التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
416 [ ص: 41 ] حديث تاسع وعشرون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .


قال أبو عمر :

لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث على ما رواه يحيى سواء . وهو حديث غريب أعني قوله : اللهم لا تجعل قبري ، وثنا يعبد ، ولا يكاد يوجد .

وزعم أبو بكر البزار أن مالكا لم يتابعه أحد على هذا الحديث إلا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم قال : وليس بمحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه لا إسناد له غيره إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وعمر بن محمد ثقة روى عنه الثوري ، وجماعة ، قال : وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 42 ] لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فمحفوظ من طرق كثيرة صحاح .

قال أبو عمر :

لا وجه لقول البزار إلا معرفة من روى الحديث لا غير .

ولا خلاف بين علماء أهل الأثر ، والفقه أن الحديث إذا رواه ثقة ، عن ثقة حتى يتصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حجة يعمل بها إلا أن ينسخه غيره . ومالك بن أنس عند جميعهم حجة فيما نقل ، وقد أسند حديثه هذا عمر بن محمد ، وهو من ثقات أشراف أهل المدينة روى عنه مالك بن أنس والثوري وسليمان بن بلال ، ( وغيرهم ) ، وهو عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فهذا الحديث صحيح عند من قال بمراسيل الثقات ، وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له ، وهو ممن تقبل زيادته ، وبالله التوفيق .

حدثنا إبراهيم بن شاكر ومحمد بن إبراهيم قالا : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال : [ ص: 43 ] حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال : حدثنا سليمان بن سيف قال : حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني قال : أخبرنا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

وحدثني محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال : أخبرنا محمد بن الحسن الكرماني المعروف بابن أبي علي قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا حمزة بن المغيرة قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تتخذوا قبري وثنا .

قال أبو بكر البزار : وحديث سهيل هذا إنما يجيء من هذا الطريق لم يحدث به إلا ابن عيينة عن حمزة بن المغيرة عن سهيل .

[ ص: 44 ] قال أبو عمر :

ذكره أبو جعفر العقيلي في التاريخ الكبير ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الحميدي عن ابن عيينة عن حمزة بن المغيرة عن سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث مالك ومعناه :

أخبرناه عبد الله بن محمد بن يوسف إجازة ، قال : أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني إجازة ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

قال العقيلي : وحدثنا محمد بن إدريس قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : أخبرنا حمزة بن المغيرة المخزومي مولى آل جعدة بن هبيرة ، وكان من سراة الموالي .

[ ص: 45 ] قال أبو عمر :

الوثن : الصنم ، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال ، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنما كان أو غير صنم ، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام ، وتعبدها فخشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ، ويسجد نحوه ، ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه ، وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم ، واتخذوها قبلة ، ومسجدا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ، ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرهم بما في ذلك من سخط الله ، وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب مخالفة أهل الكتاب ، وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتباعهم ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - على جهة التعيير ، والتوبيخ : لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه .

[ ص: 46 ] وقد احتج بعض من لا يرى الصلاة في المقبرة بهذا الحديث ، ولا حجة له فيه .

أخبرنا عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : أخبرنا عيسى بن مسكين قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا ابن نمير قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تذاكرن عنده في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قال : أخبرنا أحمد بن عمرو بن منصور قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا شيبان عن هلال بن حميد عن عروة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، قالت : ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي عليه أن يتخذ مسجدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية