التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 321 ] حديث موفي ثلاثين من البلاغات

مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فيقول : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني غير مفتون .


وهذا الحديث قد روته طائفة من رواة الموطأ ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو الحديث منهم عبد الله بن يوسف التنيسي ، وغيره ، ولا أعرفه بهذه الألفاظ في شيء من الأحاديث إلا في حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث حسن ، رواه الثقات .

وقد روي أيضا من حديث ابن عباس ، وحديث معاذ بن جبل ، وحديث ثوبان ، وحديث أبي أمامة الباهلي ، وروي لأخي أبي أمامة أيضا .

وأما حديث ابن عباس ، فرواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أتاني الليلة ربي في أحسن صورة أحسبه قال : في المنام ، فقال : يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ، وذكر الحديث .

[ ص: 322 ] ورواه قتادة ، عن أبي قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا ابن جابر ، والأوزاعي قالا : حدثنا خالد بن اللجلاج قال : سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة فقال له قائل : ما رأيتك أسفر منك وجها الغداة ، قال : وما لي ، وقد تبدى لي ربي في أحسن صورة ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قال : قلت : في الكفارات ، قال : وما هن ؟ قال : المشي على الأقدام إلى الجمعات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات ، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره .

قال : ومن يفعل ذلك يعش بخير ، ويمت بخير ، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه ، ومن الدرجات إطعام الطعام ، وبذل السلام ، وأن تقوم بالليل والناس نيام ، سل تعطه .

قال : اللهم إني أسألك الطيبات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تتوب علي ، وإذا أردت في قوم فتنة فتوفني غير مفتون فتعلموهن ، فوالذي نفسي بيده إنهن لحق
.

وأخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو ، وأخبرنا عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : حدثنا عيسى بن مسكين قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا أبو مسهر قال : حدثني صدقة ، عن ابن [ ص: 323 ] جابر قال : مر بنا خالد بن اللجلاج ، فدعاه مكحول ، فقال : يا أبا إبراهيم ، حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال : سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي في أحسن صورة ، فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ، قال : قلت : أنت أعلم أي ربي ، قال : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي ، فعلمت ما في السماوات والأرض ، ثم تلا هذه الآية : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) قال : ففيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت : في الكفارات ، قال : وما هي ؟ قلت : المشي على الأقدام إلى الجمعات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات ، وإسباغ الوضوء أماكنه في المكاره ، قال : من يفعل ذلك يعش بخير ، ويمت بخير ، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه ، ومن الدرجات : إطعام الطعام ، وبذل السلام ، وأن يقوم بالليل ، والناس نيام ، قال : قل اللهم إني أسألك الطيبات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تتوب علي ، وإذا أردت في قوم فتنة فتوفني غير مفتون ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : تعلموهن ، والذي نفسي بيده إنهن لحق .

ورواه مهضم بن عبد الله ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي ، عن مالك بن يخامر السكسكي ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ورواه الوليد بن مسلم ، وبشر بن بكر ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، [ ص: 324 ] عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال بشر بن بكر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال الوليد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث .

قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري ، عن هذا الحديث فقال : حديث معاذ بن جبل فيه أصح ، قال : وحديث بشر بن بكر أصح من حديث الوليد بن مسلم قال : وعبد الرحمن بن عائش لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وأما حديث أبي أمامة ، فحدثناه أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا الحسن بن عيسى قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن ابن سابط ، عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : تراءى لي ربي في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعديك ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات ، والدرجات ، فأما الكفارات : فإسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام في الجمعات ، وانتظار الصلوات إلى الصلوات ، وأما الدرجات : فإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة والناس نيام ، قال : صدقت من فعل ذلك عاش بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، ثم قال : اللهم إني أسألك عملا بالحسنات ، وترك السيئات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي ذنبي ، وتتوب علي ، وإذا أردت بقوم فتنة - وأنا فيهم - فنحني إليك غير مفتون .

[ ص: 325 ] قال أبو عمر :

قوله في هذا الحديث : رأيت ربي ، معناه ، عند أهل العلم في منامه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية