغ الثلث منهم بالسهم ، وكذلك لو أعتق منهم جزءا سماه أو عددا سماه ، وكذلك لو قال : رأس منهم حر ، فبالسهم يعتق منهم من يعتق إن كانوا خمسة فخمسهم ، أو ستة فسدسهم ، خرج لذلك أقل من واحد أو أكثر ، ولو قال عشرة ، وهم ستون عتق سدسهم ، أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل ، وهذا كله مذهب مالك .

قال أبو عمر : لم يختلف مالك وأصحابه في الذي يوصي بعتق عبيده في مرضه ، ولا مال له غيرهم ، أنه يقرع بينهم ، فيعتق ثلثهم بالسهم ، وكذلك لم يختلف قول مالك وجمهور أصحابه أن هذا حكم الذي يعتق عبيده في مرضه عتقا بتلا - ولا مال له غيرهم .

وقال أشهب ، وأصبغ : إنما القرعة في الوصية ، وأما في البتل ، فهم كالمدبرين .

قال أبو عمر : حكم المدبرين عندهم إذا دبرهم سيدهم في كلمة واحدة ; أنه لا يبدأ بعضهم على بعض ، ولا يقرع بينهم ، ويفض الثلث على جميعهم [ ص: 423 ] بالقيمة ، فيعتق من كل واحد حصته من الثلث ، وإن لم يدع مالا غيرهم عتق ثلث كل واحد ، وإن دبر في مرضه واحدا بعد واحد بدأ الأول فالأول ، كما لو دبرهم في الصحة أو في مرض ثم صح .

قال أبو عمر : قول أشهب وأصبغ هذا خلاف السنة ، ولأن الحديث إنما ورد في رجل أعتق في مرضه ستة مملوكين لا مال له غيرهم ، وهو أيضا مخالف لقول أهل الحجاز ، ومخالف لقول أهل العراق .

وذكر ابن حبيب ، عن ابن القاسم ، وابن كنانة ، وابن الماجشون ، ومطرف قالوا : إذا أعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتقا بتلا ، أو أوصى لهم بالعتاقة كلهم أو بعضهم ، سماهم أو لم يسمهم ، إلا أن الثلث لا يحملهم ، أن السهم يجزئ فيهم كان له مال سواهم أو لم يكن .

قال ابن حبيب : وقال ابن نافع : إن كان له مال سواهم لم يسهم بينهم ، وأعتق من كل واحد ما ينوبه ، وإن لم يكن له مال سواهم أو كان له مال تافه ، فإنه يقرع بينهم .

وقال الشافعي : وإذا أعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتق بتات ، انتظر بهم ، فإن صح عتقوا من رأس ماله ، وإن مات ولا مال له غيرهم أقرع بينهم ، فأعتق ثلثهم ، قال الشافعي : والحجة في أن العتق البتات في المرض وصية : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرع بين ستة مملوكين [ ص: 424 ] أعتقهم الرجل في مرضه ، وأنزل عتقهم وصية ، فأعتق ثلثهم قال : ولو أعتق في مرضه عبيدا له عتق بتات - وله مدبرون وعبيد أوصى بعتقهم بعد موته بدئ بالذين بت عتقهم ; لأنهم يعتقون عليه إن صح ، وليس له الرجوع فيهم بحال قال الشافعي : والقرعة أن تكتب رقاع ، ثم تكتب أسماء العبيد ، ثم تبندق بنادق من طين ، ويجعل في كل رقعة بندقة ، ويجزأ الرقيق أثلاثا ، ثم يؤمر رجل لم يحضر الرقاع فيخرج رقعة على كل جزء بعينه ، وإن لم يستووا في القيمة عدلوا - وهم قليل الثمن إلى كثير الثمن ، وجعلوا ثلاثة أجزاء قلوا أو كثروا ، إلا أن يكونوا عبدين ، فإن وقع العتق على جزء فيه عدة رقيق أقل من الثلث ، أعيدت القرعة بين السهمين الباقيين ، فأيهم وقع عليه ، عتق منه باقي الثلث ، وقول أحمد بن حنبل في هذا كله كقول الشافعي .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه فيمن أعتق عبيدا له في مرضه ، ولا مال له غيرهم : إنه يعتق من كل واحد منهم ثلثه ، ويسعى في ثلثي قيمته الورثة .

قال أبو حنيفة : وحكمه ما دام يسعى حكم المكاتب .

وقال أبو يوسف ومحمد : هم أحرار ، وثلثا قيمتهم دين عليهم يسعون في ذلك حتى يؤدوه إلى الورثة .

قال أبو عمر : وإنما حمل الكوفيين على ذلك أصلهم في أخبار الآحاد ; لأنهم لا يقبلون منها ما عارضه شيء من معاني السنن المجتمع عليها ، وقالوا : [ ص: 425 ] من السنة المتفق عليها فيمن بتل عتق عبيده في مرضه - وله مال يحملهم ثلثه أنهم يعتقون كلهم ، والقياس على هذا - إذا لم يكن له مال غيرهم - : أن يعتق من كل واحد ثلث ، فليس منهم أحد أولى من صاحبه .

قال أبو عمر : رد الكوفيون هذه السنة ، ولم يقولوا بها - ورأوا القرعة في ذلك من القمار الخطر ، حتى لقد حكى مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن محمد بن ذكوان أنه سمع حماد بن أبي سليمان ، فذكر له الحديث الذي جاء في القرعة بين الأعبد ، فقال : هذا قول الشيخ - يعني إبليس ، فقال له محمد بن ذكوان : وضع القلم عن ثلاثة أحدهم المجنون حتى يفيق أي : إنك مجنون ، وكان حماد يصرع في بعض الأوقات ، ثم يفيق ، فقال له حماد : ما دعاك إلى هذا ؟ فقال له محمد بن ذكوان : وأنت ما دعاك إلى هذا ؟ .

( قال أبو عمر : في قول الكوفيين في هذا الباب ضروب من الخطأ والاضطراب مع خلاف السنة في ذلك ، وقد رد عليهم في ذلك جماعة من المالكيين ، والشافعيين ، وغيرهم منهم إسماعيل وغيره .

وحكمهم بالسعاية فيه ظلم ; لأنهم أحالوهم على سعاية لا يدرى ما يحصل منها ؟ وظلم للورثة ; إذ أجازوا عليهم في الثلث عتق الجميع بما لا يدرى أيضا أيحصل أم لا ؟ ، وظلم للعبيد ; لأنهم ألزموا مالا جناية ، وبين [ ص: 426 ] الشافعي ، ومالك في هذا الباب من فروعه تنازعا ليس هذا موضع ذكره لتشعب القول فيه .

قال أبو عمر : أما القول في هذا الباب بالقرعة ، فقد احتج فيه الشافعي ، وغيره بقول الله - عز وجل - ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) الآية ، وبقوله - عز وجل - ( وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين ) ، وكفى بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي أعتق ستة مملوكين له عند موته لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق ثلثهم .

وبأنه كان يقرع بين نسائه أيتهن يخرج بها إذا أراد سفرا لاستوائهم في الحق لهن .

وبإجماع العلماء على أن دورا لو كانت بين قوم قسمت بينهم ، وأقرع بينهم في ذلك ، وهذا طريق الشركة في الأملاك التي تقع فيها القسمة بالقرعة على قدر القيمة ; لأن حق المريض الثلث ، وحق الورثة الثلثان ، فصار بمنزلة شريكين لأحدهما سهم ، كما لو أن الميت وهب العبيد كلهم لقوم ثم مات ، لقسموا بين القوم وبين الورثة بالقرعة هكذا ، وإنما نفر [ ص: 427 ] أبو حنيفة ، ومن قال بقوله من هذا القول ; لأنهم جعلوا هذا بمنزلة من أعتق ثلث كل عبد من عبيده ، فلم يجز أن يعتق بالقرعة بعضهم ، فغلطوا هاهنا في التشبيه ، والله المستعان .

أخبرنا فائق مولى أحمد بن سعيد عنه ، عن عبد الملك بن بحر بن شاذان ، عن محمد بن إسماعيل الصائغ ، عن الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عفان بن مسلم قال أخبرنا سليم قال : حدثنا ابن عون قال : قال لي محمد : جاءني خالد ، فقال : أرأيت الذين قالوا إنه أقرع بينهم ، فقلت له : إن نقصا برأيك أن ترى أن رأيك أفضل من رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولولا أنه كان في غير بيتي لأسمعته غير ذلك .

قال أبو عمر : في هذا الحديث - أيضا - من الفقه إبطال السعاية ، ورد لقول العراقيين في ذلك ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل على أولئك العبيد سعاية .

وفيه دليل على أن أفعال المريض كلها من عتق وهبة ، وعطية ، ووصية لا يجوز منها أكثر من الثلث ، وأن ما بتله في مرضه حكمه حكم الوصية ، وعلى ذلك جماعة فقهاء الأمصار ، وخالفهم في ذلك أهل الظاهر وطائفة من أهل النظر ، والحجة عليهم بينة بهذا الحديث .

[ ص: 428 ] وفيه - أيضا - دليل على أن الوصية جائزة لغير الوالدين والأقربين ; لأن العبيد عتقهم في المرض وصية لهم ، ومعلوم أنهم لم يكونوا بوالدين لمالكهم المعتق لهم ، ولا بأقربين له .

وقد مضى ذكر الوصايا ممهدا في باب نافع من هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية