التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 373 ] حديث ثالث وأربعون من البلاغات

مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أري أعمار الناس قبله ، أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر .


لا أعلم هذا الحديث يروى مسندا من وجه من الوجوه ، ولا أعرفه في غير الموطأ مرسلا ، ولا مسندا ، وهذا أحد الأحاديث التي انفرد بها مالك ، ولكنها رغائب ، وفضائل ، وليست أحكاما ، ولا بنى عليها في كتابه ، ولا في موطئه حكما .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا محمد بن مصفر ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن خالد بن سعدان ، عن عبادة بن الصامت ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليلة القدر في العشر البواقي ، من قامهن ابتغاء حسبتهن ، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه ، وهي ليلة تسع ، أو سبع ، أو خامسة ، أو ثالثة ، أو آخر ليلة .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن أمارة ليلة [ ص: 374 ] القدر أنها صافية بلجاء كأن فيها قمرا ساطعا ، ساكنة لا برد فيها ، ولا حر ، ولا يحل لكوكب أن يرمي به فيها حتى يصبح ، وإن أمارة الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس فيها شعاع مثل القمر ليلة البدر ، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ .

قال أبو عمر :

هذا حديث حسن غريب ، وبقية بن الوليد ليس بمتروك ، بل هو محتمل ، روى عنه جماعة من الجلة ، وهو من علماء الشاميين ، ولكنه يروي عن الضعفاء ، وأما حديثه هذا ، فمن ثقات أهل بلده ، وأما إذا روى عن الضعفاء ، فليس بحجة فيما رواه ، وحديثه هذا إنما ذكرنا أنه حديث حسن لا يدفعه أصل ، وفيه ترغيب ، وليس فيه حكم ، وقد ذكرنا في ليلة القدر من صحيح الأثر ، ومذاهب العلماء ما يشفي ، ويكفي في باب حميد الطويل من هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية