التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1714 [ ص: 298 ] حديث ثالث وعشرون لزيد بن أسلم مسند

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي ، عن جدته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ردوا السائل ولو بظلف محرق .


هكذا رواه جماعة رواة الموطأ عن مالك ، وتابع مالكا على إسناد هذا الحديث ولفظه ومعناه - معمر ، عن زيد بن أسلم .

وكذلك رواه منصور بن حيان ، وسعيد المقبري ، عن ابن بجيد ، عن جدته ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث مالك ، رواه ( عن ) المقبري محمد بن إسحاق ، وابن أبي ذئب ، ورواه عن منصور بن حيان - سفيان .

والظلف في اللغة : الظفر من ذوي الأظلاف ، وذلك معروف .

قال الفرزدق :


وكان كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية مدفونة تستثيرها

[ ص: 299 ] وابن بجيد مدني معروف ، روى عنه زيد بن أسلم ، وسعيد المقبري ، ومنصور بن حيان حديثه هذا .

وجدت في أصل سماع أبي - رحمه الله - بخطه ، أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال ، حدثهم قال : أخبرنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد ، عن أم بجيد ، قالت : قلت يا رسول الله : ( والله ) إن المسكين ليقف على بابي حتى أستحيي ، فما أجد ما أضع في يده ، فقال : ادفعي في يده ، ولو ظلفا محترقا .

وبهذا الإسناد عن أسد ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثنا سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد أخي بني حارثة ، عن جدته أم بجيد أنها حدثته - وكانت ممن بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 300 ] والله إن المسكين ليقوم على بابي ، فما أجد له شيئا أعطيه إياه ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن لم تجدي له شيئا تعطيه إياه إلا ظلفا محرقا ، فادفعيه إليه في يده .

وخالف حفص بن ميسرة ( أبو عمر الصنعاني ) في إسناد هذا الحديث وفي الذي قبله ، فقلبهما وجعل إسناد هذا في متن ذلك ، رواه ابن وهب ، ومعاذ بن فضالة ، عن أبي عمر الصنعاني حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن معاذ الأشهلي ، عن جدته حواء ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ردوا السائل ولو بظلف محرق . وهذا لفظ حديث ابن وهب ، وقال معاذ : ولو شيء محترق .

وتابعه على هذا اللفظ ( بهذا الإسناد ) هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، ( وهذا الحديث إنما هو لابن بجيد .

وروي أيضا عن حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ) ، عن ابن بجيد ، عن جدته ، أم بجيد : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

[ ص: 301 ] وقد روي عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد الأنصاري ، عن جدته ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا نساء المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

وهذا عند مالك إنما هو حديث عمرو بن معاذ الأشهلي ، إلا أن لفظ حديث مالك ليس فيه ذكر فرسن ، وإنما فيه : ولو كراع محترق .

قال صاحب العين : فرسن البعير معروف .

وقال الأصمعي في قوله فرسن شاة : هذه استعارة ، وإنما يعرف الفرسن للبعير ، والظلف للشاة . ( قال ) : واستعارة الفرسن لغير البعير ، هو كقول الشاعر :


أشكو إلى مولاي من مولاتي     تربط بالحبل أكيرعاتي

قال أبو عمر :

في هذا الحديث : الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها . وفي قول الله عز وجل : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، أوضح الدلائل في هذا الباب .

[ ص: 302 ] وتصدقت عائشة - رضي الله عنها - بحبتين من عنب ، فنظر إليها بعض أهل بيتها ، فقالت : لا تعجبن ، فكم فيها من مثقال ذرة !

ومن هذا الباب قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة .

وإذا كان الله يربي الصدقات ، ويأخذ الصدقة بيمينه ، فيربيها كما يربي أحدنا فلوه ، أو فصيله ، فما بال من عرف هذا يغفل عنه ؟ وما التوفيق إلا بالله .

وفي سماع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن بجيد هذا من رواية المقبري وغيره ، قول جدة ابن بجيد له : إن المسكين ليقف على بابي ، ولم ينكر عليها - دليل على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : ليس المسكين بالطواف عليكم . لم يرد به ( اسم ) المسكنة ، ولكنه أراد معنى منها ليس موجودا في الطواف على الأبواب ، وهو الصبر على اللأواء والفقر مع ترك السؤال ، وكلاهما يقع عليه اسم مسكين بظاهر الحديثين ; فكأنه أراد - والله أعلم - ليس المسكين على تمام المسكنة وعلى الحقيقة ، إلا الذي لا يسأل الناس ، ومنه قوله - صلى الله عليه [ ص: 303 ] وسلم - : ليس ( من ) البر الصيام في السفر ; أي ليس البر كله بتمامه ; لأن الفطر أيضا في السفر في رمضان بر ، للأخذ برخصة الله عز وجل وإباحته ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية