التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
271 [ ص: 137 ] مالك عن أبي بكر بن عمر العمري

حديث واحد

مالك عن أبي بكر بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سعيد بن يسار أنه قال : كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة ، قال سعيد : فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ، ثم أدركت ، فقال لي عبد الله بن عمر : أين كنت ؟ فقلت : خشيت الصبح فنزلت وأوترت ، فقال عبد الله : أليس لك في رسول الله أسوة حسنة ؟ فقلت : بلى والله ، قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر على البعير .


وقع عند أكثر شيوخنا في هذا الإسناد أبو بكر بن عمرو وكان أحمد بن خالد يقول : إن يحيى رواه أبو بكر بن عمرو وهو خطأ ، وإنما هو أبو بكر بن عمر كذلك رواه جماعة أصحاب مالك .

[ ص: 138 ] قال أبو عمر :

هو كما قال أحمد بن خالد : أبو بكر بن عمر وهو معروف بالنسب ، مشهور عند أهل العلم ، وحديثه هذا حديث ثابت صحيح ، وفيه بيان أن الوتر نافلة لا فريضة ، ورد لقول من أوجب الوتر فرضا ; لأن السنة المجتمع عليها أن المسافر وغير المسافر لا يصلي الفريضة على دابته أبدا ، وهو آمن قادر على الصلاة بالأرض ، ولا يجوز له ذلك ، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسافر أن يصلي على دابته النوافل ، وقد تقدم في هذا الكتاب بيان ذلك في مواضع منه .

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الميمون محمد بن عبد الله بن مطرف العسقلاني بعسقلان ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عزوان قال : سمعت أبي ، قال : سألت مالكا عن الرجل يصلي على دابته ، فقال : أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سعيد بن يسار عن ابن عمر قال : أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو راكب .

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمود بن خليد حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا مالك عن أبي بكر بن عمر عن سعيد بن يسار عن ابن عمر قال : أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البعير .

[ ص: 139 ] قال أبو عمر :

لما أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البعير ، علمنا أن الوتر حكمه حكم النافلة لا حكم الفريضة ، إذ لا خلاف بين المسلمين ينقل كافتهم ، عن كافتهم ، عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن الفريضة لا يصليها على الدابة أحد وهو آمن قادر على أن يصليها بالأرض ، وإنما تصلى الفريضة على الدابة في شدة الخوف ، لقول الله - عز وجل - : ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا .

وقالت طائفة من أهل العلم : إنما تصلى في شدة الطين والماء والوحل على الدابة لعدم الاستطاعة على صلاتها في الماء ، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، فلما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوتر على البعير ، بان بذلك أن الوتر نافلة لا فريضة .

ومما يدل على ذلك أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : خمس كتبهن الله على العباد .

وقال الأعرابي النجدي : هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع
.

وقال الله - عز وجل - : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ، ولو كانت الصلوات ستا ، لم يكن فيها وسطى .

وقد تقدم ذكر الحالة التي يجوز فيها التنفل على الدابة ، وما للعلماء في ذلك من التنازع والاعتلال في باب عبد الله بن دينار وباب عمرو بن يحيى من هذا الكتاب ، والحمد لله .

[ ص: 140 ] وقد روى هذا الحديث محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني عن ابن وهب عن مالك عن الزهري عن أنس قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على دابته حيث توجهت به .

وكذلك رواه محمد بن إبراهيم بن قحطبة عن الحنيني عن مالك عن الزهري عن أنس .

وهذا الإسناد خطأ عند أهل العلم بالحديث ، ولا يصح فيه إلا ما في الموطأ :

مالك عن أبي بكر بن عمر عن أبي الحباب عن ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية