التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 283 ] حديث خامس وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .


وهذا الحديث محفوظ مشهور من حديث أبي هريرة ، وقد رواه مالك مسندا ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة إلا أنهم قد تكلموا في إسناده هذا ، وقد روي من حديث الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس دون الزهري من يحتج به .

فأما حديث مالك ، عن ابن عجلان في ذلك ، فحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا مالك بن عيسى القفصي قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للعبد طعامه ، وكسوته بالمعروف ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

[ ص: 284 ] قال أبو داود : هذا الحديث إنما يرويه ابن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ولكن هكذا قال مالك .

قال أبو عمر :

هو كما قال أبو داود ، إلا أنا قد وجدنا الثوري تابع مالكا على ذلك .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، عن محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا حمزة بن محمد ، حدثنا عبد الله بن علي النيسابوري ، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن قاسم ، حدثنا مالك بن عيسى الحافظ ، قال : وحدثناه الفضل بن الحسن البهراني ، حدثنا محمد بن عامر ، حدثنا أبي ، عن النعمان ، عن [ ص: 285 ] مالك ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

قال أبو عمر :

هذا الحديث لم يكن يعرف مسندا من حديث مالك إلا برواية إبراهيم بن طهمان عنه ، وقد ذكره مالك بن عيسى ، وكان محدثا محسنا من طريق النعمان ، عن مالك ، ولا أدري من النعمان هذا ; لأنه لم ينسبه ، وربما كان النعمان بن راشد ، فإن كان النعمان بن راشد ، فهو في قصد مالك لروايته ، عن الزهري ، ولا أدري من هو .

وأما الحديث فمحفوظ معروف من حديث ابن عجلان ، عن بكير ، عن عجلان ، عن أبي هريرة هكذا يرويه الناس ، وهو طريقه المعروف ، إلا أن مالكا ، والثوري قد روياه ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة كما رأيت ، وأما غيرهما فإنما يروونه ، عن ابن عجلان ، عن بكير بن الأشج ، عن العجلان ، عن أبي هريرة .

أخبرنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عفان قال : حدثنا وهيب قال : أخبرنا محمد بن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن عجلان أبي محمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

[ ص: 286 ] أخبرنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المدني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان ابن عيينة قال : حدثنا ابن عجلان ، عن بكير بن الأشج ، عن عجلان أبي محمد ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان قال : أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن عجلان يعني أبا محمد بن عجلان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك كسوته ، وطعامه ، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني ابن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، أن العجلان أبا محمد حدثه قبل وفاته أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

وكذلك رواه سعيد بن أبي أيوب ، وعبد العزيز الدراوردي قالا : حدثنا محمد بن عجلان ، عن بكير بن عبد الله ، عن العجلان ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

لم يقل واحد منهم ، عن ابن عجلان في هذا الحديث : بالمعروف إلا مالك وحده ، فإنه قال فيه : بالمعروف ، وهي لفظة حسنة تحتمل [ ص: 287 ] التأويل ، وقد جعلها قوم معارضة لقوله - عليه السلام - أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وهذا الحديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة من حديث ابن عباس ، وعبادة ، وأبي ذر ، وغيرهم ، وأحسنها حديث أبي ذر ، وغيرها مختلف في ألفاظها ، وأسانيدها .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عيسى بن يونس .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن المعروف بن سويد قال : دخلنا على أبي ذر بالربذة ، فإذا عليه برد ، وإذا على غلامه مثله ، فقلنا : يا أبا ذر لو أخذت برد غلامك إلى بردك ، فكانت حلة ، وكسوته ثوبا غيره فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليكسه مما يلبس ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه مما يغلبه فليعنه ، وهذا لفظ حديث عيسى بن يونس ، وحديث أبي معاوية مثله بمعناه سواء ، إلا أنه لم يقل : فإن كلفه ما يغلبه فليعنه ، وقال : من جعل قوله بالمعروف معارضا لقوله : أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، قالوا : المعروف أن العبد لا يساوي سيده في مطعم ، ولا ملبس ، وحسبه أن يكسوه ، ويطعمه ما يعرف لمثله من المطعم ، والملبس ، قالوا : وقوله أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، هو أمر معناه الندب [ ص: 288 ] والاستحسان ، وليس ذلك عليهم بواجب ، وعلى هذا مذهب العلماء قديما وحديثا ، لا أعلم بينهم فيه اختلافا ، ومما يدل على صحة ما ذكرنا ما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى بن محمد قال : حدثنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن القرشي الجمحي بمكة ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما - وقد ولي حره ودخانه - فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام قليلا ، فليضع في يده منه أكلة ، أو أكلتين ، قال داود : يعني لقمة أو لقمتين .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الهيثم قال : حدثنا الحنيني ، عن داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا جاء خادم أحدكم بطعامه ، قد ولي حره ودخانه ، فليقل له اجلس ، فإن أبى فليتناوله لقمة ، أو لقمتين ، وأشار الحنيني بيده ، وهذا يدل على أنه ليس عليه أن يكون طعامه ، وطعام غلامه واحدا سواء ، فإن فعل ، فقد أحسن ، وإن لم يفعل فلا حرج ، والذي أحب له أن لا يخيبه مما يتناول له عمله ، ويقدمه بين يديه .

وفي حديث هذا الباب أيضا ، دليل على وجوب نفقة المماليك على مالكيهم ، وأجمع العلماء على أن نفقة المماليك واجبة على ساداتهم بالمعروف صغارا كانوا أو كبارا ، زمنى كانوا أو أقوياء ، يلزم السيد [ ص: 289 ] النفقة على مملوكه ، ويجبر على ذلك ; لأنه له من الإنفاق ، أو البيع أو العتق ، وللسيد أن يستعمل عبده ، وأمته في كل ما يطيق كل واحد منهما ، ويحسنه ، ويخارجه في ذلك إن شاء .

ومن الدليل على وجوب نفقة المملوك على سيده ، حديث أبي هريرة في ذلك ، حدثناه أحمد بن فتح قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا عاصم ابن بهدلة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خير الصدقة ما أبقى غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول . ثم اتبع الحديث : تقول امرأتك أنفق علي ، أو طلقني ، ويقول مملوكك : أنفق علي ، أو بعني ، ويقول ولدك : إلى من تكلني . فهذا بين في وجوب نفقات الزوجات ، والبنين ، والمماليك ، وليس في ، وجوب نفقة المماليك ذكرانا كانوا ، أو إناثا بالمعروف ، اختلاف على قدر ( حال ) المملوك ، أو المملوكة .

أخبرنا عبد الرحمن ، حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : لا يتصدق المملوك من مال سيده بشيء له بال إلا بإذنه ، وكذلك لا يصيب من ماله شيئا إلا بإذنه ، ولا أرى عليه بأسا أن يسقى من لبن ماشيته إذا وليها ظمآنا يمر به ، وأن ينبل من ذلك بالمعروف من غشيه . قال يونس : وسألت ربيعة عن ذلك ، فقال : لا إلا من الطعام يأكله أو نحوه ، ولا بأس عليه إن ولي لسيده حائطا ، فأتاه مسكين أن يناوله القبضة ، ونحوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية