التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1698 [ ص: 244 ] حديث أول لزيد بن أسلم مسند صحيح عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ، وزيد بن أسلم : كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء .


قال أبو عمر :

الخيلاء : التكبر ، وهي الخيلاء ، والمخيلة يقال منه : رجل خال ، ومختال شديد الخيلاء ، وكل ذلك من البطر ، والكبر ، والله لا يحب المتكبرين ، ولا يحب كل مختال فخور .

وهذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ، ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور ، غير أن جر الإزار ، والقميص ، وسائر الثياب مذموم على كل حال .

وأما المستكبر الذي يجر ثوبه ، فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد .

[ ص: 245 ] يروى عن النبي عليه السلام فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحدة منهما أدخلته النار .

( روى كريب بن إبراهيم ، عن أبي ريحانة سمعه يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يدخل شيء من الكبر الجنة ) .

وترك التكبر واجب فرضا ( وهيئة اللباس سنة ) .

قال - صلى الله عليه وسلم - أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، ولا جناح عليه فيما بين ذلك إلى الكعبين ، ما أسفل من ذلك ففي النار .

يعني أن هذا مستحق من فعل ذلك ، وهو عالم بالنهي ، مستخف بما جاءه عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وإن عفا الله عنه فهو أهل العفو ، وأهل المغفرة .

[ ص: 246 ] ومما يدل على أن جر الإزار مذموم على كل حال : ما ذكره أبو زرعة قال : حدثنا محمد بن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة أنه أخبرهم عن زيد بن أسلم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول لابن ابنه ( عبد الله بن واقد ) : يا بني ارفع إزارك ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء .

ألا ترى أن ابن عمر لم يقل لابن ابنه : هل تجره خيلاء ؟ بل أرسل ذلك إرسالا ; خوفا منه أن يكون ذلك خيلاء ( ولو صح أنه ليس خيلاء لدينه إن شاء الله .

وذكر الحسن الحلواني قال : حدثنا خالد بن خداش قال : حدثنا حماد بن زيد قال : كان قميص أيوب يسم الأرض ، هروي جيد ) .

وقد زعم أبو جعفر الطحاوي أن زيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر ، وهذا غلط ، وقد بان لك في حديث ابن عيينة هذا [ ص: 247 ] سماعه ، ومما يدل على ذلك أيضا ما ذكره ابن وهب في كتاب المجالس قال : أخبرنا ابن زيد ، عن أبيه : أن أباه أسلم أرسله إلى عبد الله بن عمر يكتب له إلى قيمه بخيبر أن يصنع له خصفتين للأقط ، قال : فجئته فقلت : أألج ؟ فقال : ادخل ، فلما دخلت قال : مرحبا بابن أخي لا تقل : أألج ؟ ولكن قل السلام عليكم ، فإذا قالوا : وعليك ، فقل : أأدخل ؟ فإذا قالوا : ادخل فادخل ، فقال له زيد : إن أبي يقرأ عليك السلام ، ويقول : اكتب إلى قيمك بخيبر أن يصنع له خصفتين للأقط ، فقال : نعم ، وكرامة ، اكتب يا غلام ، فكتب إلى قيمه يأمره أن يصنع لي خصفتين جيدتين حسنتين ، فلم يأل ، قال زيد : فبينما هو يكتب ; إذ دخل عليه عبد الله بن واقد ابن ابنه ، وهو ملتحف مرخ ثوبه ، فقال له : ارفع ثوبك ، فرفع ، فقال : ارفع ، فرفع ، فقال : ارفع ، فرفع ، وقال : إن في رجلي قروحا فقال : وإن ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله عز وجل إلى من يجر ثوبه من الخيلاء يوم القيامة ، وهذا واضح في كراهية ابن عمر لجر الإنسان ثوبه على كل حال ; لأن عبد الله بن واقد ، أخبره أن في رجليه قروحا ، فقال : وإن . [ ص: 248 ] وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة لم يختلفوا فيه ، منهم نافع ، وسالم ، وعبد الله بن دينار ، وعبد الله بن واقد ، وزيد بن أسلم ، ومحارب بن دثار ، وجبير بن أبي سليمان وغيرهم .

ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم : ابن عمر ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري قال : حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، وزعم أنه كان جالسا مع ابن عمر إذ مر به فتى ، شاب ، عليه جبة صنعانية يجرها ، مسبلا ، فقال : يا فتى هلم ، فقال له الفتى : ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن قال : ويحك : أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة ؟ قال : سبحان الله ، وما يمنعني من ذلك ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله إلى عبد يوم القيامة يجر إزاره خيلاء قال : فلم ير الفتى إلا مشمرا بعد ذلك اليوم حتى مات .

[ ص: 249 ] وقد ظن قوم أن جر الثوب إذا لم يكن خيلاء ، فلا بأس به ، واحتجوا لذلك بما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا البخاري قال : أخبرنا ابن مقاتل قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر : إن أحد شقي ليسترخي ، إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك لست تصنع ذلك خيلاء .

قال موسى : قلت لسالم : أذكر عبد الله من جر إزاره ؟ قال : لم أسمعه إلا ذكر ثوبه ، وهذا إنما فيه أن أحد شقي ثوبه يسترخي ، لا أنه تعمد ذلك خيلاء ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لست ذلك ، ولا يتعمده ، ولا يظن بك ذاك ، وقد مضى ما فيه كفاية في هذا المعنى ، وسنزيده بيانا في باب العلاء إن شاء الله .

وذكر موسى بن هارون الحمال قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا أبو معشر ، عن أبي حازم قال : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبد يجر ثوبه من الخيلاء حتى يضع ذلك الثوب ، وإن كان الله يحب ذلك العبد .

[ ص: 250 ] قال أبو عمر :

روى زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أحاديث ، منها هذا .

ومنها حديث ابن عمر ، عن صهيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رد السلام في الصلاة بالإشارة .

ومنها : إن من البيان لسحرا .

ومنها : من نزع يدا من طاعة .

ومنها : في حل الأزرار .

ومنها : تشقيق الكلام من الشيطان .

كلها عن النبي عليه السلام ، وكلها سمعها زيد بن أسلم من عبد الله بن عمر .

ولم يذكر في هذا الموضع من هذا الكتاب حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، عن النبي عليه السلام : خطب رجلان فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن من البيان لسحرا ، أو إن بعض البيان لسحرا .

وذكرناه في مراسيل زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، لأن يحيى أرسله ، ولم يذكر فيه ابن عمر ، ولم يتابع يحيى على ذلك - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية