التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 161 ] باب بلاغات مالك ومرسلاته

مما بلغه ، عن الرجال الثقات ، وما أرسله عن نفسه في موطئه ، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك أحد وستون حديثا .

حديث أول من البلاغات

مالك عن الثقة عنده ، عن سليمان بن يسار وعن بسر بن سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت السماء ، والعيون ، والبعل العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر .


وهذا الحديث يتصل من وجوه صحاح ثابتة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر وجابر ومعاذ .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قالا : أخبرنا هارون بن سعيد بن الهيثم أبو جعفر الأيلي قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : قال رسول [ ص: 162 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : فيما سقت السماء ، والأنهار ، والعيون ، أو كان بعلا العشر ، وما سقي بالسواني ، أو النضح نصف العشر .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن مسلمة قال : حدثنا بهلول بن راشد عن يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض فيما سقت السماء ، والأنهار ، والعيون إذا كان عثريا يسقى بالماء العشر ، وما سقي بالناضح نصف العشر .

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو وأحمد بن عمرو بن السرح أبو الطاهر والحارث بن مسكين قراءة عليه - وأنا أسمع عن ابن وهب - قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا الزبير حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت الأنهار والعيون العشر ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول [ ص: 163 ] الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت الأنهار والعيون العشر ، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن سليمان المنقري قالا : حدثنا الحكم بن موسى قال : حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال : حدثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب : وما سقت السماء ، وكان سيحا ، أو كان بعلا ، ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وما سقي بالرشاء والدالية ، ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق .

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال : أخبرنا محمد بن أحمد قال : حدثنا محمد بن أيوب قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال : حدثنا رجاء بن محمد السقطي قال : حدثنا سعيد بن عامر قال : حدثنا همام عن قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن فيما سقت السماء والعيون العشر ، وما سقي بالنواضح فنصف العشر .

انفرد به همام وغيره ، يرويه عن قتادة عن أبي الخليل .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن معاذ قال : بعثني رسول الله [ ص: 164 ] - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر ، وما سقي بالدوالي نصف العشر .

قال أبو عمر :

هكذا قال أبو وائل : عن معاذ وإنما هو أبو وائل عن مسروق عن معاذ .

وأخبرنا محمد بن عمروس قال : حدثنا علي بن عمر الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن مخلد قال : حدثنا أحمد بن ملاعب قال : حدثنا محمد بن علي بن المديني قال : سمعت أبي يقول : حدثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي قال : حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن سليمان بن يسار وبسر بن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر .

قال عاصم : وحدثنيه مالك وقال : أخبرت عن سليمان بن يسار وبسر بن سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر أبا هريرة وسألت الحارث بن عبد الرحمن فقال : أخبرني سعيد بن المسيب وبسر بن سعيد عن أبي هريرة قال محمد بن علي : قال أبي : وأظن مالكا [ ص: 165 ] ترك حديث ابن أبي ذباب ولم يضعه في كتبه ، وما رأيت في كتب مالك عنه شيئا ، قال أحمد بن ملاعب : كذا قال ابن علي بن المديني في آخره : أخبرني سعيد بن المسيب وفي أوله سليمان بن يسار وسألته عنه فقال : نعم هو هكذا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا ابن الأصبهاني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر ، وبالدوالي نصف العشر .

قال أبو عمر :

قال النضر بن شميل : البعل : ماء المطر .

وقال يحيى بن آدم : البعل ما كان من الكروم والنخل ، فذهب عروقه في الأرض إلى الماء ، ولا يحتاج إلى السقي الخمس سنين والست ، تحتمل ترك السقي ، قال : والعثري ما يزرع على السحاب ، ويقال له العثير ; لأنه يزرع على السحاب ، ولا يسقى إلا بالمطر خاصة ليس يسقى بغير ماء المطر .

قال يحيى : وفيه جاء الحديث : ما سقي عثريا ، أو غيلا .

قال يحيى : والغيل سيل دون السيل الكثير ، قال : والسيل ماء الوادي إذا سال ، وما كان دون السيل الكثير فهو غيل ، وقيل : الغيل الماء الصافي دون [ ص: 166 ] السيل الكثير ، وقال ابن السكيت : الغيل الماء الجاري على الأرض ، وأما النضح والناضح ، فهي بقر السواني ، والرشاء حبل البئر ، والدلو والدالية الخطارة عندنا ، والغرب الدلو .

وقد جاء في الحديث : ما سقي بالغرب ، أو كان عثريا ، أو سقي نضحا ، أو سيحا ، أو سقي بالرشاء .

وهذه الأحاديث كلها بمعنى واحد ، وأجمع العلماء على القول بظاهرها في المقدار المأخوذ في الشيء المزكى من الزرع ، وذلك العشر في البعل كله من الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة - عندهم - كل على أصله ( من الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة ) على حسبما قدمنا عنهم في باب عمرو بن يحيى من هذا الكتاب ، وكذلك ما سقت العيون والأنهار ; لأن المئونة فيه قليلة ، واتباعا للسنة ، وأما ما سقي بالدوالي والسواني ، فنصف العشر فيما تجب فيه الزكاة عندهم ، هذا ما لا خلاف فيه بينهم .

واختلفوا في معنى آخر من هذا الحديث : فقالت طائفة : هذا الحديث يوجب العشر في كل ما زرعه الآدميون من الحبوب ، والبقول ، وكل ما أنبتته أشجارهم من الثمرات كلها قليل ذلك وكثيره ، يؤخذ منه العشر ، أو نصف العشر على حسبما ذكرنا عند جداده ، وحصاده ، وقطافه كما قال الله - عز وجل - : ( ، ) وآتوا حقه يوم حصاده ( يريد العشر ، أو نصف العشر ، وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وزفر فقالا في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره العشر ، أو نصف العشر ، إن سقي بالدالية والسانية إلا الحطب ، والقصب ، والحشيش .

[ ص: 167 ] وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن : لا شيء فيما تخرجه الأرض إلا فيما كان له ثمرة باقية ، ثم تجب فيما يبلغ خمسة أوسق ، لا يجب فيما دونه .

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال : كتب عمر بن عبد العزيز : أن يؤخذ مما أنبتت الأرض من قليل أو كثير العشر .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إذا بلغ الزعفران خمسة أوسق أخذ منه العشر .

واعتبر مالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي والليث خمسة أوسق وقالوا : لا زكاة فيما دونها ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المبارك وجمهور أهل الرأي والحديث ، واختلفوا في الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة ، وقد ذكرنا أقاويلهم في ذلك في باب عمرو بن يحيى من هذا الكتاب ، والحمد لله .

وقال داود بن علي في هذا الباب قولا بعضه كقول أبي حنيفة ومن تابعه ، وبعضه كقول سائر الفقهاء ، قال : أما ما يؤكل أو يشرب مما يكال ، أو يزرعه الآدميون من الحبوب كلها والثمار ، فلا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق ، وأما ما لا يكال ، ولا يضبط بكيل مما ينبته الناس ، ففي قليله وكثيره العشر ، أو نصف العشر على حسبما يسقى به .

[ ص: 168 ] قال أبو عمر :

أما قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر - فمعناه عند جماعة أهل الحجاز وجمهور أهل العراق إذا بلغ المقدار خمسة أوسق ، وكان ما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب ، فحينئذ يجب فيه العشر ، ونصف العشر ، ولا فرق بين أن يرد هذا في حديثين ، أو في حديث واحد ، ويدل على صحة هذا المذهب مع استفاضة في أهل العلم أنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أحد من أصحابه ، ولا من التابعين بالمدينة أنه أخذ الصدقة من الخضر والبقول ، وكانت عندهم موجودة ، فدل على أن ذلك معفو عنه ، كما عفي عن الدور والدواب ; لأن الأصل العفو ، والوجوب طار عليه .

ذكر عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضميرة عن علي قال : ليس في الخضر صدقة .

وعن إبراهيم بن طهمان عن منصور عن مجاهد قال : ليس في الخضر زكاة .

قال : منصور فذكرت ذلك لإبراهيم فقال : صدق .

وقال موسى بن طلحة : لم يأخذ معاذ بن جبل من الخضر شيئا ، وقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في الخضر زكاة .

ومما يدل أيضا على ذلك ، وهو مذهب من أوجب الزكاة في الخضر ، أن الزكاة إنما تجب في العين المزكاة بجزء من أجزائها ، وأكثر [ ص: 169 ] الذين أوجبوا الزكاة في البقول أوجبوها في قيمتها ، ولا أصل لأخذ القيمة في الزكاة .

ذكر معمر عن الزهري قال : في الخضر والفاكهة إذا بلغ ثمنها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، قال : والزيتون يكال ففيه العشر ، وإن سقي بالرشاء ففيه نصف العشر .

قال معمر : وكان في زمن عمر بن عبد العزيز يؤخذ من الورس العشر .

واختلف الفقهاء فيما سقي مرة بماء السماء والنهر ، ومرة بدالية فقال مالك : ينظر إلى ما تم به الزرع فيزكى عليه العشر ، أو النصف العشر ، فأي ذلك كان أكثر سقيه زكي عليه ، هذه رواية ابن القاسم عنه .

وروى ابن وهب عن مالك إذا سقي نصف سنة بالعيون ، ثم انقطعت ، فسقي بقية السنة بالناضح ، فإن عليه نصف زكاته عشرا ، والنصف الآخر نصف العشر ، وقال مرة أخرى : زكاته بالذي تمت به حياته ، وقال الشافعي : يزكي كل واحد منهما بحسابه ، وبهذا كان يفتي بكار بن قتيبة وهو حنفي ، وهو قول يحيى بن آدم .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : ينظر إلى الأغلب فيزكى به ، ولا يلتفت إلى ما سوى ذلك .

[ ص: 170 ] قال الطحاوي : قد اتفق الجميع على أنه لو سقاه بماء المطر يوما أو يومين أنه لا اعتبار به ، ولا يجعل لذلك حصة ، فدل على أن الاعتبار بالأغلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية