التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 300 ] حديث سابع وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن معاذ بن جبل قال : آخر ما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز : أن قال : أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل .


هكذا روى يحيى هذا الحديث ، وتابعه ابن القاسم ، والقعنبي ، ورواه ابن بكير عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن معاذ بن جبل ، وهو مع هذا منقطع جدا ، ولا يوجد مسندا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث معاذ ، ولا غيره بهذا اللفظ ، والله أعلم .

قال البزار : لا أحفظ في هذا مسندا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

يريد بهذا اللفظ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى اليمن فقال : يا معاذ ، اتق الله ، وخالق الناس بخلق حسن ، وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة .

قال : قلت يا رسول الله ، لا إله إلا الله من الحسنات ؟ قال : هي من أكبر الحسنات
. رواه حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وقد ذكرناه في باب زياد بن أبي زياد .

وقد حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن الحسين [ ص: 301 ] الآجري قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرياني قال : حدثنا سعيد بن حفص خال النفيلي قال : أخبرنا موسى بن أعين ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ بن جبل قال : قلت يا رسول الله ، علمني ما ينفعني قال : اتق الله حيث كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن .

قوله - صلى الله عليه وسلم - خالق الناس بخلق حسن ، أو حسن خلقك للناس ، معنى واحد لا يختلف ، والحمد لله ، وقد روي من وجوه ، عن معاذ بن جبل أنه قال : آخر ما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال : حدثنا علي بن المديني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، عن مالك بن يخامر قال : سمعت معاذ بن جبل يقول : إن آخر كلمة فارقت عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت يا رسول الله ، أي العلم أفضل ؟ قال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .

وحدثنا سلمة بن سعيد قال : حدثنا علي بن عمر قال : حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين الباري قال : حدثنا أبو عمرو الزبير بن محمد بن الزبير الرهاوي قال : حدثنا قتادة بن الفضيل الجرشي ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال : إن آخر شيء فارقت عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، أي شيء أنجى لابن [ ص: 302 ] آدم من عذاب الله ؟ قال : أن يموت ، ولسانه رطب من ذكر الله - عز وجل - .

وفي حسن الخلق أحاديث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة ، وقد مضى منها في باب يحيى بن سعيد قوله - عليه السلام - : إن الرجل ليدرك بحسن خلقه بالليل الظامئ بالهواجر ، وسيأتي قوله - عليه السلام - : إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق في موضعه في موضعه من بلاغات مالك في هذا الكتاب - إن شاء الله - ومنها قوله - عليه السلام - : أكمل المومنين إيمانا أحسنهم خلقا .

وحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري قال : حدثنا عقبة بن علي مولى آل الزبير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة ، وبيت في ، وسط الجنة ، وبيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء ، وإن كان محقا ، ولمن ترك الكذب ، وإن كان لاعبا ، لمن حسنت مخالطته للناس .

قال أبو عمر :

[ ص: 303 ] الغرز موضع الركاب من رحل البعير كركاب السرج ، وفي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذا بتحسين خلقه إذ بعثه إلى اليمن ، أمر بالرفق بالناس ، وكذلك يلزم الخليفة إذا بعث عاملا ، أن يوصيه بذلك ، وبمثله تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية