التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 212 ] حديث عاشر من البلاغات

مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال : يقال : لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق .


وهذا لا يقال مثله من جهة الرأي ، ولا يكون إلا توقيفا ، وقد روي معناه مسندا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلذلك أدخلناه .

حدثنا خلف بن القاسم بن سهل قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الجعد ببغداد ، وعبد الله بن الصقر الهلالي قالا : حدثنا سريج بن يونس قال : حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه رأى رجلا يخرج من المسجد حين أذن المؤذن ، أو حين أخذ في أذانه ، فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو داود قال : حدثنا شريك عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه ، قال : كنا مع أبي هريرة فأذن المؤذن ، فخرج رجل بعد الأذان ، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نخرج حتى نصلي .

[ ص: 213 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال : كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن ، فقام رجل من المسجد يمشي ، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد ، فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى .

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال : حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال : حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال : حدثنا محمد بن أبي عمر المصري قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه ، قال : سمعت أبا هريرة - ورأى رجلا يجتاز في المسجد ، ويخرج بعد الأذان - فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل ، وكان على طهارة ، وكذلك إذا كان قد صلى ، وحده إلا لما لا يعاد من الصلوات على ما ذكرنا من مذاهب العلماء في ذلك ، عند ذكر حديث زيد بن أسلم عن بسر بن محجن فإذا كان ما ذكرنا ، فلا يحل له الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء ، وينوي الرجوع .

[ ص: 214 ] واختلفوا فيمن صلى في جماعة ، ثم أذن المؤذن ، وهو في المسجد لتلك الصلاة على ما قدمنا ذكره عنهم في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .

وقد كره جماعة من العلماء خروج الرجل من المسجد بعد الأذان إلا للوضوء لتلك الصلاة بنية الرجوع إليها ، وسواء صلى وحده ، أو في جماعة ، أو جماعات ، وكذلك كرهوا قعوده في المسجد ، والناس يصلون لئلا يتشبه بمن ليس على دين الإسلام ، وسواء صلى أو لم يصل ، والذي عليه مذهب مالك أنه لا بأس بخروجه من المسجد إذا كان قد صلى تلك الصلاة في جماعة ، وعلى ذلك أكثر القائلين بقوله ، إلا أنهم يكرهون قعوده مع المصلين بلا صلاة ، ويستحبون له الخروج ، والبعد عنهم على ما قد أوضحناه في باب زيد بن أسلم فلا وجه لإعادته ههنا .

قال مالك : دخل أعرابي المسجد ، وأذن المؤذن فقام يحل عقال ناقته ليخرج ، فنهاه سعيد بن المسيب فلم ينته ، فما سارت يسيرا حتى وقعت به ، فأصيب في جسده ، فقال سعيد : قد بلغنا أنه من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء فإنه يصاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية