التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 247 ] حديث ثامن عشر من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة يوم مات سعد بن أبي وقاص ، فدعا بوضوء ، فقالت له عائشة : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .


هذا الحديث يرويه سالم الدوسي ، وهو سالم بن عبد الله مولى دوس ، ويقال مولى النصريين ، ويقال : مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، وهو سالم سبلان ، فاختلف عليه فيه ، وقيل : بل الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في حديثه عن عائشة ، وهو حديث مدني حسن روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه شتى .

فأما حديث عائشة ، فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن شاذان الجوهري قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن عمران بن بشير ، عن سالم سبلان قال : خرجنا مع عائشة - رحمها الله - إلى مكة ، وكانت تخرج معها بأبي يحيى التيمي يصلي بها ، قال : فأدركها عبد الرحمن بن أبي بكر فأساء عندها الوضوء ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن [ ص: 248 ] أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وروى هذا الحديث يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي ، فاختلف فيه على يحيى ، فرواه عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة قال : حدثني سالم مولى المهري قال : سمعت عائشة تنادي عبد الرحمن : أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وذكره مسلم من رواية عكرمة أيضا ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن سالم مولى المهري قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص ، فمررنا على باب حجرة عائشة فذكر الحديث .

ورواه أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن معيقب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، وهذا خطأ ، - والله أعلم - ، والصواب في هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير ما رواه عنه الأوزاعي ، وحرب بن شداد ، وحسين المعلم ، وشيبان ، فإنهم اتفقوا فيه فرووه عن يحيى ، عن سالم ، عن عائشة لا ذكر فيه لأبي سلمة ، وليس حديث عكرمة بن عمار مما يرفع ; لأنه قد يجوز أن يكون يحيى ابن أبي كثير ، سمعه من أبي سلمة ، من سالم ، عن عائشة ، ثم سمعه من سالم ، فحدث به عنه ، عن عائشة ، فإن قال قائل : إن المقبري رواه ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قيل له : يحتمل أن يكون أبو سلمة أرسله عن عائشة ، وهو قد سمعه من سالم عنها ، [ ص: 249 ] فإن قيل إن ابن عجلان يقول فيه عن المقبري ، عن أبي سلمة أنه سمع عائشة تقول : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

قيل له : لم يقل ذلك ، عن ابن عجلان من يوثق بحفظه .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : توضأ عبد الرحمن بن أبي بكر ، عند عائشة فقالت له : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

فهذه الرواية ، عن ابن عجلان تدل - والله أعلم - على أنه أبو سلمة من عائشة .

وأما رواية أيوب بن عتبة ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن معيقب فخطأ لا شك فيه - والله أعلم - ، وأيوب بن عتبة ضعيف جدا ، والصواب فيه ما رواه الأوزاعي ، ومن تابعه ، ورواية عكرمة بن عمار غير مرفوعة في هذا ، والله أعلم .

حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى [ ص: 250 ] بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي قال : دخلت مع عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوضوء ، فقالت : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا يزيد بن زريع ، وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال : حدثنا أبو معمر قال : حدثنا عبد الوارث قالا : حدثنا حسين قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير قال : حدثني سالم زاد عبد الوارث بن عبد الله ، ثم اتفقا الدوسي قال : دخلت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوضوء ، قالت : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا محمد بن سابق قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم مولى دوس أنه سمع عائشة تقول لعبد الرحمن فذكر مثله .

وقد روى هذا الحديث حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهادي حدثه أنه دخل على عائشة ، وعندها عبد الرحمن بن أبي بكر فذكر الحديث .

[ ص: 251 ] وقد روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ومن حديث شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ابن حبابة قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة ، وكان يمر بنا والناس يتطهرون من المطهرة فيقول : أسبغوا الوضوء ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ويل للعقب من النار .

ورواه جابر من حديث أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، وعبيد الله بن مرثد ، أو ابن أبي مرثد ، وسعيد بن أبي كريب ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه اختلف فيه ، عن أبي إسحاق ، فطائفة ترويه عنه ، عن عبد الله بن خليفة ، وطائفة عن عبيد الله بن أبي مرثد ، وطائفة عن سعيد بن أبي كريب ، وكلهم ليس بالمشهور .

ورواه عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيري من حديث الليث ، وابن لهيعة ، عن حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، سمع عبد الله بن الحارث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) يقول : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

[ ص: 252 ] حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، وسعيد بن حميد قالا : حدثنا يحيى بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث فذكره .

وحدثنا عبد الوارث ، وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة قال : حدثني حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم قال : سمعت عبد الله بن الحارث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

ورواه ابن أبي مريم ، عن نافع بن بريد ، فلم يذكر فيه بطون الأقدام ، حدثناه خلف بن قاسم ، حدثنا الحسن بن جعفر ، حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا نافع بن يزيد ، والليث بن سعد قالا : حدثنا حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

ورواه عبد الله بن عمرو من حديث منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو .

رواه الثوري ، وغيره ، عن منصور ، وروي أيضا من حديث أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروي من حديث جابر ، وأبي ذر ، وأبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيها ضعف .

[ ص: 253 ] حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم ، حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم ، حدثنا آدم ابن أبي إياس ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد ابن أبي كريب ، عن جابر بن عبد الله قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قدم رجل نحو الدرهم لم يغسله فقال : ويل للأعقاب من النار .

واختلف فيه على أبي إسحاق ، وأصح حديث في هذا الباب من جهة الإسناد ، حديث أبي هريرة ، وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيري ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، ثم حديث عائشة ، فهو مدني حسن .

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما يتوضئون فرأى أعقابهم تلوح فقال : ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافرناها فأدركنا ، وقد أرهقتنا الصلاة - صلاة العصر - ونحن [ ص: 254 ] نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار مرتين ، أو ثلاثا .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من الفقه إيجاب غسل الرجلين ، وفي ذلك تفسير لقول الله - عز وجل - : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) ، وبيان أنه أراد الغسل لا المسح ، وإن كانت قد قرئت وأرجلكم بالجر ، فذلك معطوف على اللفظ دون المعنى ، والمعنى فيه الغسل على التقديم والتأخير ، فكأنه قال : - عز وجل - إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ، وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برءوسكم .

والقراءتان بالنصب والجر صحيحتان مستفيضتان ، والمسح ضد الغسل ، ومخالف له ، وغير جائز أن تبطل إحدى القراءتين بالأخرى ما وجد إلى تخريج الجمع بينهما سبيل ، وقد وجدنا العرب تخفض بالجوار ، كما قال امرؤ القيس :


كبير أناس في بجاد مزمل



فخفض بالجوار ، وإنما المزمل الرجل ، وإعرابه هاهنا الرفع .

[ ص: 255 ] وكما قال زهير :


لعب الزمان بها وغيرها     بعدي سوافي المور والقطر



قال أبو حاتم : كان الوجه القطر بالرفع ، ولكن جره على جوار المور كما قالت العرب : هذا جحر ضب خرب ، فجرته ، وإنما هو رفع ( وخفضه بالمجاورة ) ، ومن هذا قراءة أبي عمرو يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس بالجر ; لأن النحاس : الدخان فعلى ما ذكرنا تكون معنى القراءة بالجر النصب ، ويكون الخفض على اللفظ للمجاورة ، والمعنى : الغسل ، وقد يراد بلفظ المسح الغسل عند العرب من قولهم : تمسحت للصلاة ، والمراد الغسل ، ويشير إلى هذا التأويل كله قول النبي - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين ، وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، والشام ، من أهل الحديث والرأي ، وإنما روي مسح الرجلين ، عن بعض الصحابة ، وبعض التابعين ، وتعلق به الطبري ، وذلك غير صحيح في نظر ، ولا أثر .

والدليل على وجوب غسل الرجلين قوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، فخوفنا بذكر النار من مخالفة مراد الله - عز وجل - ، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب ، ألا ترى إلى ما في حديث عبد الله بن عمر : فرأى أعقابنا تلوح فقال : ويل للأعقاب من النار .

وأوضح من هذا ما في حديث عبد الله بن الحارث : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

ومعلوم أن المسح ليس شأنه [ ص: 256 ] الاستيعاب ، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما ، فتبين بهذا الحديث بطلان قول من قال بمسح القدمين ، إذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم ، وأن ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح ، ودليل آخر من الإجماع ، وذلك أنهم أجمعوا على أن من غسل قدميه أدى الواجب الذي عليه .

واختلفوا فيمن مسح قدميه ، فاليقين : ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه ، وقد اتفقوا أن الفرائض إنما يصلح أداؤها باليقين ، وإذا جاز عند من قال بالمسح على القدمين أن يكون من غسل قدميه قد أدى الفرض عنده ، فالقول في هذا الحال بالاتفاق هو اليقين مع قوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

وقد قيل : إن من قرأ : وأرجلكم بالخفض أراد به المسح على الخفين مع ما روي في ذلك من الآثار ، والله أعلم .

وذكر أشهب ، عن مالك أنه سئل عن قول الله - عز وجل - أرجلكم إلى الكعبين في آية الوضوء أبالنصب أم بالخفض ؟ فقال : هو الغسل ، ولا يجزي المسح .

قال أبو عمر :

من قرأ‌ بالنصب فصل بين المسح والغسل بالإعراب ، فكأنه قال : اغسلوا ، وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وأرجلكم إلى الكعبين ، وكأن ذلك أشبه بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبأمره ، فأما فعله ، فما نقل الجمهور كافة ، عن [ ص: 257 ] كافة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة ، واثنتين ، وثلاثا حتى ينقيهما .

وأما أمره ، فقوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار ، وويل للعراقيب من النار .

ولو لم يكن الغسل ، واجبا ما خوف من لم يغسل عقبيه ، وعرقوبيه بالنار ; لأن المسح ليس من شأنه الاستيعاب ، ولا يبلغ به العراقيب ، ولا الأعقاب .

قال أبو عمر :

العرقوب هو مجمع مفصل الساق ، والقدم ، والكعب هو الناتئ في أصل الساق ، يدلك على ذلك حديث النعمان بن بشير قال : أقبل ( علينا ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم ، قال : فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه .

والعقب هو مؤخر الرجل تحت العرقوب .

وقد ذكرنا اختلاف العلماء في الكعبين ، وأوضحنا المذاهب عن العرب ، وأهل العلم في العرقوب ، والكعب في باب عمرو بن يحيى ، والحمد لله .

وقال ابن وهب ، عن مالك ليس على أحد تخليل أصابع رجليه في الوضوء ، ولا في الغسل ، ولا خير في الجفاء ، والغلو .

قال : ابن وهب تخليل أصابع رجليه في الوضوء مرغب فيه ، ولابد من ذلك في أصابع [ ص: 258 ] اليدين ، وأما أصابع رجليه فإن لم يخللها فلابد من إيصال الماء إليها .

وقال ابن القاسم عن مالك : من لم يخلل أصابع رجليه ، فلا شيء عليه .

وقال محمد بن خالد ، عن ابن القاسم ، عن مالك فيمن توضأ على نهر فحرك رجليه ، أنه لا يجزيه حتى يغسلهما بيديه .

قال : ابن القاسم ، وإن قدر على غسل إحداهما بالأخرى أجزأه .

قال أبو عمر :

يلزم من قال : إن الغسل لا يكون إلا بمرور اليدين أن يقول : إنه لا يجزيه أن غسل إحداهما بالأخرى ، ويلزمه أن يقول تخليل أصابع اليدين والرجلين لأن الأمر بغسلهما واحد .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره ، وهذا عندنا على الكمال .

وقد مضى في صفة الغسل من الجنابة في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب ما يستدل به على معنى هذا الباب ، ومضى في باب عمرو بن يحيى من هذا الكتاب أيضا القول في غسل المرفقين مع اليدين ، والكعبين مع الرجلين ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

وقد كان مالك - رحمه الله - في آخر عمره يدلك أصابع رجليه بأصابع يديه لحديث حدثه ابن وهب ( ذكر أحمد بن وهب ) قال : [ ص: 259 ] حدثني عمي عبد الله بن وهب قال : سئل مالك ، عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ، فقال : أليس ذلك على الناس ؟ فأمهلته حتى خف الناس عنه ، ثم قلت له : يا أبا عبد الله ، سمعتك تفتي في مسألة عندنا فيها سنة ، قال : وما هي ؟ قلت : حدثنا ابن لهيعة ، والليث بن سعد ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن المستورد بن شداد قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فيخلل ( بخنصره ) ما بين أصابع رجليه .

قال : فقال لي مالك إن هذا لحسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة .

قال : ابن وهب ، ثم سمعته بعد ذلك يسأل عن تخليل الأصابع في الوضوء فيأمر به .

وروى غيره ، عن ابن وهب : فرأيته يعمل به ، ولم يقل بأمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية