التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
23 [ ص: 75 ]

حديث رابع وستون ليحيى بن سعيد

767 مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : إن الرجل ليصلي الصلاة ، وما فاتته ، ولما فاته من وقتها أعظم ، أو أفضل من أهله وماله .


وهذا موقوف في الموطأ ، ويستحيل أن يكون مثله رأيا فكيف ، وقد روي مرفوعا بإسناد ليس بالقوي .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثني جدي قال : حدثنا يعقوب بن الوليد عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أحدكم ليصلي الصلاة ، وما فاته من وقتها أشد عليه من أهله وماله .

وهذا يدل على أن أول الوقت أفضل ، وكان مالك فيما حكى ابن القاسم عنه : لا يعجبه قول يحيى بن سعيد هذا [ ص: 76 ] .

قال أبو عمر : أظن ذلك ، والله أعلم من أجل قوله - صلى الله عليه وسلم - ما بين هذين وقت .

فجعل والذي يصح عندي من ترك مالك الإعجاب بهذا أول الوقت ، وآخره وقتا ، ولم يقل : إن أوله أفضل الحديث لأن فيه ، وما فاته من وقتها أفضل من أهله وماله ، أو أشد عليه من ذهاب أهله وماله .

وهذا اللفظ قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فيمن فاتته صلاة العصر فوتا ، عند أهل العلم كليا حتى يخرج وقتها كله ، ولا يدرك منها ركعة قبل الغروب ، وهذا المعنى يعارض ظاهر قوله في هذا الحديث ، وما فاتته ، ولما فاته من وقتها ؛ لأن قوله فاته وقتها غير قوله فاته من وقتها ، فكأن مالكا رحمه الله لم ير أن بين أول الوقت ، ووسطه ، وآخره من الفضل ما يشبه مصيبة من فاته ذلك بمصيبة من ذهب أهله وماله ؛ لأن ذلك إنما ورد في ذهاب الوقت كله .

هذا عندي معنى قول مالك والله أعلم لأن في هذا الحديث أن فوات بعض الوقت كفوات الوقت كله ، وهذا لا يقوله أحد من العلماء لا من فضل أول الوقت على آخره ، ولا من سوى بينهما ؛ لأن فوت بعض الوقت مباح ، وفوت الوقت كله لا يجوز ، وفاعله عاص لله إذا تعمد ذلك ، وليس كذلك من صلى في وسط الوقت وآخره ، وإن كان من صلى في أول الوقت أفضل منه ، وتدبر هذا تجده كذلك إن شاء الله .

قال أبو عمر : من فضل أول الوقت فله دلائل وحجج قد ذكرناها في مواضع من هذا الكتاب ، والحمد لله ، وهذا الحديث من أحسنها ، والوجه فيه أنه [ ص: 77 ] غير معارض لحديث ابن عمر ؛ لأن الإشارة في حديث هذا الباب إلى تفضيل أول الوقت ، وتعظيم عمل الصلاة ، والبدار إليها فيه ، والتحقير للدنيا يقول : إن من ترك الصلاة إلى آخر وقتها ، وهو قادر على فعلها فقد ترك من الفضل ، وعظيم الأجر ما هو أعظم ، وأفضل من أهله وماله ؛ لأن قليل الثواب في الآخرة فوق ما يؤتى المرء في الدنيا من الأهل ، والمال ، ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ويدلك على ما ذكرنا حديث العلاء عن أنس مرفوعا : تلك صلاة المنافقين يعيب تارك العصر إلى اصفرار الشمس من غير عذر ، وحكم صلاة الصبح ، وصلاة العشاء كحكم صلاة العصر عند العلماء ; لأنها لا تشترك مع غيرها بعدها ، فحديث هذا الباب ورد في تفضيل الصلاة لأول وقتها على ما ذكرنا لا أن فاعل ذلك كمن وتر أهله وماله ، والله أعلم .

وقد مضى القول في معنى قوله عليه السلام من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله في باب نافع من كتابنا هذا ، والحمد لله .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة في أول وقتها . [ ص: 78 ] .

قال ، وحدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا المسعودي عن عبد الملك بن عمير عن أبي حثمة عن الشفا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أفضل العمل الصلاة على أول وقتها .

قال ، وحدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته ، عن أم فروة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أفضل ؟ فقال : الصلاة في أول وقتها .

وروى الليث بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن جدته الدنيا ، عن جدته القصوى أم فروة ، وكانت من المبايعات : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الصلاة لأول وقتها .

وهذه الآثار قد عارضها من صحيح الآثار ما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله

التالي السابق


الخدمات العلمية