التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1082 [ ص: 304 ] حديث رابع وعشرون لزيد بن أسلم - مسند

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من بني ضمرة ، عن أبيه ( أنه ) قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة ؟ فقال : لا أحب العقوق ، وكأنه إنما كره الاسم ، وقال : من ولد له ولد ، فأحب أن ينسك عن ولده ، فليفعل .


روى هذا الحديث ( ابن عيينة عن ) زيد بن أسلم ، عن رجل من ( بني ) ضمرة ، عن أبيه ، أو عن عمه ، هكذا على الشك ؟ والقول في ذلك قول مالك ، ولا أعلمه روى معنى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إلا من هذا الوجه ، ومن حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ، واختلف فيه على عمرو بن شعيب أيضا .

[ ص: 305 ] ( ومن أحسن أسانيد حديثه ، ما ذكره عبد الرزاق ، قال : أخبرنا داود بن قيس ، قال : سمعت عمرو بن شعيب يحدث ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة ؟ فقال : لا أحب العقوق ، وكأنه كره الاسم ، قالوا : يا رسول الله ! ينسك أحدنا عن ولده ، فقال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده ، فليفعل : عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاة ) .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقيقة آثار سنذكرها هنا ، إن شاء الله تعالى .

وفي هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الاسم الحسن ، ويعجبه الفأل الحسن ، وقد جاء عنه في حرب ، ومرة ، ونحوهما ، ما رواه مالك وغيره ، وذلك معروف ، ستراه في بابه من كتابنا هذا ، إن شاء الله .

[ ص: 306 ] وكان الواجب بظاهر هذا الحديث ، أن يقال للذبيحة عن المولود : نسيكة ، ولا يقال عقيقة ، لكني لا أعلم أحدا من العلماء مال إلى ذلك ، ولا قال به ، وأظنهم - والله أعلم - تركوا العمل بهذا المعنى المدلول عليه من هذا الحديث ، لما صح عندهم في غيره من لفظ العقيقة ، وذلك أن سمرة بن جندب روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه .

وروى سلمان الضبي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : مع الغلام عقيقته ، فأهريقوا عنه دما ، وأميطوا عنه الأذى . وهما حديثان ثابتان ، إسناد كل واحد منهما خير من إسناد حديث زيد بن أسلم هذا .

حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : أملى علينا علي بن عبد العزيز بمكة في المسجد الحرام ، قال : [ ص: 307 ] حدثنا معلى بن أسد ، قال : أخبرنا سلام بن أبي مطيع ، قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ، ويسمى .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : أخبرنا عفان ، قال : حدثنا أبان ، قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويماط عنه الأذى ، ويسمى .

قال أحمد بن زهير : وحدثنا أبي ، قال : حدثنا قريش بن أنس ، عن حبيب بن الشهيد ، قال : قال لي ابن سيرين : سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته عن ذلك ، فقال : من سمرة ، وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا أيوب وقتادة [ ص: 308 ] ويونس ، وهشام ، وحبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين ، عن سلمان بن عامر الضبي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مع الغلام عقيقته ، فأهرقوا عنه دما ، وأميطوا عنه الأذى .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الله بن المختار ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : الغلام مرتهن بعقيقته .

فهذا لفظ العقيقة قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ثابتة ، أثبت من حديث زيد بن أسلم هذا ، وعليها العلماء ، وهو الموجود في كتب الفقهاء ، وأهل الأثر في الذبيحة عن المولود : العقيقة دون النسيكة .

وأما العقيقة في اللغة : فزعم أبو عبيد ، عن الأصمعي ، وغيره ، أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد ، ( قال ) : وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة ; لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح ، قال : ولهذا قيل في الحديث ، وأميطوا عنه الأذى ; يعني بالأذى ذلك الشعر .

[ ص: 309 ] قال أبو عبيد : وهذا مما قلت لك إنهم ربما سموا الشيء باسم غيره ، إذا كان معه أو من سببه ، فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر ، وكذلك كل مولود من البهائم ، فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة . قال زهير : يذكر حمار وحش :


أذلك أم شتيم الوجه جأب عليه من عقيقته عفاء

يعني صغار الوبر .

وقال ابن الرقاع في العقة يصف حمارا :


تحسرت عقة عنه فأنسلها     واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا

قال : يريد أنه لما فطم من الرضاع ، وأكل البقل ، ألقى عقيقته ، واجتاب أخرى ، وهكذا زعموا يكون . قال أبو عبيد : العقة والعقيقة في الناس والحمر ، ولم يسمع في غير ذلك .

قال أبو عمر :

هذا كله كلام أبي عبيد وحكايته ، وما ذكره في تفسير العقيقة ، [ ص: 310 ] وقد أنكر أحمد بن حنبل تفسير أبي عبيد هذا للعقيقة ، وما ذكره عن الأصمعي وغيره في ذلك ، وقال : إنما العقيقة ( الذبح نفسه ) ، قال : ولا وجه لما قال أبو عبيد .

واحتج بعض المتأخرين لأحمد بن حنبل في قوله هذا ، بأن قال ما ( قال ) أحمد من ذلك ، فمعروف في اللغة ; لأنه يقال : عق : إذا قطع ، ومنه يقال : عق والديه إذا قطعهما .

( قال أبو عمر :

يشهد لقول أحمد بن حنبل قول الشاعر :


بلاد بها عق الشباب تمائمي     وأول أرض مس جلدي ترابها

يريد أنه لما شب ، قطعت عنه تمائمه .

ومثل هذا قول ابن ميادة ; واسمه الرماح :


بلاد بها نيطت علي تمائمي     وقطعن عني حين أدركني عقلي

[ ص: 311 ] وقول أحمد في معنى العقيقة في اللغة ، أولى من قول أبي عبيد ، وأترب وأصوب ، والله أعلم ) .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث : قوله - صلى الله عليه وسلم - : من ولد له ولد ، فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل - دليل على أن العقيقة ليست بواجبة ; لأن الواجب لا يقال فيه : من أحب فليفعله .

وهذا موضع اختلف العلماء فيه ، فذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضا ، منهم داود بن علي وغيره ، واحتجوا لوجوبها بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بها وفعلها ، وكان بريدة الأسلمي يوجبها ، وشبهها بالصلاة ، فقال : الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة ، كما يعرضون على الصلوات الخمس .

وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه ، فإن لم يعق عنه ، عق عن نفسه .

وقال الليث بن سعد : يعق عن المولود في أيام سابعه ، في أيها شاء ; فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه ، فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك ، وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام ، وكان الليث يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام .

[ ص: 312 ] وكان مالك يقول : هي سنة واجبة يجب العمل بها ، وهو قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والطبري .

قال مالك : لا يعق عن الكبير ، ولا يعق عن المولود ، إلا يوم سابعه ضحوة ; فإن جاوز يوم السابع ، لم يعق عنه ، ( وقد روي عنه أنه يعق عنه في السابع الثاني ) .

قال : ويعق عن اليتيم ، ويعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده ، إلا أن يمنعه سيده .

قال مالك : ولا يعد اليوم الذي ولد فيه ، إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم .

وروي عن عطاء : إن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع ، أحببت أن يؤخره إلى يوم السابع الآخر .

وروي عن عائشة أنها قالت : إن لم يعق عنه يوم السابع ، ففي أربع عشرة ، فإن لم يكن ، ففي إحدى وعشرين ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وهو مذهب ابن وهب ، قال ابن وهب : قال مالك بن أنس : إن لم يعق عنه في يوم السابع ، عق عنه في السابع الثاني .

وقال ابن وهب : ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث .

[ ص: 313 ] وقال مالك : إن مات قبل السابع لم يعق عنه ، وروي عن الحسن مثل ذلك .

وقال الليث بن سعد في المرأة تلد ولدين في بطن واحد : إنه يعق عن كل واحد منهما .

قال أبو عمر :

ما أعلم عن أحد من فقهاء الأمصار خلافا في ذلك ، والله أعلم .

وقال الشافعي لا يعق المأذون له المملوك عن ولده ، ولا يعق عن اليتيم ، كما لا يضحى عنه .

وقال الثوري : ليست العقيقة بواجبة ، وإن صنعت فحسن .

وقال محمد بن الحسن : هي تطوع ، كان المسلمون يفعلونها ، فنسخها ذبح الأضحى ، فمن شاء فعل ، ومن شاء لم يفعل .

وقال أبو الزناد : العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه .

قال أبو عمر :

الآثار كثيرة مرفوعة عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في استحباب العمل بها ، وتأكيد سنتها ، ولا وجه لمن قال : إن ذبح الأضحى نسخها .

[ ص: 314 ] واختلفوا في عدد ما يذبح عن المولود من الشياه في العقيقة عنه ، فقال مالك : يذبح عن الغلام شاة واحدة ، وعن الجارية شاة ، الغلام والجارية في ذلك سواء . والحجة له ولمن قال بقوله في ذلك : ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشا ، كبشا .

وروى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن فاطمة ذبحت عن حسن وحسين كبشا ، كبشا . وكان عبد الله بن عمر يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة ، شاة . وبه قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين كقول مالك سواء .

وقال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : يعق عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، وهو قول ابن عباس ، وعائشة ، وعليه جماعة أهل الحديث ; وحجتهم في ذلك ما حدثناه أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، [ ص: 315 ] قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، وحدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قراءة مني عليه أيضا ، واللفظ له ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا الحميدي ، قالا جميعا : حدثنا سفيان ، قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، أن حبيبة بنت ميسرة الفهرية مولاته ، أخبرته أنها سمعت أم كرز الخزاعية تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاة .

وعند ابن عيينة أيضا في هذا الحديث إسناد آخر ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز : حدثنيه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الترمذي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثني عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : أخبرني أبي أنه سمع سباع بن ثابت يحدث أنه سمع أم كرز الكعبية تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أقروا الطير على مكناتها . قالت : وسمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول : عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا .

هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، وخالفه حماد بن زيد ، فلم يقل عن أبيه .

[ ص: 316 ] حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عن الغلام شاتان مثلان ، وعن الجارية شاة .

قال أبو داود : هذا هو الصحيح ، وهم ابن عيينة فيه .

قال أبو عمر :

لا أدري من أين قال هذا أبو داود ؟ وابن عيينة حافظ ، وقد زاد في الإسناد ، وله عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز - ثلاثة أحاديث .

وحدثنا بحديث حماد بن زيد أيضا ، عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، فذكره بإسناده حرفا بحرف .

[ ص: 317 ] وقال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : مكافأتان : مستويتان متقاربتان .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا داود بن قيس ، عن عمرو بن شعيب ، ( عن أبيه ) ، عن جده ، قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة ؟ فقال : لا أحب العقوق ، فقال : أي رسول الله ! إنما أسألك عن أحدنا يولد له المولود ، فقال : من أحب أن ينسك عن ولده ، فليفعل : عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة .

قال أبو عمر :

انفرد الحسن وقتادة بقولهما : إنه لا يعق عن الجارية بشيء ، وإنما يعق عن الغلام فقط بشاة ، وأظنهما ذهبا إلى ظاهر حديثسلمان : مع الغلام عقيقته ، والى ظاهر حديث سمرة : الغلام مرتهن بعقيقته .

وكذلك انفرد الحسن ، وقتادة أيضا ; بأن الصبي يمس رأسه بقطنة قد غمست في دم ( العقيقة ) .

[ ص: 318 ] قال أبو عمر :

أما حلق رأس الصبي عند العقيقة ، فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : في حديث العقيقةيحلق رأسه ويسمى .

وقال بعضهم في هذا الحديث - وهو حديث سمرة : يحلق رأسه ويدمى . ولا أعلم أحدا من أهل العلم ، قال : يدمى رأس الصبي ، إلا الحسن وقتادة ، فإنهما قالا : يطلى رأس الصبي بدم العقيقة ، وأنكر ذلك سائر أهل العلم وكرهوه .

وحجتهم في كراهيته قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمان بن عامر الضبي : وأميطوا عنه الأذى ، فكيف ( يجوز ) أن يؤمر بإماطة الأذى عنه ، وأن يحمل على رأسه الأذى .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - أميطوا عنه الأذى ، ناسخ لما كان عليه أهل الجاهلية من تخضيب رأس الصبي بدم العقيقة .

روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : كان أهل الجاهلية إذا حلقوا رأس الصبي ، وضعوا دم العقيقة على رأسه بقطنة مغموسة في الدم ، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا مكان الدم خلوقا .

[ ص: 319 ] وروي عن بريدة الأسلمي نحو ما روي عن عائشة في ذلك : حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن ثابت ، قال : حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، قال : سمعت أبي بريدة يقول : كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ، ذبح شاة ، ولطخ رأسه بدمها ; فلما جاء الله بالإسلام ، كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ، ونلطخه بالزعفران .

قال أبو عمر :

لا أعلم أحدا قال في حديث سمرة : ويدمى مكان ويسمى إلا هماما .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار بالبصرة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا حفص بن عمر النمري ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ويدمى ، فكان قتادة إذا سئل عن الدم : كيف يصنع ( به ) ؟ قال : إذا ذبحت العقيقة أخذت ( منها ) صوفة ، واستقبلت بها أوداجها ، ثم [ ص: 320 ] توضع على يافوخ الصبي على رأسه ، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق .

قال أبو داود : وقوله : ويدمى وهم من همام ، وجاء تفسيره عن قتادة ، وهو منسوخ .

وأما تسمية الصبي ، فإن مالكا رحمه الله قال : يسمى يوم السابع ، وهو قول الحسن البصري .

والحجة لهذا القول ، حديث سمرة ( وقد ذكرناه ، وهو ) قوله : يذبح عنه يوم سابعه ويسمى ، يريد - والله أعلم - ويسمى يومئذ .

قال مالك : إن لم يستهل صارخا لم يسم ، وقال ابن سيرين ، وقتادة ، والأوزاعي : إذا ولد وقد تم خلقه ، سمي في الوقت إن شاء ، ويجوز أن يحتج لمن قال بهذا القول بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ولد لي الليلة غلام فسميته بإبراهيم .

وعند مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، - وهو قول أبي ثور - يتقي في العقيقة من العيوب ما يتقي في الضحايا ، ويسلك بها [ ص: 321 ] مسلك الضحايا : يؤكل منها ويتصدق ، ويهدي إلى الجيران ، وروي مثل ذلك ، عن عائشة ، وعليه جمهور العلماء .

قال عطاء : إذا ذبحت العقيقة فقل : باسم الله ، هذه عقيقة فلان ، ( قال ) : وتطبخ وتقطع قطعا ، ولا يكسر لها عظم ، وهو قول الشافعي في أن لا يكسر لها عظم .

وقد روي عن عائشة أنها قالت : لا تكسر عظام العقيقة .

وقال مالك وابن شهاب : لا بأس بكسر عظامها . وقال ابن جريج : تطبخ بماء وملح أعضاء ، أو قال آرابا ، وتهدى في الجيران والصديق ، ولا يتصدق منها بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية