التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
286 [ ص: 39 ]

حديث سابع وخمسون ليحيى بن سعيد

مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول : أقرأ بأم القرآن أم لا .


هكذا هذا الحديث ، عند جماعة الرواة للموطأ ، وقد رواه ابن عيينة وغيره ، عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة ، عن عائشة .

قرأت على أحمد بن عبد الله أن الميمون بن حمزة حدثهم بمصر قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد بن عبد الرحمن قال : سمعت عمرة تحدث عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين قبل الفجر حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن .

وهكذا رواه أبو أسامة ويزيد بن هارون وزهير بن معاوية عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة ، عن عائشة [ ص: 40 ] .

وهو حديث ثابت صحيح ، وقد روي عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد عن عمرو بن حزم وفيه نظر .

وقد رواه هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة ذكره البزار عن محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الله بن داود وعبد الوهاب الثقفي عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة فذكره .

وفيه من الفقه دليل على أن قراءة أم القرآن لا بد منها في كل صلاة نافلة ، وغيرها ، وأنها تجزئ مما سواها ، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، و كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ما يغني ، عن الاستدلال بما ذكرنا ، والحمد لله .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في ركعتي الفجر بـ ( قل ياأيها الكافرون ) ، و ( ) قل هو الله أحد ( من حديث عائشة ، وحديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود وكلها صحاح ثابتة ، لكن المعنى فيها أن ذلك كان مع أم القرآن بدليل ما ذكرنا من قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وهي خداج ، ولا حجة في ذلك لمن ذهب إلى أن أم القرآن ، وغيرها سواء لأن حديثه في ) قل ياأيها الكافرون ( ) ، و ( قل هو الله أحد ) مرتب على ما ذكرنا ، وهذا بين لمن ألهم رشده .

أخبرنا سعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف وخلف بن سعيد قالوا : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد [ ص: 41 ] بن خالد قال : حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا عون بن يوسف حدثنا علي بن زياد حدثنا سفيان عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عائشة قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعتين قبل صلاة الفجر فقرأ فيهما ( قل ياأيها الكافرون ) ، و ( قل هو الله أحد .

قال أحمد بن خالد بهذا آخذ .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال : حدثنا الخضر بن داود قال : حدثنا الأثرم قال : حدثنا قبيصة حدثنا سفيان ، عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين قبل الفجر بـ ) قل ياأيها الكافرون ( ) ، و ( قل هو الله أحد ) فيسر القراءة فيهما .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في ركعتي الفجر ( قل ياأيها الكافرون ) ، و ( ) قل هو الله أحد ( يسر فيهما القراءة .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو الأحوص قال : حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب ، والركعتين قبل الفجر ) قل ياأيها الكافرون ( ) ، و ( قل هو الله أحد ) [ ص: 42 ] .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي قال : حدثنا محمد بن نصر بن منصور أبو جعفر الصائغ وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود وحدثنا يحيى بن عبد الرحمن وسعيد بن نصر قالا : حدثنا ابن أبي دليم قال : حدثنا ابن وضاح وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا ابن وضاح وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قالوا كلهم : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا مروان بن معاوية قال : أخبرنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر ، وقال بعضهم : كان يقرأ في ركعتي الفجر ( قل ياأيها الكافرون ) ، و ( قل هو الله أحد ) .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال : حدثنا بدل بن المحبر قال : حدثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي عن عاصم بن بهدلة عن زر وأبي وائل عن عبد الله قال : ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي المغرب ، وركعتي الفجر ( قل ياأيها الكافرون ) ، و ( قل هو الله أحد ) [ ص: 43 ] .

قال أبو عمر : إنما قراءته لهاتين السورتين في ركعتي الفجر كقراءته فيهما الآية من البقرة ، والآية من آل عمران ، وذلك كله مع أم القرآن ، والله أعلم .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم قال : أخبرني سعيد بن يسار عن عبد الله بن عباس أن : كثيرا ما كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) هذه الآية قال : هذه في الركعة الأولى ، وفي الركعة الآخرة ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) .

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس وقال فيه : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) ، والتي في آل عمران ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) ( .

حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخففهما يعني الركعتين قبل الفجر [ ص: 44 ] .

قال أبو عمر : في مراعاة العلماء من الصحابة ، والسلف الصالح ، واهتبالهم بركعتي الفجر ، وتخفيفهما ، وما يقرأ فيهما مع مواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهما ، وحضه أمته عليهما ، وأمره إعادتهما بعد وقتهما دليل على أنهما من مؤكدات السنن ، وعلى ما ذكرت لك جمهور الفقهاء إلا أن من أصحابنا من يأبى أن تكون سنة ، وقال : هما من الرغائب ، وليستا بسنة ، وهذا لا وجه له فيشتغل به .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ، - ولا إلى غنيمة .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر [ ص: 45 ] .

قال أبو عمر : هذا يدل على أنهما أوكد من الوتر ; لأن الوتر من صلاة الليل فإنما هو وتر صلاة الليل ، وصلاة الليل نافلة بإجماع المسلمين ، وقال الله عز وجل ومن الليل فتهجد به نافلة لك

فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تعاهدا ، ومواظبة ، وإسراعا إلى ركعتي الفجر منه إلى سائر النوافل دل على تأكيدها ، وإنما تعرف مؤكدات السنن بمواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها ; لأن أفعاله كلها سنن ، صلوات الله وسلامه عليه ، ولكن بعضها أوكد من بعض ، ولا يوقف على ذلك إلا بما واظب عليه ، وندب إليه منها ، وبالله التوفيق .

وممن قال إن ركعتي الفجر سنة مؤكدة - مالك فيما روى عنه أشهب وعلي بن زياد وهو قولهما ، وقول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وجماعة أهل الفقه والأثر فيما علمت لا يختلفون في ذلك ، واستدل بعضهم على تأكيدها بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها حين نام على صلاة الفجر ، ولم يقض شيئا من السنن غيرها بعد انقضاء وقتها .

حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [ ص: 46 ] .

وأما أقاويل الفقهاء في القراءة في ركعتي الفجر .

فقال مالك : أما أنا فلا أزيد فيهما على أم القرآن في كل ركعة لحديث عائشة المذكور في هذا الباب رواه ابن القاسم عنه .

وقال ابن وهب عنه : لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن .

وقال الشافعي : يخفف فيهما ، ولا بأس أن يقرأ مع أم القرآن سورة قصيرة .

وروى ابن القاسم عن مالك أيضا مثله .

وقال الثوري : يخفف فإن فاته شيء من حزبه بالليل فلا بأس أن يقرأه فيهما ، ويطول .

وقال أبو حنيفة : ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبين من القرآن ، وهو مذهب أصحابه .

قال أبو عمر : السنة تشهد لقول مالك والشافعي في هذا الباب ، والله الموفق للصواب

التالي السابق


الخدمات العلمية