التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1013 [ ص: 94 ]

حديث موف سبعين ليحيى بن سعيد

مالك عن يحيى بن سعيد قال : لما كان يوم أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يأتني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري فقال رجل : أنا يا رسول الله ، فذهب الرجل يطوف بين القتلى ، فقال له سعد بن الربيع ما شأنك ؟ فقال الرجل : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآتيه بخبرك ، قال : فاذهب إليه فأقرئه ( مني ) السلام ، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة ، وأني قد أنفذت مقاتلي ، وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وواحد منهم حي .


هذا الحديث لا أحفظه ، ولا أعرفه إلا عند أهل السير ، فهو عندهم مشهور معروف .

ذكر ابن إسحاق قال : لما انصرف أبو سفيان ومن معه من أحد ، ووجهوا إلى مكة فزع الناس إلى قتلاهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل ، فنظر فوجده جريحا في القتلى ، وبه رمق ، قال : فقلت له : إن رسول الله [ ص: 95 ] - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر أفي الأحياء أم في الأموات ؟ قال : أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ، ومنكم عين تطرف ، قال : ثم لم أبرح حتى مات ، قال : فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته خبره ، قال ابن إسحاق : حدثني بخبره هذا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أحد بني النجار .

وقال ابن هشام : حدثني أبو بكر الزبيري أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ، فقال رجل : من هذه ؟ قال : بنت رجل خير مني سعد بن الربيع كان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد .

قال أبو عمر :

تخلف سعد بن الربيع - رحمه الله - ابنتين اثنتين ، وبهما عرفت السنة ، والمراد من كتاب الله - عز وجل - في ميراث الابنتين ; لأن القرآن إنما نطق بقوله : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فأخبره بميراث الواحدة ، وميراث ما فوق الاثنين ، ولم يذكر الاثنتين ، فلما أعطى رسول الله [ ص: 96 ] - صلى الله عليه وسلم - ابنتي سعد بن الربيع الثلثين ، علم أن مراد الله - عز وجل - أن ميراث الاثنتين من البنات كميراث ما فوقهن من العدد لا كميراث الواحدة ، فكأنه قال - عز وجل - فإن كن نساءا اثنتين فما فوقهما ، فلهن الثلثان ، وقد قيل إن ذلك أخذ قياسا ، واعتبارا بالأختين ، وهذا - والحمد لله - إجماع ، وإن اختلف في السبب ، وقد قيل إن قوله : فوق اثنتين معناه اثنتين كما قال : فوق الأعناق يريد الأعناق .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا إسحاق بن عيسى - يعني ابن الطباع قال : حدثنا عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : إن امرأة من الأنصار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بابنتي سعد بن الربيع فقالت : يا رسول الله سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا ، فأخذ عمهما كل شيء من تركته ، فلم يدع لهما من مال أبيهما قليلا ، ولا كثيرا ، والله ما لهما مال ، ولا ينكحان إلا ولهما مال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت السورة يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف [ ص: 97 ] الآية .

فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمهما فقال : أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك
.

قال أبو يعقوب : وهذا القول الذي ليس فيه اختلاف أبو يعقوب هذا هو إسحاق بن الطباع .

التالي السابق


الخدمات العلمية