التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 413 ] حديث رابع وخمسون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قضى طوافه بالبيت ، ركع الركعتين ، وإذا أراد أن يخرج إلى الصفا ، استلم الركن الأسود .


هكذا هذا الحديث ، عند رواة الموطأ ، عن مالك ، ورواه الوليد بن مسلم ، عن مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، وهو محفوظ ، من حديث جابر من طرق صحاح من رواية مالك ، وغيره .

أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، عن الوليد ، عن مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فصلى ركعتين ، فقرأ فاتحة الكتاب و ( قل ياأيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) ثم عاد إلى الركن ، واستلمه ، ثم خرج إلى الصفا .

[ ص: 414 ] أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف سبعا رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم قرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فصلى سجدتين جعل المقام بينه ، وبين الكعبة ، ثم استلم الركن ، ثم خرج فقال : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) نبدأ بما بدأ الله به .

قال أبو عمر :

هذا الحديث من حديث جابر الطويل في الحج ، رواه حاتم بن إسماعيل ، وجماعة عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر في حديثه الطويل ، قال فيه : ثم رجع فاستلم الحجر ، ثم خرج من الباب إلى الصفا .

وطرقه كثيرة جدا صحاح كلها ، فأما ركوع الطائف بالبيت إذا فرغ من طوافه ، وطاف سبعا ، فإنه يصلي ركعتين عند المقام إن قدر ، وإلا فحيثما قدر من المسجد ، وهذا إجماع من العلماء لا خلاف بينهم في ذلك ، واختلفوا إذا صلاهما في الحجر ، فجمهور العلماء على أن ذلك جائز لا بأس به ، وهو مذهب عطاء ، والثوري ، والشافعي ، وأبو حنيفة .

وروي ذلك ، عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم .

وقال مالك إن صلى صلاة الطواف الواجب في الحجر أعاد [ ص: 415 ] الطواف والسعي بين الصفا والمروة ، وإن لم يركعهما حتى بلغ بلده أهراق دما ، ولا إعادة عليه .

قال أبو عمر :

أكثر أهل العلم لا يرون الدم مدخلا في شيء من أبواب الصلاة في الحج ، وغير الحج ، وإنما يرون في ذلك الإعادة على من لم يصل ما وجب عليه من ذلك ناسيا إذا ذكر .

واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم ، أو رجع إلى بلده ، فقال الشافعي ، وأبو حنيفة يركعهما حيثما ذكر من حل ، أو حرم .

وقال سفيان الثوري : يركعهما حيثما شاء ما لم يخرج من الحرم .

وقال مالك : إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي .

قال أبو عمر :

من أوجب الدم في ذلك فحجته أن ذلك النسك والشعائر ، وقد قال ابن عباس : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ، إلا أن مالكا لا يرى على من نسي طواف الوداع ، أو تركه دما ، وهو من النسك ، عند جميعهم ، ومن حجة من لم ير في ركعتي الطواف غير القضاء ، القياس [ ص: 416 ] على الصلاة المكتوبة في الحج ، وليس ركعتا الطواف بأوكد من المكتوبة ، وأكثر أحوالهما أن يحكم لهما بحكمهما في القضاء على من نسيهما ، أو تركهما ، وبالله التوفيق .

وأما استلام الركن ، فسنة مسنونة ، عند ابتداء الطواف ، وعند الخروج بعد الطواف ، والرجوع إلى الصفا ، لا يختلف أهل العلم في ذلك قديما ، وحديثا ، والحمد لله .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت ، وصلى الركعتين ، عند المقام ، قرأ فيهما : ( قل ياأيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) ثم قرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا .

قال أبو عمر :

كان مالك يستحب لمن طاف بالبيت ، أن يركع عند المقام ، فإن لم يقدر فحيث أمكنه ، فإذا ركع أتى الحجر فاستلمه بيده ووضع يده على فيه ، ثم خرج إلى الصفا للسعي ، ومن ترك الاستلام ، فلا شيء عليه ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لعبد الرحمن بن عوف : كيف صنعت في استلام الركن الأسود ؟ فقال : استلمت وتركت ، فقال أصبت .

التالي السابق


الخدمات العلمية