التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 239 ] حديث سادس عشر من البلاغات

مالك أنه سمع غير واحد من علمائهم يقول : لم يكن في الفطر ، والأضحى نداء ، ولا إقامة منذ زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم .


قال أبو عمر :

لم يكن عند مالك في هذا الباب حديث مسند ، وفيه أحاديث صحاح مسندة ثابتة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء ، ولا تنازع بين الفقهاء أنه لا أذان ، ولا إقامة في العيدين ، ولا في شيء من الصلوات المسنونات ، والنوافل ، وإنما الأذان للمكتوبات لا غير ، وعلى هذا مضى عمل الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وجماعة الصحابة ، وعلماء التابعين ، وفقهاء الأمصار ، وأظن ذلك ، - والله أعلم - لأنه لا يشبه فرض بنافلة ، ولا أذان لصلاة على جنازة ، ولا لصلاة كسوف ، ولا لصلاة استسقاء ، ولا في العيدين لمفارقة الصلوات المفروضات ، والله أعلم .

هذا قول مالك في أهل المدينة ، والليث بن سعد في أهل مصر ، والأوزاعي في أهل الشام ، والشافعي في أهل الحجاز ، والعراق من أتباعه من النظار ، والمحدثين ، وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، وسائر الكوفيين ، وبه قال : أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري ، وكان بنو أمية يؤذن لهم في العيدين ، وقد مضى القول في أول من فعل ذلك في باب ابن شهاب من هذا الكتاب .

[ ص: 240 ] فأما الروايات ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ، فحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد البغدادي المفيد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد الواسطي قال : حدثنا عمي علي بن أحمد ، وأبي محمد بن أحمد قالا : حدثنا محمد بن صبيح الموصلي قال : حدثنا عبد الله بن خراش بن حوشب قال : حدثنا واسط بن الحارث ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد ركعتين بغير أذان ، ولا إقامة ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة .

وقد ذكرنا لحديث جابر هذا طرقا شتى في باب ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر من كتابنا هذا ، فلا معنى لإعادتها هاهنا .

وحدثنا أحمد بن عمر بن عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا مالك بن سيف قال : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة قال : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ، ولا مرتين للعيد بغير أذان ولا إقامة .

وقد تقدم من آثار هذا الباب ، والقول فيه ما يغني ، ويشفي في باب ابن شهاب ، عن أبي عبيد من هذا الكتاب ، والحمد لله ، ومضى هناك القول في تقديم الصلاة على الخطبة ، وهذا أيضا اتفاق من الآثار ، وإجماع من علماء الأمصار ، وذلك - والله أعلم - لمفارقة الجمعة التي هي فرض ، وخطبتها قبلها ، فلما كانت هذه سنة غير فريضة ، ونافلة غير مكتوبة ، كانت الصلاة فيها قبل الخطبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية