التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 388 ] حديث ثامن وأربعون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيعتين في بيعة .


وهذا يتصل ، ويستند من حديث ابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه صحاح ، وهو حديث مشهور ، عند جماعة الفقهاء ، معروف غير مرفوع عند واحد منهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، ويحيى بن عبد الرحمن قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشيم ، أخبرنا يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيعتين في بيعة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا هشيم ، عن يونس بن عبيد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن بيعتين في بيعة .

[ ص: 389 ] وأخبرنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي قال : حدثنا الدراوردي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا أبو محمد القلزمي قال : حدثنا ابن الجارود قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكرياء ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا .

[ ص: 390 ] قال أبو عمر :

معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن يبتاع الرجل سلعتين مختلفتين إحداهما بعشرة ، والأخرى بخمسة عشر ، قد وجب البيع في إحدى السلعتين بأيهما شاء المشتري هو في ذلك بالخيار بما سمى من الثمن ، ورد الأخرى ، ولا يعين المأخوذة من المتروكة ، فهذا من بيعتين في بيعة ، عند مالك وأصحابه ، فإن كان البيع على أن المشتري بالخيار فيهما جميعا بين أن يأخذ أيتهما شاء ، وبين أن يردهما جميعا ، ولا بيع بينهما فذلك جائز ، وليس من باب بيعتين في بيعة ، ومن ذلك أن يبتاع الرجل من آخر بعشرة نقدا ، أو بخمسة عشر إلى أجل قد وجبت للمشتري بأحد الثمنين ، وافترقا على ذلك ، مالك وغيره ، وقال مالك : هذا لا ينبغي ; لأنه إن أخر العشرة كانت خمسة عشر إلى أجل ، وإن نقد العشرة كان كأنه اشترى بالخمسة عشر إلى أجل ، قال مالك : وكذلك إذا باع رجل سلعة بدينار نقدا ، أو بشاة موصوفة إلى أجل قد وجب البيع عليه بأحد الثمنين ، ذلك مكروه لا ينبغي ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة ، وهذا من بيعتين في بيعة ، قال مالك : ومن ذلك أيضا أن يشتري منه العجوة خمسة عشر صاعا بدينار ، والصيحاني عشرة أصوع ، قد وجبت إحداهما ، فهذا من المخاطرة ، ويفسخ عند مالك هذا البيع أبدا ، فإن فات البيع ضمن المبتاع قيمته يوم قبضه لا يوم البيع بالغا ما بلغ ، إلا أن يكون مكيلا غير رطب ، فيرد مكيلته ، وإن قبض [ ص: 391 ] السلعتين ، وفاتتا ردا جميعا إلى القيمة يوم قبضهما المشتري بالغا ما بلغت ، وأما إذا كان ما قدمنا ذكره في السلعتين على وجه المساومة من غير إيجاب ، أو كان البيع على أن المشتري بالخيار فيهما جميعا بين أن يأخذ أيتهما شاء ، وبين أن يردهما جميعا ، ولا بيع بينهما فلا بأس بذلك ; لأن المشتري بالخيار في أي الثمنين شاء ، وبالخيار أيضا في الأخذ ، أو الترك .

وقال الشافعي : هما وجهان ، أحدهما أن يقول : قد بعتك هذا العبد بألف دينار نقدا ، أو بألفين إلى سنة ، قد وجب لك البيع بأيهما شئت أنا أو شئت أنت ، فهذا بيع الثمن فيه مجهول .

والثاني أن يقول : قد بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف ، إذا وجب لك عبدي ، وجبت دارك لي ; لأن ما نقص كل واحد منهما مما باع ازداده فيما اشتراه ، فالبيع في هذا كله مفسوخ ، فإن فات ففيه القيمة حين قبض ، ومثل هذا عند الشافعي أن يبيعه سلعة بكذا على أن يبيعه بالثمن كذا كرجل قال لآخر : أبيعك ثوبي هذا بعشر دنانير على أن تبيعني بالعشرة دنانير دابة كذا ، أو سلعة كذا أو مثاقيل عدد كذا ، هذا كله من باب بيعتين في بيعة ، عند الشافعي وجماعة .

قال : ومن هذا الباب ، نهيه - عليه السلام - عن بيع وسلف ; لأن من سنته أن تكون الأثمان معلومة ، والبيع معلوما ، وإذا انعقد البيع على السلف ، والمنفعة بالسلف مجهولة ، فصار الثمن غير معلوم .

[ ص: 392 ] قال أبو عمر :

كل يخرج للحديث ( معنى ) على أصله ، ومن أصل مالك مراعاة الذرائع ، ومن أصل الشافعي ترك مراعاتها ، وللكلام في ذلك موضع غير هذا ، والله الموفق للصواب .

ولم يختلف قول مالك ، وأصحابه فيما علمت - من مشهور مذهبهم فيمن باع سلعته بدراهم على أن يأخذ بالدراهم دنانير ، وكان ذلك في عقد الصفقة - أن ذلك جائز ، وأن البيع إنما وقع بالدنانير لا بالدراهم ، وليس ذلك عندهم من باب بيعتين في بيعة ، وذلك ، عند الشافعي كما وصفنا .

واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة على فساد البيع إذا كان من باب بيعتين في بيعة على حسبما ذكرنا من النقد بكذا ، والنسيئة بكذا ، أو إلى أجلين ، أو نقدين مختلفين ، أو صفتين من الطعام مختلفتين ، وما أشبه هذا كله .

وقال الأوزاعي : لا بأس بذلك ، ولا يفارقه حتى يأتيه بأحد البيعتين ، وإن أخذ السلعة على ذلك ، فهي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين .

وقال ابن شبرمة : إذا فارقه على ذلك ففات ( البيع ) عليه أقل الثمنين نقدا .

[ ص: 393 ] قال أبو عمر :

عليه في قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، القيمة كسائر البيوع الفاسدة عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية