التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
445 [ ص: 301 ] حديث سادس لزيد بن أسلم مرسل صحيح

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس معه ، فقام قياما طويلا ( ( قال ) ) : نحوا من سورة البقرة ( ( قال ) ) : ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع رأسه من الركوع فقام قياما طويلا ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا ، وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ، ثم قام قياما طويلا ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا ، وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع فقام قياما طويلا ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا ، وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ، ثم انصرف ، وقد تجلت الشمس فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت فقال : إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط ، ورأيت أكثر [ ص: 302 ] أهلها النساء ، قالوا : ولم يا رسول الله قال : لكفرهن قالوا : أيكفرن بالله ، قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط .


هذا من أصح حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف ، وهي ركعتان : في كل ركعة ركوعان ، فحصلت أربع ركعات ، وأربع سجدات ، وكذلك روى ابن شهاب ، عن ( كثير بن عباس ) ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكذلك روت عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديثها أيضا في ذلك أثبت حديث وأصحه ، رواه مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة بمعنى واحد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف ركعتان ، في كل ركعة ركوعان .

وكذلك رواه ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، وبه يقول مالك والشافعي وأصحابهما ، وهو قول أهل الحجاز ، وقول الليث بن سعد ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور .

فأما قوله في هذا الحديث ، وهو دون القيام الأول ، فإنه أراد بقوله أن القيام الأول أطول من الثاني ، وكذلك الركوع الأول [ ص: 303 ] أطول من الثاني في الركعة الأولى ، وأراد - والله أعلم - في الركعة الثانية أن القيام الأول فيها دون القيام الأول في الركعة الأولى ، والركوع الأول فيها دون الركوع الأول في الركعة الأولى ، وأراد ( - والله أعلم - بقوله في القيام الأول فيها ، وكذلك ركوعه الثاني فيها دون ركوعه الأول فيها ، وقد قيل غير هذا ، وهذا أصح ما قيل في ذلك عندي - والله أعلم - لتكون الركعتان معتدلتين في أنفسهما ، وكما نقص القيام الثاني في الركعة الأولى عن القيام الأول فيها ، والركوع الثاني في الأولى عن الركوع الأول فيها نفسها ، فكذلك يجب أن تكون الركعة الثانية ينقص قيامها الثاني عن قيامها الأول ، وركوعها الثاني عن ركوعها الأول فيها نفسها ، ويكون قيامها الأول دون القيام الأول في الركعة الأولى ، وركوعها الأول دون الركوع الأول في الركعة الأولى ، وجائز على هذا القياس أن يكون القيام الأول في الركعة الثانية مثل القيام الثاني في الركعة الأولى ، وجائز أن يكون دونه ، وحسبه أن يكون دون القيام الأول في الركعة الأولى ، والقول في الركوع على هذا القياس فتدبره ، وبالله التوفيق .

وقال مالك : لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف ، وهو مذهب الشافعي .

[ ص: 304 ] ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود في ذلك ، وروته عن ابن عمر .

وقال العراقيون منهم أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري : صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان نحو صلاة الصبح ، ثم الدعاء حتى تنجلي ، وهو قول إبراهيم النخعي .

قال أبو عمر :

روي نحو قول العراقيين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من حديث أبي بكرة ، وسمرة بن جندب ، وعبد الله بن عمر ، وقبيصة الهلالي ، والنعمان بن بشير ، وعبد الرحمن بن سمرة .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن أبي شعيب [ ص: 305 ] قال : حدثنا الحارث بن عمير البصري ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن النعمان بن بشير قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يصلي ركعتين ركعتين ، ويسلم حتى تجلت الشمس .

( حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم بن أحمد بن زهير قال : حدثنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة الهلالي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا انكسفت الشمس ، أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة ) .

قال أبو عمر :

الأحاديث في هذا الوجه في بعضها اضطراب تركت ذلك لشهرته عند أهل الحديث ، ولكراهة التطويل ، والمصير إلى حديث ابن عباس وعائشة من رواية مالك أولى ; لأنهما أصح ما روي في هذا الباب من جهة الإسناد ، ولأن فيها زيادة في كيفية [ ص: 306 ] الصلاة يجب قبولها ، واستعمال فائدتها ، ولأنهما قد وصفا صلاة الكسوف وصفا يرتفع معه الإشكال والوهم .

فإن قيل : إن طاوسا روى عن ابن عباس أنه صلى في صلاة الكسوف ركعتين ، في كل ركعة ثلاث ركعات ، ثم سجد ، وإن عبيد بن عمير روى عن عائشة مثل ذلك ، وإن عطاء روى عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف ست ركعات في أربع سجدات ، وإن أبا العالية روى عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات في ركعتي الكسوف وأربع سجدات ، فلم يكن المصير عندك إلى زيادة هؤلاء أولى ، قيل له : إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه ، وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ ; لأنه كأنه حديث آخر مستأنف .

وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ولا متقن فإنها لا يلتفت إليها ، وحديث طاوس هذا مضطرب ضعيف رواه وكيع ، عن الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاوس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، ورواه الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عباس لم يذكر طاوسا ، ووقفه ابن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس ، عن ابن عباس ( فعله ) ، ولم يرفعه ، وهذا الاضطراب يوجب طرحه ، واختلف أيضا في متنه فقوم يقولون : أربع ركعات في ركعة ، وقوم يقولون : ثلاث ركعات في ركعة ، ولا يقوم بهذا الاختلاف حجة .

[ ص: 307 ] وأما حديث جابر فرواه أبو الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ( أربع ركعات في أربع سجدات ) ) ، مثل حديث ابن عباس هذا ، ذكره أبو داود قال : حدثنا مؤمل بن هشام قال : حدثنا إسماعيل بن علية قال : حدثنا هشام قال : حدثنا أبو الزبير .

وأما حديث أبي بن كعب ، فإنما يدور على أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أنس ، عن أبي العالية ، وليس هذا الإسناد عندهم بالقوي .

وأما حديث عبيد بن عمير ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكسوف ثلاث ركعات ، وسجدتين في كل ركعة ، فإنما يرويه قتادة ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة ، وسماع قتادة عندهم من عطاء غير صحيح ، وقتادة إذا لم يقل سمعت ، وخولف في نقله ، فلا تقوم به حجة ; لأنه يدلس كثيرا عمن لم يسمع منه ، وربما كان ثقة ، وليس مثل هذه الأسانيد يعارض بها حديث عروة ، وعمرة ، عن عائشة ، ولا حديث عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ; لأنها من الآثار التي لا مطعن لأحد فيها ، وقد كان أبو داود الطيالسي يروي حديث قتادة هذا عن هشام ، عن قتادة ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة موقوفا لا يرفعه .

[ ص: 308 ] حدثنا محمد بن إبراهيم ، ومحمد بن حكم قالا : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا الفضل بن الحباب القاضي قال : حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة قالت : ( ( صلاة الآيات ست ركعات ، وأربع سجدات ) ) .

قال أبو مسعود : ولم يرفعه أبو داود ، ورفعه معاذ بن هشام .

قال أبو عمر :

قول ابن عباس في حديثنا المذكور في هذا الباب حيث قال : نحوا من سورة البقرة دليل على سنة القراءة في صلاة الكسوف أن تكون سرا .

وكذلك روى ابن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، وعبد الله بن أبي سلمة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فصلى بالناس فأقام ، فأطال القيام ، فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة ، وساق الحديث ، وسجد سجدتين ، ثم قام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران [ ص: 309 ] وهذا يدل على أن قراءته كانت سرا ، ولذلك روى سمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسمع في صلاة الكسوف ، وبذلك قال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وهو قول أبي حنيفة ، والليث بن سعد ، والحجة لهم ما ذكرنا .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن يونس قال : حدثنا زهير قال : حدثنا الأسود بن قيس قال : حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوما لسمرة فذكر حديث الكسوف بتمامه ، وفيه : فصلى بنا فقام كأطول ما قام بنا قط لا نسمع له صوتا ، وذكر الحديث .

أخبرنا عبد الله بن إبراهيم بن أسد قال : حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن شعيب بن علي قال : أخبرنا عمرو بن منصور قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن [ ص: 310 ] ثعلبة بن عباد ، عن سمرة بن جندب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم كسوف الشمس لا يسمع له صوت .

وقد روي عن ابن عباس أنه قال في صلاة الخسوف : كنت إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت منه حرفا .

ومن حجة من ذهب إلى هذا المذهب ما جاء في الخبر : صلاة النهار عجماء .

وروي عن علي رضي الله عنه أنهم حزروا قراءته ( بالروم ، ويس أو العنكبوت ) .

وروي عن أبان بن عثمان أنه قرأ في صلاة الكسوف سأل سائل ، والذي استحسن مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى بالبقرة ، وفي الثانية بآل عمران ، وفي الثالثة بقدر مائة آية ، وخمسين آية من البقرة ، ( وفي الرابعة بقدر خمسين آية من البقرة ، وفي كل واحدة أم القرآن لا بد ، وكل ذلك لا يسمع للقارئ فيه صوت ، وقال : أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ، وروي عن علي بن أبي طالب : إنه جهر ، وعن زيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، والعلاء بن يزيد مثله ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، [ ص: 311 ] واحتجوا أيضا بحديث سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في كسوف الشمس ، ( وفي حديث أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قرأ بسورة من الطول ، ثم ركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، ثم قام إلى الثانية فقرأ بسورة من الطول ، ثم ركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، ثم جلس كما يدعو ، ثم انجلى كسوفها ، وقد يحتمل أن يكون قوله : سورة من الطول في تقديره ، والظاهر فيه الجهر - والله أعلم - ، ولكنه حديث يدور على أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي ، وقد تكلم في هذا الإسناد ) ، وسفيان بن حسين في الزهري ليس بالقوي ، وقد تابعه على ذلك عن الزهري عبد الرحمن بن نمير ، وسليمان بن كثير ، وكلهم لين الحديث عن الزهري .

[ ص: 312 ] ( ومن حجة من قال بالجهر في صلاة الكسوف إجماع العلماء على أن كل صلاة سنتها أن تصلى في جماعة من صلوات السنن سنتها الجهر كالعيدين ، والاستسقاء ، وكذلك الخسوف ) .

وقال الطبري : إن شاء جهر في صلاة الكسوف ، وإن شاء أسر ، وإن شاء قرأ في كل ركعة مرتين ، وركع فيها ركوعين ، وإن شاء أربع قراءات ، وركع أربع ركعات ، وإن شاء ثلاث ركعات في ركعة ، وإن شاء ركعتين كصلاة النافلة .

واختلف الفقهاء أيضا في صلاة الكسوف هل هي في كل النهار أم لا ؟ فروى ابن وهب ، عن مالك قال : لا يصلى الكسوف إلا في حين صلاة قال : فإن كسفت في غير حين الصلاة ، ثم جاء حين الصلاة ، والشمس لم تنجل صلوا ، فإن تجلت قبل ذلك لم يصلوا .

وروى ابن القاسم عنه قال : لا أرى أن يصلى الكسوف بعد الزوال ، وإنما سنتها تصلى ضحى إلى الزوال ، وقال الليث بن سعد : يصلى الكسوف نصف النهار ; لأن نصف النهار لا يثبت لسرعة الشمس ، وقال الليث : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ، وعلى الموسم سليمان بن هشام ، وبمكة عطاء بن أبي رباح ، وابن شهاب ، وابن أبي مليكة ، وعكرمة بن خالد ، وعمرو بن شعيب ، وقتادة ، وأيوب بن موسى ، وإسماعيل بن أمية ، فكسفت الشمس بعد العصر ، فقاموا قياما يدعون الله بعد العصر في [ ص: 313 ] المسجد فقلت لأيوب بن موسى : ما لهم لا يصلون ، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف فقال : النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر ، فلذلك لا يصلون ، والنهي يقطع الأمر ، ذكره الحلواني عن ابن أبي مريم ، وأبي صالح كاتب الليث جميعا ، عن الليث ، وقال أبو حنيفة وأصحابه والطبري : لا تصلى صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، وقال الشافعي : تصلى نصف النهار ، وبعد العصر ، وفي كل وقت ، وهو قول أبي ثور ، وقال إسحاق : تصلى في كل وقت إلا في حين الطلوع والغروب ، والنهي عند الشافعي عن الصلاة بعد العصر ( في كل وقت ، وهو قول أبي ثور ) إنما هو على التطوع المبتدأ ، فأما الفرائض والسنن ، وما كان من عادة المرء أن يصليه فلا ، وسيأتي اختلافهم في هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله بحجة كل واحد منهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال إسحاق بن راهويه في صلاة الكسوف : إن شاء أربع ركعات في ركعتين ، وإن شاء ست ركعات في ركعتين ، كل ذلك مؤتلف يصدق بعضه بعضا ; لأنه إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت ، فإذا تجلت سجد قال : فمن هاهنا زيادة الركعات ، ولا يجاوز بذلك أربع ركعات في كل ركعة ; لأنه لم يأتنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك .

[ ص: 314 ] قال أبو عمر :

قد روي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس ركعات ( في كل ركعة ) على ما قدمنا ذكره في كل ركعة ، وهو حديث لين ، ومثله روي عن علي رحمه الله أنه صلى في الكسوف خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، ثم قام ، ففعل في الركعة الثانية مثل ذلك ، وروي عن الحسن مثل ذلك ، وأصح شيء في هذا الباب حديث ابن عباس ، وعائشة : أربع ركعات في أربع سجدات - والله أعلم - ، وقد روي عن أحمد بن حنبل ، وقاله جماعة من أصحاب الشافعي : إن الآثار المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف كلها حسان ، وبأيها عمل الناس جاز عنهم ، إلا أن الاختيار عندهم ما في حديث ابن عباس هذا ، وما كان مثله ، واختلفوا أيضا في صلاة كسوف القمر فقال العراقيون مالك وأصحابه : لا يجمع في صلاة القمر ، ولكن يصلي الناس أفذاذا ركعتين كسائر الصلوات ، والحجة لهم قوله صلى الله عليه وسلم : صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة ، وخص صلاة كسوف الشمس بالجمع لها ولم يفعل ذلك في [ ص: 315 ] كسوف القمر فخرجت صلاة كسوف الشمس بدليلها ، وما ورد من التوفيق فيها ، وبقيت صلاة كسوف القمر على أصل ما عليه النوافل .

وقال الليث بن سعد : لا يجمع في صلاة القمر ، ولكن الصلاة فيها كهيئة الصلاة في كسوف الشمس ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة ذكره ابن وهب عنه ، وقال ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم ذلك بهما ، فافزعوا إلى الصلاة ، وقال الشافعي ، وأصحابه ، وأهل الحديث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري : الصلاة في كسوف القمر كهي في كسوف الشمس سواء ، وهو قول الحسن ، وإبراهيم ، وعطاء ، وحجتهم في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قال الشافعي رحمه الله : فكان الذكر الذي فزع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند كسوف الشمس هو الصلاة المذكورة ، فكذلك خسوف القمر ، يجمع الصلاة عنده على حسب الصلاة عند كسوف الشمس ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بينهما في الذكر ، [ ص: 316 ] ولم يخص إحداهما من الأخرى بشيء ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا ، وادعوا ، وروى عبد الله بن عباس عنه أنه قال : فافزعوا إلى الصلاة إذا رأيتم ذلك ، وعرفنا كيف الصلاة عند إحداهما فكان دليلا على الصلاة عند الأخرى اهـ .

قال أبو عمر :

روي عن ابن عباس ، وعثمان بن عفان أنهما صليا في القمر جماعة ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي على حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب .

وأخبرنا عبد الله بن محمد الجهني قال : حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال : حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي بكرة قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانكسفت الشمس ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يجر رداءه ) حتى انتهى إلى المسجد ، وثاب إليه الناس ، فصلى ركعتين فلما انكسفت الشمس قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يخوف بهما الله عباده ، وأنهما لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى [ ص: 317 ] ينكشف ما بكم ، وذلك أن ابنا له مات يقال له إبراهيم فقال ناس في ذلك .

وقد روي عن مالك أنه قال : ليس في صلاة كسوف القمر سنة ، ولا صلاة فيها إلا لمن شاء ، وهذا شيء لم يقله أحد من العلماء غيره - والله أعلم - ، وسائر العلماء يرون صلاة كسوف القمر سنة كل على مذهبه .

واختلفوا أيضا بعد صلاة الكسوف فقال الشافعي ، ومن اتبعه ، وهو قول إسحاق ، والطبري : يخطب بعد الصلاة في الكسوف كالعيدين والاستسقاء .

واحتج الشافعي بحديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في حديث الكسوف ، وفيه : ثم انصرف ، وقد تجلت الشمس ، فخطب الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله - الحديث - ، وبه احتج كل من رأى الخطبة في الكسوف .

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : لا خطبة في الكسوف ، واحتج بعضهم في ذلك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما خطب الناس لأنهم قالوا : إن الشمس كسفت لموت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلذلك خطبهم يعرفهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، وكان مالك ، والشافعي لا يريان الصلاة عند الزلزلة ، ولا عند الظلمة ، والريح الشديدة ، ورآها جماعة من أهل العلم منهم أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وروي عن ابن عباس : أنه صلى في زلزلة .

[ ص: 318 ] قال ابن مسعود : إذا سمعتم هدا من السماء فافزعوا إلى الصلاة .

وقال أبو حنيفة : من فعل ، فحسن ، ومن لا ، فلا حرج .

قال أبو عمر :

لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ، ولا صحت عنه فيها سنة ، وقد كانت ( أول ما كانت ) في الإسلام على عهد عمر فأنكرها فقال : أحدثتم ، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم ، رواه ابن عيينة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن صفية قالت : زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السرر ، فقام فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : ما أسرع ما أحدثتم ، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم .

وروى حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عبد الله بن الحارث قال : زلزلت الأرض بالبصرة ، فقال ابن عباس : والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض ؟ فقام بالناس ، فصلى يعني صلاة الكسوف اهـ .

وأما قوله في الحديث : رأيناك تكعكعت فمعناه عند أهل اللغة أخنست ، وتأخرت ( وقال : الفقهاء : معناه تقهقرت ، والأمر كله قريب .

[ ص: 319 ] وقال متمم بن نويرة :


ولكنني أمضي على ذاك مقدما إذا بعض من لاقى الخطوب تكعكعا

) وأما قوله عليه السلام : إني رأيت الجنة ، ورأيت النار ، فإن الآثار في رؤيته لهما - صلى الله عليه وسلم - كثيرة ، وقد رآهما مرارا - والله أعلم - على ما جاءت به الأحاديث ، وعند الله علم كيفية رؤيته لهما - صلى الله عليه وسلم - فيمكن أن يمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه ، كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار بالإسراء ، فنظر إليه ، وجعل يخبرهم عنه ، وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب قال الله عز وجل وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ، واختلف أهل التفسير في ذلك ، فقال مجاهد : فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن اهـ .

ذكره حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، وذكره معمر ، عن قتادة قال : ملكوت السماوات الشمس ، والقمر ، والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال ، والشجر ، والبحار ، والظاهر في هذا الحديث أنه رأى الجنة ، والنار رؤية عين - والله أعلم - ، وتناول من الجنة عنقودا على ما ذكر - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤيد ذلك قوله : فلم أر كاليوم منظرا قط فالظاهر [ ص: 320 ] الأغلب أنها رؤية عين ; لأن الرؤية والنظر إذا أطلقا فحقهما أن يضافا إلى رؤية العين إلا بدليل لا يحتمل تأويلا ، وإلا فظاهر الكلام وحقيقته أولى ، إذا لم يمنع منه مانع - دليل ( يجب التسليم له ، وفي الحديث أيضا من ذكر الجنة والنار ) دليل على أنهما مخلوقتان ، وعلى ذلك جماعة أهل العلم ، وأنهما لا يبيدان من بين سائر المخلوقات ، وأهل البدع ينكرون ذلك .

وأما قوله في العنقود ولو أخذته لأكلتم منه فكما قال - صلى الله عليه وسلم - .

حدثني أحمد بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا محمد بن إسحاق السجسي قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عمرو بن يزيد البكالي ، عن عتبة بن عبد السلمي قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الجنة ، وذكر الحوض [ ص: 321 ] فقال : فيها فاكهة ؟ قال : نعم شجرة تدعى طوبى ، قال : يا رسول الله أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال : لا تشبه شيئا من شجر أرضك ، ائت الشام ، هناك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق يفترش أعلاها قال : يا رسول الله فما عظم أصلها ؟ قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما ، قال : هل فيها عنب ؟ قال : نعم قال : فما عظم العنقود منها قال : مسيرة الغراب شهرا لا يقع ، ولا يفتر قال : فما عظم حبها ؟ قال : أما عمد أبوك ، وأهلك إلى جذعة فذبحها ، وسلخ إهابها فقال : افروا لنا منها دلوا ، فقال رسول الله : إن تلك الحبة لتشبعني قال : نعم ، وأهل بيتي ، قال : نعم ، وأهل عشيرتك .

قال أبو عمر :

روينا عن بعض الصحابة لا أقف على اسمه في وقتي هذا أنه قال : كان يسرنا أن تأتي الأعراب يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا يسألون عن أشياء لا نقدم نحن على السؤال عنها أو نحو هذا ، وقال بعض أهل العلم : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ، وأما قوله : فرأيت النار ، فلم أر [ ص: 322 ] كاليوم منظرا قط ، ورأيت أكثر أهلها النساء فإنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء .

حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قالا : جميعا : حدثنا هوذة بن خليفة قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين ، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار ، فقد أمر بهم إلى النار ، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ، وأما قوله في الحديث قالوا : لم يا رسول الله ؟ قال : لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : ويكفرن العشير ( ويكفرن الإحسان ، وهكذا رواه يحيى بن يحيى ، ويكفرن العشير بالواو ) قالوا : وقد تابعه بعض [ ص: 323 ] من نقد عليه ذلك أيضا غلطا كما عد على يحيى ، والمحفوظ فيه عن مالك من رواية ابن القاسم ، وابن وهب ، والقعنبي ، وعامة رواة الموطأ قال : يكفرن العشير بغير واو ، وهو الصحيح في المعنى ، وأما رواية يحيى فالوجه فيها - والله أعلم - أن يكون السائل لما قال : أيكفرن بالله ؟ لم يجبه عن هذا جوابا مكشوفا ; لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفرن بالله ، كما أن من الرجال من يكفر بالله ، فلم يحتج إلى ذلك ; لأن المقصود في الحديث ذلك ( كأنه قال : وإن كان من النساء من يكفرن بالله ; فإنهن كلهن في الغالب من أمرهن يكفرن الإحسان ) ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء المؤمنات : تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار .

وقرأت على خلف بن القاسم أن الحسين بن جعفر الزيات حدثهم قال : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن ( أبي سعيد المقبري ) ، عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة الصبح ، فأتى النساء في المسجد ، فوقف عليهن ، فقال : يا معشر النساء تصدقن ، فما رأيت من نواقص عقل قط أو دين أذهب لقلوب ذوي الألباب [ ص: 324 ] منكن ، وإني رأيتكن أكثر أهل النار يوم القيامة ، فتقربن إلى الله بما استطعتن ، وكان في النساء امرأة ابن مسعود فساق الحديث فقالت : فما نقصان ديننا ، وعقولنا يا رسول الله قال : أما ما ذكرت من نقصان دينكن ، فالحيضة التي تصيبكن ، تمكث إحداكن ما شاء الله أن تمكث لا تصلي ، ولا تصوم ، فذلك نقصان دينكن ، وأما ما ذكرت من نقصان عقولكن ( فشهادة المرأة ) نصف شهادة الرجل .

وأما قوله : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، فالعشير في هذا الموضع عند أهل العلم - الزوج ، والمعنى عندهم في ذلك كفر النساء لحسن معاشرة الزوج ، ثم عطف على ذلك كفرهن بالإحسان جملة في الزوج ، وغيره ، وقال أهل اللغة : العشير المخالط من المعاشرة ، ومنه قول الله عز وجل لبئس المولى ولبئس العشير

( قال الشاعر :


وتلك التي لم يشكها في خليقة     عشير وهل يشكو الكريم عشير

) وقال آخر :


سلا هل قلاني من عشير صحبته     وهل ذم رحلي في الرفاق دخيل

[ ص: 325 ] حدثني سعيد بن نصر قراءة عليه : أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا منصور قال : حدثنا ذر الهمداني ، عن وائل بن مهانة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقن يا معشر النساء ، ولو من حليكن ، فإنكن من أكثر أهل النار ، فقامت امرأة ليست من علية النساء فقالت : لم يا رسول الله ؟ فقال : لأنكن تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ثم قال عبد الله بن مسعود : ما وجد من ناقص العقل أغلب للرجال ذوي الرأي على أمورهم من النساء ، قال : فقيل : يا أبا عبد الرحمن فما نقصان عقلها ، ودينها ، فقال : أما نقصان عقلها ، فجعل الله شهادة امرأتين كشهادة رجل ، وأما نقصان دينها ; فإنها تمكث كذا ، وكذا يوما لا تصلي لله فيه سجدة .

قال أبو عمر :

رواه شعبة ، عن الحكم ، عن وائل بن مهانة ، عن عبد الله ، عن النبي عليه السلام نحوه قال : وقال عبد الله : وما رأيت من ناقصات الدين ، والعقل أغلب للرجال ذوي الأمر منهن ، ثم ذكره إلى آخره ، ورواه المسعودي ، عن الحكم ، عن ذر ، عن وائل بن مهانة ، عن عبد الله موقوفا ، والصواب [ ص: 326 ] فيه رواية منصور ، عن ذر - والله أعلم - .

وقد روي كلام ابن مسعود هذا مرفوعا ، وقد ذكرناه ( من حديث المغيرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورواه الدراوردي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب فوعظ ، ثم قال : يا معشر النساء تصدقن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، فقالت له امرأة : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : بكثرة لعنكن ، وكفركن العشير ، وما رأيت ناقصات عقل ، ودين أغلب لألباب ذوي الرأي منكن ، فقالت امرأة : يا رسول الله ، وما نقصان عقولنا ، وديننا ؟ فقال : شهادة امرأتين منكن شهادة رجل ، ونقصان دينكن الحيضة ، تمكث إحداكن الثلاث ، والأربع لا تصلي .

وروى الليث بن سعد ، وبكر بن مضر ، عن ابن الهادي ، عن عبد الله بن دينار ، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر النساء تصدقن ، وأكثرن من الاستغفار ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، قالت امرأة منهن : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ، قالت يا رسول الله : وما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا من نقصان العقل ، وتمكث ليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين .

هذا الحديث يدل على أن نقصان الدين قد يقع ضرورة لا تدفع ، ألا ترى أن الله جبلهن على ما يكون نقصا فيهن قال الله عز وجل : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض [ ص: 327 ] وقد فضل الله أيضا بعض الرجال على بعض ، وبعض النساء على بعض ، وبعض الأنبياء على بعض ، لا يسأل عما يفعل ، وهو الحكيم العليم اهـ .

وحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد ( قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني قال : أخبرنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى امرأة لا تشكر لزوجها ، وهي لا تستغني عنه ، وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ينظر الله إلى امرأة لا تعرف حق زوجها ، وهي لا تستغني عنه رواه شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمر موقوفا .

( حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمر قال : لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها ، وهي لا [ ص: 328 ] تستغني عنه ) .

وحدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء ببيت المقدس قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الفرج قال : حدثنا علي بن المديني قال : حدثنا هشام بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن فياض ، عن خلاد بن عبد الرحمن بن جعدة ، عن سعيد بن المسيب : أنه سمع ابن عباس يقول : إن امرأة قالت : يا رسول الله ما خير ما أعدت المرأة قال : الطاعة للزوج ، والاعتراف بحقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية