التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 384 ] حديث سابع وأربعون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وسلف .


وهذا الحديث محفوظ من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث صحيح ، رواه الثقات ، عن عمرو بن شعيب ، وعمرو بن شعيب ثقة إذا حدث عنه ثقة ، وإنما دخلت أحاديثه الداخلة من أجل رواية الضعفاء عنه ، والذي يقول إن روايته عن أبيه ، عن جده صحيفة ، يقول إنها مسموعة صحيحة ، وكتاب عبد الله بن عمرو ( عن ) جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهر ، عند أهل العلم ، وأعرف من أن يحتاج إلى أن يذكر هاهنا ، ويوصف ، وقد ذكرناه من طرق في كتاب العلم ، والحمد لله .

وحديث عمرو بن شعيب هذا حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب قال : حدثني أبي ، عن جدي حتى ذكر عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا يحل بيع ، وسلف ، ولا شرطان في بيع ، ولا بيع ما ليس عندك .

[ ص: 385 ] قال أبو عمر :

أجمع العلماء على أن من باع بيعا على شرط سلف يسلفه ، أو يستسلفه ، فبيعه فاسد مردود إلا أن مالكا في المشهور من مذهبه يقول في البيع ، والسلف إنه إذا طاع الذي اشترط السلف بترك سلفه فلم يقبضه ، جاز البيع .

هذا قوله في موطئه ، وتحصيل مذهبه ، عند أصحابه ، أن البائع إذا أسلف المشتري مع السلعة ذهبا أو ورقا معجلا ، وأدرك ذلك فسخ ، وإن فاتت رد المشتري السلعة ، ورجع عليه بقيمة سلعته يوم قبضها ما بينه وبين ما باعها به فأدنى من ذلك ، فإن زادت قيمتها على الثمن الذي باعها به ، لم يرد عليه شيئا ; لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا ، ولو أن المشتري كان هو الذي أسلف البائع ، فسخ البيع أيضا بينهما ، ورجع البائع بقيمة سلعته بالغا ما بلغت ، إلا أن تنقص قيمتها من الثمن ، فلا ينقص المشتري من الثمن ; لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا .

وقال محمد بن مسلمة من باع عبدا بمائة دينار ، وشرط أنه يسلفه سلفا ، فإن البيع مفسوخ إلا أن يقول المشتري : لا حاجة لي بالسلف قبل أن يقبضه ، فيجوز البيع .

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، لا يجوز البيع ، وإن رضي مشترط السلف بترك السلف ، وهو قول الشافعي ، وجمهور العلماء ; لأن البيع ، وقع فاسدا فلا يجوز ، وإن أجيز .

[ ص: 386 ] وقال الأبهري قد روى بعض المدنيين ، عن مالك أنه لا يجوز ، وإن ترك السلف قال : وهو القياس أن يكون عقد البيع فاسدا في اشتراط السلف كالبيع في الخمر والخنزير ; لأن البيع قد وقع فاسدا في عقده فلا بد من فسخه إلا أن يفوت ، فيرد السلف ، ويصلح بالقيمة .

وقد سأل محمد بن أحمد بن سهل البركاني إسماعيل بن إسحاق القاضي عن الفرق بين البيع والسلف ، وبين رجل باع غلاما بمائة دينار ، وزق خمر ، أو شيء حرام ، ثم قال : أنا أدع الزق ، أو الشيء الحرام قبل أن يأخذه ، وهذا البيع مفسوخ ، عند مالك غير جائز ، فقال إسماعيل : الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في أخذه أو تركه ، وليس مسألتك كذلك ، ولو قال : أبيعك غلامي بمائة دينار على أني إن شئت أن تزيدني زق خمر زدتني ، وإن شئت تركته ، ثم ترك الزق خمر جاز البيع ، ولو أخذه فسخ البيع بينهما فهذا مثل مسألة البيع ، والسلف . هذا معنى كلام إسماعيل .

وكان سحنون يقول : إنما يصح البيع في ذلك إذا لم يقبض السلف ، وترك ، وأما إذا قبض السلف ، فقد تم الربا بينهما ، والبيع حينئذ حرام مفسوخ على كل حال .

وقال يحيى بن عمر سحنون أصلحه بترك السلف ، وإنما كان يرد السلف .

وقال الفضل بن سلمة : وكذلك قرأناه على يحيى بن عمر إذا رد السلف .

[ ص: 387 ] قال أبو عمر :

ما حكاه الفضل فيشبه أن يكون في غير الموطأ ، وأما لفظ الموطأ من رواية القعنبي ، وابن القاسم ، وابن بكير ، وابن وهب ، ويحيى بن يحيى ، فإنما هو قال مالك : فإن ترك السلف جاز البيع وترك غير رد ; لأن الرد لا يكون إلا بعد القبض ، وإذا قبض السلف ، فهو كما قال : سحنون ، وإن كان من أصل مالك إجازة بيوع ، وقعت فاسدة ، ثم أدركها الإصلاح كبيع الغاصب يخبره بعد العقد مالكه ، ونحو هذا ، وكذلك نكاح العبد عنده موقوف على إجازة سيده .

التالي السابق


الخدمات العلمية