التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
364 [ ص: 185 ] حديث سابع عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح .

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يدع أحدا بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان .


قيل : إن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري يكنى أبا جعفر توفي سنة اثنتي عشرة ومائة ، وهو ابن سبع وسبعين ( سنة ) .

وقد ذكرنا أباه في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ، وعبد الرحمن من ثقات التابعين بالمدينة

هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ فيما علمت ، وليس عندهم في هذا ( الحديث ) عن مالك غير هذا الإسناد ، إلا ابن وهب ، فإن عنده في ذلك عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه .

[ ص: 186 ] هذا آخر هذا الحديث عنده ، ولم يروه أحد بهذا الإسناد عن مالك إلا ابن وهب .

وعند ابن وهب أيضا عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، هذا الحديث المذكور في هذا الباب على حسبما ذكرناه .

وحديث عبد الرحمن بن أبي سعيد أشهر .

وحديث عطاء بن يسار معروف أيضا :

حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أنه كان يصلي وبين يديه ابن لمروان بن الحكم ، فضربه ، فقال مروان : ضربت ابن أخيك ، قال : ما ضربت إلا شيطانا ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : إن أبى فرده فإن أبى فقاتله ، فإنما هو شيطان .

[ ص: 187 ] قال أبو عمر :

في هذا الحديث كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده ، وصلى إلى غير سترة ، وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة .

وأما المأموم ، فلا يضره من مر بين يديه ، كما أن الإمام والمنفرد ، لا يضر أحدا منهما ما مر من وراء سترة الإمام .

وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، وإنما قلنا : إن هذا في الإمام ، وفي المنفرد ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان أحدكم يصلي ، ومعناه عند أهل العلم : يصلي وحده ، بدليل حديث ابن عباس ، وبذلك قلنا : إن المأموم ليس عليه أن يدفع من يمر بين يديه ، لأن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف ( فنزلت ) ، وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد .

[ ص: 188 ] هكذا رواه مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس : ألا ترى أنه مر بين يدي بعض الصف ، فلم يدرأه أحد ، ولم يدفعه ، ولا أنكر عليه ، فإذا كان الإمام أو المنفرد يصليان إلى سترة ، فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته ، وهذه الجملة كلها على ما ذكرت لك لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا ، والآثار الثابتة دالة عليها .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن العمل في الصلاة جائز ، والذي يجوز منه عند العلماء القليل نحو قتل البرغوث ، وحك الجرب ، وقتل العقرب بما خف من الضرب ما لم تكن المتابعة والطول ، والمشي إلى القوم إذا كان ذلك قريبا ، ودرء المار بين يدي المصلي .

وهذا كله ما لم يكثر ، فإن كثر أفسد ، وما علمت أحدا من العلماء خالف هذه الجملة ، ولا علمت أحدا منهم جعل بين القليل من العمل الجائز في الصلاة ، وبين الكثير المفسد لها حدا لا يتجاوز إلا ما تعارفه الناس .

والآثار المرفوعة في هذا الباب والموقوفة كثيرة ، ( وقد ذكرنا من فتل الدم ، وقتل القمل في الصلاة ، في باب هشام بن عروة ما فيه كفاية ) .

ومن العمل في الصلاة شيء لا يجوز منه فيها القليل ولا الكثير ، وهو الأكل ، والشرب ، والكلام عمدا في غير شأن الصلاة ، [ ص: 189 ] وكذلك كل ما باينها ، وخالفها من اللهو ، والمعاصي ، وما لم ترد فيه إباحة قليل ذلك كله ، وكثيره غير جائز شيء منه في الصلاة .

وقوله في الحديث : فإن أبى فليقاتله ، فالمقاتلة هنا : المدافعة ، وأظنه كلاما خرج على التغليظ ، ولكل شيء حد ، وأجمعوا : أنه لا يقاتله بسيف ، ولا يخاطبه ، ولا يبلغ منه مبلغا تفسد به صلاته ، فيكون فعله ذلك أضر عليه من مرور المار بين يديه ، وما أظن أحدا بلغ بنفسه إذا جهل ، أو نسي فمر بين يدي المصلي إلى أكثر من الدفع ، وفي إجماعهم على ما ذكرنا ما يبين لك المراد من الحديث .

وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز في أكثر ظني ضمن رجلا دفع آخر من بين يديه وهو يصلي ، فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه ، وفي ذلك دليل على أنه لم يكن له أن يبلغ ذلك به ; ولأن ما تولد عن المباح ، فهو معفو عنه .

وقد كان الثوري يدفع المار بين يديه إذا صلى دفعا عنيفا .

وذكر عنه أبو داود أنه قال : الرجل يتبختر بين يدي ، وأنا أصلي فأدفعه ، ويمر الضعيف ، فلا أمنعه ، وهذا كله يدلك على أن الأمر ليس على ظاهره في هذا الباب .

وذكر ابن القاسم ، عن مالك ، قال : إذا جاز المار بين يدي المصلي فلا يرده ، قال : وكذلك لا يرده وهو ساجد .

[ ص: 190 ] وقال أشهب : إذا مر قدامه فليرده بإشارة ، ولا يمشي إليه ; لأن مشيه إليه أشد من مروره بين يديه ، فإن مشى إليه ورده ، لم تفسد بذلك صلاته .

قال أبو عمر :

( إن كان مشيا كثيرا ، فسدت صلاته ، والله أعلم ) .

وإنما ينبغي له أن يمنعه ويدرأه ، منعا : لا يشتغل به عن صلاته ، فإن أبى عليه ، فليدعه يبوء بإثمه ; لأن الأصل في مروره أنه لا يقطع على المصلي صلاته .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن العلاء ، قال : أخبرنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم . وإذا لم يقطع الصلاة شيء ، فإنما هو تغليط على المار ، ولذلك جاء فيه ما جاء ، والله أعلم .

[ ص: 191 ] وسنذكر اختلاف الناس فيما يقطع الصلاة وما لا يقطعها في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله .

والصحيح عندنا أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه ، ولو كان خنزيرا ، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره ( مما جاءت به الشريعة ) .

وأما الحديث بأن الإمام سترة لمن خلفه : فحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : جئت أنا والفضل على أتان ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعرفة ، فمررنا ببعض الصف ، فنزلنا عنها وتركناها ترتع ، ودخلنا معه في الصف ، فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

فهذا دليل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وأوضح من هذا حديث حدثناه خلف بن القاسم ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ، قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، قال : حدثنا سعيد بن [ ص: 192 ] محمد بن تراب الحضرمي ، قال : حدثنا خلاد بن يزيد الأرقط ، قال : حدثنا هشام بن الغازي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر ، فجاءت بهمة لتمر بين يديه ، فجعل يدرؤها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار ، فمرت خلفه . ألا ترى أنه كره أن تمر بين يديه ، ولم يكره أن تمر خلفه .

وهذا الحديث خولف فيه خلاد هنا ، فروي عن هشام بن الغازي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وبهذا الإسناد ذكره أبو داود .

وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، وحدثنا [ ص: 193 ] سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا جميعا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن هشام بن الغازي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية أذاخر ، فحضرته الصلاة إلى جدار فاتخذه قبلة ، ونحن خلفه ، فجاءت بهمة لتمر بين يديه ، فما زال يدرؤها حتى ألصق بطنه بالجدار ، ومرت من ورائه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى سترة في السفر والحضر ، إن لم يكن جدار نصب أمامه شيئا ، وكان يأمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - .

والسترة في الصلاة سنة مسنونة معمول بها .

روى عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه ، فيصلي إليها ، والناس وراءه ، وكان يفعل ذلك [ ص: 194 ] في السفر ، قال : فمن ثم اتخذها الأمراء ، ذكره البخاري وجميعهم .

وروى شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه : أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ركعتين ، وبين يديه عنزة ، تمر من ورائها المرأة والحمار ، وصلى الظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شجرة من حديث شعبة أيضا ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي .

وأخبرني عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه طلحة بن عبيد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جعلت بين يديك [ ص: 195 ] مثل مؤخرة الرحل ، فلا يضرك من مر من بين يديك .

وحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا العباس بن محمد الدوري ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك عن سترة المصلي ؟ فقال : مثل مؤخرة الرحل .

وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدنو من السترة ، رواه سهل بن أبي حثمة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم إلى سترة ، فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ، وهو حديث مختلف في إسناده ، ولكنه حديث حسن ، ذكره النسائي ، وأبو داود ، وغيرهما .

[ ص: 196 ] ومقدار الدنو من السترة موجود في حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن بلال : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ صلى بالكعبة جعل عمودا عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع ، هكذا رواه ابن القاسم ، وجماعة عن مالك ، وقد ذكرنا ذلك في باب نافع ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وهو قول عطاء .

قال عطاء : أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع ، والشافعي ، وأحمد ، يستحبان ثلاثة أذرع ، ولا يوجبان ذلك .

ولم يحد فيه ( أيضا ) مالك حدا .

وكان عبد الله بن المغفل يجعل بينه ، وبين السترة ستة أذرع .

وقال عكرمة : إذا كان بينك ، وبين الذي يقطع الصلاة قذفة حجر ، لم يقطع الصلاة .

وروى سهل بن سعد الساعدي ، قال : كان بين مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبين القبلة ممر عنز .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا القعنبي ، والنفيلي ، قالا جميعا : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني أبي ، عن سهل بن سعد ، قال : كان بين مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة ممر عنز .

[ ص: 197 ] قال أبو عمر :

حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، عن بلال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل بينه ، وبين الجدار في الكعبة ثلاثة أذرع ، أصح من حديث سهل بن سعد من جهة الإسناد ، وكلاهما حسن .

وأما استقبال السترة والصمد لها ، فلا تحديد في ذلك عند العلماء ، وحسب المصلي أن تكون سترته قبالة وجهه .

وقد روينا عن المقداد بن الأسود ، قال : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عود ، ولا عمود ، ولا شجرة ، إلا جعله على حاجبه الأيمن ، أو الأيسر ، ولا يصمد له صمدا . خرجه أبو داود .

فهذا ما جاء من الآثار التي اجتمع العلماء عليها ، ولا أعلمهم اختلفوا في العمل بها ، ولا أنكر أحد منهم شيئا منها ، وإن كان بعضهم قد استحسن شيئا ، واستحسن غيره ما يقرب منه ، وهذا كله بحمد الله سواء ، أو قريب من السواء إن شاء الله .

وأما صفة السترة ، وقدرها في ارتفاعها وغلظها ، فقد اختلف العلماء في ذلك .

[ ص: 198 ] فقال مالك : أقل ما يجزئ في السترة غلظ الرمح ، وكذلك السوط ، والعصا وارتفاعها قدر عظم الذراع ، هذا أقل ما يجزئ عنده ، وهو قول الشافعي في ذلك كله .

وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : أقل السترة قدر مؤخرة الرحل ، ويكون ارتفاعها على ظهر الأرض ذراعا ، وهو قول عطاء .

وقال قتادة : ذراع وشبر .

وقال الأوزاعي : قدر مؤخرة الرحل ، ولم يحد ذراعا ، ولا عظم ذراع ، ولا غير ذلك ، وقال : يجزئ السهم ، والسوط ، والسيف ; يعني في الغلظ ، واختلفوا فيما يعرض ولا ينصب ، وفي الخط ; فكل من ذكرنا قوله : إنه لا يجزئ عنده أقل من عظم الذراع ، أو أقل من ذراع ، لا يجيز الخط ، ولا أن يعرض العصا ، والعود في الأرض فيصلي إليها ، وهم : مالك ، والليث ، وأبو حنيفة ، وأصحابه كلهم يقول : الخط ليس بشيء ، وهو باطل ، ولا يجوز عند واحد منهم إلا ما ذكرنا ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وقال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور : إذا لم يجعل تلقاء وجهه شيئا ، ولم يجد عصا ينصبها ، فليخط خطا . وكذلك قال الشافعي بالعراق .

وقال الأوزاعي : إذا لم ( يكن ) ينتصب له عرضه بين يديه ، وصلى إليه ، فإن لم يجد خط خطا ، وهو قول سعيد بن جبير ، قال الأوزاعي : والسوط يعرضه أحب إلي من الخط .

وقال الشافعي بمصر : لا يخط ( الرجل ) بين يديه خطا ، إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع .

[ ص: 199 ] قال أبو عمر :

احتج من ذهب إلى الخط بما أخبرناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا إسماعيل بن أمية ، قال : حدثني أبو عمرو بن محمد بن حريث ، أنه سمع جده حريثا يحدث عن أبي هريرة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصاه ، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ، ولا يضره من مر بين يديه .

وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ، ومن قال بقوله ، ( حديث ) صحيح ، وإليه ذهبوا ورأيت أن علي ابن المديني كان يصحح هذا الحديث ويحتج به .

[ ص: 200 ] وقال أبو جعفر الطحاوي إذ ذكر هذا الحديث : أبو عمرو بن محمد بن حريث ، هذا مجهول ، وجده أيضا مجهول ، ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث ، ولا يحتج بمثل هذا ( من ) الحديث .

واختلف القائلون بالخط في هيئة الخط ، فقالت ( منهم ) طائفة : يكون عرضا ; منهم : الأوزاعي .

وقالت طائفة : يكون طولا ، كالعصا ( يقيمها ) ; منهم : عبد الله بن داود الخريبي .

وقالت طائفة : يكون كالهلال والمحراب ; منهم : أحمد بن حنبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية