التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 428 ] حديث سابع وخمسون من البلاغات

قال مالك ، لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل يعني من حجته حتى يصلي فيه ، وإن مر به في غير وقت صلاة ، فليقم حتى تحل الصلاة ، ثم يصلي ما بدا له ; لأنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس به ، وأن عبد الله بن عمر أناخ به .


[ ص: 429 ] قال أبو عمر :

المعرس هو البطحاء التي تقرب من ذي الحليفة فيما بينهما ، وبين المدينة ، فبلاغ مالك في هذا الموضع هو مسند قد تقدم ذكره في باب نافع ; لأن مالكا روى عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة ، فصلى بها .

قال نافع : وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك .

وذكره ابن وهب ، عن مالك أنه أخبره أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صدر من الحج ، أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة ، فصلى بها ، قال نافع : وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك ، وهذا يدل على أن بلاغات مالك لا يحيل فيها إلا على ثقة .

وقد مضى القول في هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب .

وأما المحصب فيقال له : الأبطح ، وهو قرب مكة ، وفيه مقبرة مكة ، وهو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته قبل دخوله مكة ، وفي خروجه عنها منصرفا ، فقال قوم : النزول به سنة ، وقال آخرون : ليس بسنة ، وكان مالك يستحب ذلك .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا سليمان بن داود ، والحارث بن مسكين قراءة [ ص: 430 ] عليه ، وأنا أسمع ، عن ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ورقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت فطاف به .

وذكر مالك في الموطأ ، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء بالمحصب ، ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت .

وروى الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة ، يعني المحصب .

وروى نزوله في المحصب جماعة ، منهم عائشة ، وأبو جحيفة ، وأنس ، وغيرهم .

وذكر معمر ، عن الزهري ، عن سالم أن أبا بكر ، وعمر ، وابن عمر ، كانوا ينزلون الأبطح .

وعن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - أنها لم تكن تفعل ذلك - وقالت : إنما نزله النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان منزلا أسمح لخروجه .

وروى الزهري ، وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ليس المحصب بسنة ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان أسمح لخروجه .

[ ص: 431 ] وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ليس المحصب بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

يقال أيضا للمحصب الأبطح :

أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، قال : سألت عمرو بن دينار ، عن التحصيب بالأبطح ، فقال : قال ابن عباس : إنما كان منزلا نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفي حديث أبي جحيفة قال : دفعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالأبطح في قبة يعني المحصب .

وقال مالك : من تعجل في يومين ، فلا نعلمه يحصب .

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، حدثنا ابن شعبان ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا يونس ، عن ابن وهب ، عن ابن أبي ذئب ، وغيره ، عن ابن شهاب أنه لا حصبة لمن تعجل في يومين .

قال أبو إسحاق بن شعبان إنما التحصيب لمن صدر آخر أيام منى ، وبذلك سميت تلك الليلة ليلة الحصبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية