التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 278 ] حديث رابع وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .


وهذا الحديث يرويه جماعة ، عن ابن عمر ، منهم : سالم ونافع ، وحبيب بن أبي ثابت ، ومجاهد ، وبلال بن عبد الله بن عمر .

وقد ذكرنا آثار هذا الباب في باب يحيى بن سعيد من هذا الكتاب ، عند قول عائشة : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد .

ومضى هنالك من مذاهب العلماء في خروج النساء إلى المسجد ما فيه شفاء ، وإشراف على هذا الشأن في ذلك ، والحمد لله ، ونذكر هاهنا ما حضرنا ذكره من مسند حديث عبد الله بن عمر خاصة في هذا الباب بعون الله .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : [ ص: 279 ] أخبرنا نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وقرأت على أحمد بن قاسم بن عيسى - رحمه الله - أن عبيد الله بن محمد بن حبابة حدثهم ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن الهيثم العبدي ، حدثنا سعيد بن عامر ، وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى أيضا ، قال : حدثنا ابن حبابة ، حدثنا البغوي قال : حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا ابن عباد ، وحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا ابن حبابة قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا مسلم قالوا : حدثنا شبعة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا نساءكم المساجد .

قال البغوي : هكذا رواه غير واحد عن شعبة إلا أن نصر بن علي ، حدثنا به ، عن أبيه ، عن شعبة بإسناده ، وزاد فيه بالليل .

[ ص: 280 ] قال أبو عمر :

قد ذكرنا من قال : فيه بالليل في باب يحيى بن سعيد ، والأسانيد التي ذكرنا هناك أرفع ، وكلها ثابتة صحاح ، والحمد لله .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن حبابة ، وحدثنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا أحمد بن سليمان الجريري قالا : حدثنا البغوي قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا النساء المساجد .

وفي حديث عبد الرحمن بن مروان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المساجد .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا إدريس بن علي بن إسحاق ببغداد ، قال : حدثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة ، فقيل لها لم تخرجين ، وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ قالت : فما يمنعه أن ينهاني ، قالوا يمنعه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي قال : حدثنا أبو الوليد عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني عرابي بن معاوية ، عن عبد الله بن هبيرة [ ص: 281 ] اللبائي قال : حدثني بلال بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال يوما : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد .

فقلت : أنا أما أنا فسأمنع أهلي ، فمن شاء فليسرح أهله ، فالتفت إلي فقال : لعنك الله ، لعنك الله ، لعنك الله ، تسمعني أقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ألا يمنعن ، ثم قام مغضبا
.

وروى الثوري ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ائذنوا للنساء في المساجد بالليل ، فقال ابنه ، وذكر معنى حديث بلال .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري قال : أخبرنا سالم بن عبد الله ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها .

وفي هذا الحديث من الفقه جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود العشاء بالليل ; لأنها زيادة حافظ ، وقد يدخل في ذلك كل صلاة لعموم لفظ الأحاديث في ذلك ، وأن المعنى واحد .

وفي معنى هذا الحديث أيضا الإذن لها في الخروج لكل مباح حسن من زيارة الآباء ، والأمهات ، وذوي المحارم من القرابات ; لأن الخروج لهن إلى المسجد ليس بواجب عليهن ، بل قد جاءت الآثار الثابتة تخبر بأن الصلاة لهن في بيوتهن أفضل ، فصار الإذن لهن إلى المسجد إباحة ، وإذا لم يكن للرجل أن [ ص: 282 ] يمنع امرأته المسجد إذا استأذنته في الخروج إليه ، كان أوكد أن يجب عليه أن لا يمنعها الخروج لزيارة من في زيارته صلة لرحمها ، ولا من شيء لها فيه فضل ، أو إقامة سنة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فالإذن ألزم لزوجها إذا استأذنته في الخروج إلى بيت الله الحرام للحج .

وقد أوضحنا ما للعلماء في هذا المعنى في باب سعيد بن أبي سعيد ، والحمد لله .

وقد احتج بعض أصحابنا ، وغيرهم في إيجاب الإذن للمرأة على الزوج في الخروج إلى أداء فريضة الحج بقوله - عز وجل - : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) الآية ، وفيما ذكرناه في باب سعيد بن أبي سعيد كفاية ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية