التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 424 ] حديث سادس وخمسون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بمنى : هذا المنحر ، وكل منى منحر ، وقال في العمرة : هذا المنحر ، وكل فجاج مكة ، وطرقها منحر .


قال ابن وهب : منى كلها منحر إلى العقبة ، وما وراء العقبة فليس بمنحر ، ومكة في العمرة منحر فجاجها بين بيوتها ، وما قاربها ، وما تباعد من البيوت فليس بمنحر .

قد مضى في الباب قبل هذا كثير من أحاديث هذا الباب .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي ، قال : حدثنا عامر بن محمد القرمطي ، قال : حدثنا أبو مصعب الزبيري ، قال : حدثنا الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بدنة بالحربة ، وهو بمنى ، وقال : هذا المنحر ، وكل منى منحر .

قال أبو عمر :

المنحر في الحج بمنى إجماع من العلماء .

وأما العمرة فلا طريق لمنى فيها ، فمن أراد أن ينحر في عمرته ، وساق هديا يتطوع به ، نحره [ ص: 425 ] بمكة حيث شاء منها ، وهذا إجماع أيضا لا خلاف فيه يغني عن الإسناد والاستشهاد ، فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ، ومن لم يفعل ، ونحر في غيرهما ، فقد اختلف العلماء في ذلك : فذهب مالك إلى أن المنحر لا يجوز في الحج إلا بمنى ، ولا في العمرة إلا بمكة ، ومن نحر في غيرهما ، لم يجزه ، ومن نحر في الحج ، أو في العمرة في أحد الموضعين أجزأه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلهما موضعا للنحر ، وخصهما بذلك ، وقال الله - عز وجل - : ( هديا بالغ الكعبة ) فلابد من أن يبلغ به البيت ، ومنى من مكة .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن نحر في غير منى ، ومكة من الحرم أجزأه ، قالوا : وإنما لمكة ، ومنى اختصاص الفضيلة ، والمعني في ذلك الحرم ، لأن مكة ، ومنى حرم ، وقد أجمعوا أن من نحر في غير الحرم لم يجزه .

ومن أحسن طريق حديث هذا الباب ، ما حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الطيب ، وجيه بن الحسن بن يوسف ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة القاضي ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي [ ص: 426 ] ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌طالب ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال : هذه عرفة ، وهذا الموقف ، وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس فأردف أسامة ، وجعل يسير على يمينه ، والناس يضربون يمينا ، وشمالا ، وهو يقول : يا أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، ثم أتى جمعا فصلى بها الصلاتين جمعا ، فلما أصبح أتى قزح ، فقال : هذا قزح ، وهذا الموقف ، وجمع كلها موقف ، ثم أفاض فلما انتهى إلى وادي محسر ، قرع ناقته حتى جاز الوادي ، ثم وقف ، وأردف الفضل ، ثم أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى المنحر بمنى ، فقال : هذا المنحر ، ومنى كلها منحر ، فاستقبلته جارية من خثعم شابة ، فقالت : إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج ، أفيجزي أن أحج عنه ؟ فقال : حجي عن أبيك ، ولوى عنق الفضل ، فقال له العباس : يا رسول الله ، لويت عنق ابن عمك ؟ فقال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما .

فأتى رجل فقال : يا رسول الله ، إني ذبحت قبل أن أرمي ، قال : ارم ، ولا حرج ، ثم أتى البيت فطاف به ، ثم أتى زمزم فقال : يا بني عبد المطلب ، سقايتكم ، فلولا أن يغلبكم الناس عليها ، لنزعت منها
.

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن [ ص: 427 ] سعيد ، عن جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا جابر ، قال : قال : نبي الله - صلى الله عليه وسلم - منى كلها منحر .

قال أبو عمر :

هذا القول خرج على المنحر في الحج ; لأنه قاله في حجته - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية