التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 264 ] حديث موفي عشرين من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت إذا ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ، تقول : وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟


وهذا الحديث يتصل ويستند عن عائشة من وجوه صحاح ، والحمد لله ، فنذكر منها ما حضرنا مما فيه كفاية - إن شاء الله - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله بن عمر قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو في رمضان صائم ، قال : ثم تقول عائشة : وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثنا عبد الوارث ، وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو صائم ، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا الربيع بن سليمان قال : [ ص: 265 ] حدثنا ابن وهب قال : أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه ، عن عروة ، عن عائشة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ، وهو صائم ، قالت عائشة : وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

قال أبو عمر :

رواه ابن أبي ذئب ، ومعمر ، وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة .

وقد رواه هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عروة ، عن عائشة ، فدل على أن الحديث لعروة ، عن عائشة كما هو للقاسم عن عائشة ، ولعلقمة عن عائشة ، وللأسود ، عن عائشة .

وقد رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رواه مالك ، وغيره عن هشام ، وقد ذكرناه في هشام بن عروة ( من ) هذا الكتاب ، والحمد لله .

أخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : خرجنا حجاجا ، فتذاكر القوم الصائم يقبل ، فلما قدمنا المدينة ، دخلنا على عائشة ، فقالوا لي : يا أبا شبل سلها ، فقلت : لا أرفث عندها سائر اليوم ، فسمعت مقالتهم ، فقالت : ما كنتم تقولون ؟ إنما أنا أمكم ، قالوا : يا أم المومنين الصائم يقبل ؟ فقالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل ، ويباشر ، وهو صائم ، وكان أملككم لإربه .

[ ص: 266 ] وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا الحسن بن يحيى القاضي قال : حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال : حدثنا محمد بن آدم قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ويباشر ، وهو صائم ، وكان أملككم لإربه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، وعلقمة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه أملك لإربه .

قال أبو عمر :

قولها أملك لإربه يعني أملك لنفسه ولشهوته ، وقد اختلف العلماء في كراهية القبلة للصائم على حسب ما قدمنا ذكره مبسوطا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، فلا وجه لإعادته هاهنا .

وقد احتج بعض من كره القبلة للصائم بقول عائشة هذا : وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفتوى عائشة بجواز القبلة ( للصائم ) دليل على أن ذلك مباح لكل من أمن على نفسه إفساد صومه .

ذكر مالك ، عن أبي النضر ، عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة ، فدخل عليها زوجها هنالك ، وهو عبد الله بن عبد الرحمن [ ص: 267 ] بن أبي بكر الصديق ، وهو صائم ، فقالت له عائشة : ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها ، فقال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت : نعم ، وهي التي روت الحديث ، وعلمت مخرجه ، ومن خاف على أمة محمد ما لم يخفه عليها نبيها ، فقد جاء من التعسف بما لا يخفى ، ولما كان التأسي به مندوبا إليه استحال أن يأتي منه ما يكون خصوصا ، أو يسكت عليه ، وقد مضى من هذا الباب ، والمعنى ما فيه شفاء في باب زيد بن أسلم عن عطاء ، والحمد لله .

وأما حديث مالك أنه بلغه أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقول : كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا ، تعني في الإثم ، فقد مضى ذكره في باب أبي الرجال من هذا الكتاب ، وذكرنا هناك من أسنده ، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك عند حديثه في المختفي النباش ، وصلى الله على محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية