التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 304 ] حديث ثامن وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث .


وهذا الحديث لا يعرف لأم سلمة بهذا اللفظ ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من وجه ليس بالقوي ، يروى عن محمد بن سوقة ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أم سلمة ، وقد روي في معنى هذا الباب حديث ، عن أم سلمة في هذا المعنى بغير هذا اللفظ .

وأما هذا اللفظ فإنما هو معروف لزينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مشهور محفوظ من حديث ابن شهاب ، وقد اختلف عليه في بعض إسناده .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي .

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قالا : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة ، عن أمها أم حبيبة [ ص: 305 ] عن زينب بنت جحش ، قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نومه محمرا وجهه ، وهو يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق سفيان بيده ، وعقد عشرة قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك ، وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث .

قال الحميدي : قال سفيان : أحفظ في هذا الحديث من الزهري أربع نسوة ، قال : سفيان ، وقد رأين النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتين من أزواجه ، أم حبيبة ، وزينب بنت جحش ، واثنتين ربيبتيه : زينب بنت أم سلمة ، وحبيبة بنت أم حبيبة ، أبوها عبيد الله بن جحش ، مات بأرض الحبشة هكذا قال : ابن عيينة ، وخالفه عقيل ، فرواه عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن زينب بنت أم سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن زينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، ولم يذكر إلا ثلاث نسوة ، لم يذكر حبيبة بنت أم حبيبة ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا المطلب بن شعيب قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل .

وقال محمد بن يحيى النيسابوري ، وكذلك رواه صالح بن كيسان ، وشعيب بن أبي حمزة ، وسليمان بن كثير ، وعبد الرحمن بن إسحاق ، والزبيري كلهم عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن أم حبيبة ، عن زينب ليس فيه ذكر حبيبة كما رواه عقيل قال : وهو المحفوظ عندنا .

[ ص: 306 ] قال : وكذلك رواه مسدد ، وسعيد بن منصور ، ونعيم بن حماد ، عن سفيان بن عيينة .

قال : ورواه علي بن المديني ، وجماعة عن سفيان ، فذكروا فيه حبيبة قال : وذلك غير محفوظ عندنا ، قال : وإنما رواه هؤلاء عن سفيان بآخرة ، قال : وقلت لمسدد : فإنهم يروون ، عن سفيان أربع نسوة ، فقال : هكذا سمعته منه سنة أربع وسبعين ، وقال سعيد بن منصور ، سمعته منه سنة ست وسبعين هكذا ، وسمعوه بآخرة يقول حبيبة .

قال أبو عمر :

وممن رواه عن ابن عيينة كما قال : النيسابوري نعيم ، وسعيد بن منصور ، ومسدد ، وعبد الرحمن بن شيبة الجدي .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد ، وحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا الحسين بن جعفر قال : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا عبد الرحمن بن شيبة الجدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نوم محمرا وجهه ، وهو يقول : ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ، ومأجوج [ ص: 307 ] مثل هذا ، وحلق عشرة فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث .

قال أبو عمر :

رواه أسد بن موسى كما رواه الحميدي ، وعلي بن المديني ، ومن تابعهما .

وأما قوله فيه : إذا كثر الخبث ، فمعناه ، عند أكثرهم : الزنا ، وأولاد الزنا ، وجملة القول - عندي في معناه - أنه اسم جامع يجمع الزنا ، وغيره من الشر ، والفساد ، والمنكر في الدين ، والله أعلم .

أخبرني أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا عبد العزيز بن مقلاص قال : سمعت عبد الله بن وهب يقول في تفسير الخبث حين يكثر الخبث ، قال : أولاد الزنا ، ومما يشهد لهذا التأويل ، ما حدثناه خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد المسور قال : حدثنا مقدام بن داود قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا ظهر الربا ، والزنا في قرية ، أذن الله في هلاكها .

وأما حديث أم سلمة في هذا الباب ، فأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله [ ص: 308 ] بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك بن عبد الله ، عن جامع بن أبي راشد ، عن منذر الثوري ، عن الحسن بن محمد قال : حدثتني امرأة من الأنصار - هي حية - قالت : دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه غضبان ، فاستترت بكم درعي ، فتكلم بكلام لم أفهمه ، فقلت : يا أم المومنين كأني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل وهو غضبان ، فقالت : نعم ، أوما سمعت ما قال ؟ قلت : وما قال ؟ قالت : قال : إن السوء إذا فشا في الأرض فلم يتناه عنه ، أرسل الله بأسه على أهل الأرض .

قالت : قلت : يا رسول الله ، وفيهم الصالحون ؟ قال : نعم ، وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصابهم ، ثم يقبضهم الله إلى مغفرته ، ورضوانه ، أو إلى رضوانه ، ومغفرته
.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع ، ويحيى بن سعيد قالا : حدثنا يزيد بن حاتم بن أبي صغيرة .

وقال يحيى أبو يونس : قال : حدثني مهاجر بن القبطية ، أنه سمع أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي جالسة في هذه البطحاء ، تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ليخسفن بجيش يغزون هذا البيت ببيداء من الأرض ، فقال رجل من القوم : يا رسول الله ، وإن كان فيهم الكاره ، قال : يبعث كل رجل على نيته .

وذكر أحمد بن حنبل ، عن جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن عبيد الله بن القبطية ، عن أم سلمة ، مثله بمعناه .

[ ص: 309 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا حسين ، حدثنا خلف يعني ابن خليفة ، عن ليث ، عن علقمة بن مرثد ، عن المعرور بن سويد ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده . قلت : يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : بلى ، قلت : كيف يصنع بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصابهم ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ، ورضوان .

حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا علي بن سهل ، وسهل بن موسى ، واللفظ له ، قالا : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال : سمعت بلال بن سعد ، يقول إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ، فإذا ظهرت لم تغير ضرت العامة .

وقد روى أنس بن مالك في هذا الباب حديثا جيدا بإسناد حسن من رواية أهل المدينة بنحو معناه نحو حديث زينب المذكور في هذا الباب ، حدثناه خلف بن القاسم الحافظ ، قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الخصيبي القاضي ، قال : حدثنا محمد بن نصر بن منصور أبو جعفر الصائغ ، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا [ ص: 310 ] أبو ضمرة أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس بن مالك قال : ذكر خسف قبل المشرق ، فقالوا يا رسول الله ، يخسف بأرض فيها مسلمون قال : نعم إذا أكثر أهلها الخبث .

وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن البزار قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا هارون بن عبد الله الحمال ، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثني جعفر بن سليمان ، حدثنا إبراهيم بن عمرو الصنعاني ، عن الرضين بن عطاء الشامي قال : أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من خيارهم ، وستين ألفا من شرارهم .

قال : يا رب تهلك شرارهم فما بال خيارهم ؟ قال : إنهم يدخلون على الأشرار فيواكلونهم ، ويشاربونهم ، ولا يغضبون بغضبي .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أصاب الله قوما ببلاء ، عم به من بين أظهرهم ، ثم يبعثون على أعمالهم .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثنا مغيرة ، عن الشعبي قال : سمعت النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله [ ص: 311 ] - صلى الله عليه وسلم - يقول على هذا المنبر : مثل المنتهك لحدود الله ، والمدهن فيها ، والقائم بها مثل ثلاثة نفر اصطحبوا في سفينة فجعل أحدهم يحفرها ، فقال الآخر : إنما تريد أن تغرقنا ، وقال الآخر دعه فإنما يحفر مكانه .

قال أبو عمر :

دخل هذا في معنى قول الله - عز وجل - : ( أنجينا الذين ينهون عن السوء ) الآية ، فلم يذكر في النجاة إلا من نهى ، وسكت عمن لم ينه ، وأما من رضي فليس فيه اختلاف ، قال - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء : ولكن من رضي ، وتابع ، ومعلوم أن العقوبة إنما تستوجب بفعل ما نهي عنه ، وترك فعل ما أمر به ، وقد لزم النهي عن المنكر كل مستطيع بقوله - عز وجل - : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ، ومن مكن في الأرض لم يضعف عن ذلك ، ومن ضعف لزمه التغيير بقلبه ، فإن لم يغير بقلبه ، فقد رضي وتابع .

وقال عمر بن عبد العزيز : كان يقال إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا صنع المنكر جهارا ، استحقوا العقوبة . ذكره مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن عمر بن عبد العزيز ، وهذا معناه إذا قدروا ، وكانوا في عز وامتناع من الأذى ( والله أعلم ) .

[ ص: 312 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا أبي .

قال : حدثنا وكيع عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد الله بن جرير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز ، وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقابه .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زيادة ، وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال : حدثنا يزيد بن هارون .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى قالا : أخبرنا هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة ، واللفظ لحديث سليمان بن حرب قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يكون عليكم أئمة تعرفون [ ص: 313 ] عنهم ، وتنكرون ، فمن أنكر فقد بريء ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ، فأبعده الله ، قيل : يا رسول الله أفلا نقتلهم ؟ قال : لا ما صلوا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن زهير قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمادي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، عن العرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : سيليكم ، ولاة يعملون أعمالا تنكرونها فمن أنكر سلم ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها .

وذكره بقي بن مخلد قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، وعبيد بن يعيش قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن المغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له العرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا عمل بالمعصية فمن شهدها ، وكرهها كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها ، ورضيها كان كمن شهدها .

وروي من حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وروى أبو جحيفة ، عن علي أنه قال : أول ما تغلبون عليه من دينكم الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله .

وقال عبد الله بن مسعود : بحسب المومن إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .

حدثناه [ ص: 314 ] أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك أبي عبيد قال : سمعت ربيع بن عميلة قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول فذكره .

وحدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، عن طارق بن شهاب قال : قال عبد الله بن مسعود : إنكم في زمن الناطق فيه خير من الصامت ، والقائم فيه خير من القاعد ، وسيأتي عليكم زمان الصامت فيه خير من الناطق ، والقاعد فيه خير من القائم ، فقال له رجل يرونه طارقا : كيف يكون أمر من عمل به اليوم كان هدى ، ومن عمل به بعد اليوم كان ضلالة ؟ فقال : اعتبر ذلك برجلين من القوم يعملون بالمعاصي ، فصمت أحدهما فسلم ، وقال الآخر : إنكم تفعلون وتفعلون ، فأخذه فذهبوا به إلى سلطانهم فلم يزالوا به حتى عمل مثل عملهم .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، عن طارق بن شهاب الأحمسي ، عن عبد الله بن مسعود قال : إنكم في زمان الناطق فيه خير من الصامت ، وذكره مثله سواء بمعناه .

[ ص: 315 ] وبه عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن زاذان قال : قال حذيفة : ليأتين عليكم زمان خياركم فيه من لم يأمر بالمعروف ، ولم ينه عن المنكر .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا خالد ، عن أبي قلابة قال : قال حذيفة : إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله .

قال خالد : فحدثت به محمد بن سيرين ، فقال : نعم ، قال حذيفة : إني لأصنع أشياء أكرهها مخافة أكثر منها .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا جعفر بن مكرم ، حدثنا قريش بن أنس ، عن ابن عون ، عن الحسن ، عن الأحنف أنه كان جالسا ، عند معاوية فقال : يا أبا بحر ألا تتكلم ؟ قال : إني أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت .

وروى مجالد ، وإسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر يقول في خطبته : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقابه .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا يونس بن أبي [ ص: 316 ] إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : كيف بك في حثالة من الناس ، وقد مرجت عهودهم وأماناتهم ؟ قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال : عليك بخويصة نفسك ، ودع عوامهم .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المومن بن يحيى قال : حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار بالبصرة ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال : حدثنا أبو أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني ، فقلت : يا أبا ثعلبة ، كيف تقول في هذه الآية : ( عليكم أنفسكم ) قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع العوام .

وقال : من ورائكم أيام الصبر فيها كقبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله .

قال أبو عمر :

قد قدمنا في باب يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد من الآثار ما يوضح أن الحرج مرفوع ، عن كل من يخاف على نفسه في تغيير المنكر ، أو يضعف ، عن القيام بذلك .

[ ص: 317 ] وفي هذا الباب من الحديث المرفوع ، وغيره ما يكفي ، ويشفي لفهمه ، والله الموفق لا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية