التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1770 [ ص: 50 ] حديث حاد وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه أخبره قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس ، واللحية فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( بيده ) أن اخرج - كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ، ولحيته - ففعل الرجل ، ثم رجع ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان .


قوله : في هذا الحديث : ثائر الرأس يعني أن شعره مرتفع غير مرجل ، وأصل الكلمة في اللغة الظهور ، والخبال ، ومنه أخذ الثائر ، والثورة .

ولا خلاف عن مالك أن هذا الحديث مرسل ، وقد يتصل معناه من حديث جابر ، وغيره .

وفيه إباحة اتخاذ الشعر ، والوفرات ، والجمم ; لأنه لم يأمره بحلقه ، وفيه الحض على ترجيل شعر الرأس ، واللحية ، وكراهية إهمال ذلك ، والغفلة عنه حتى يتشعث ، ويسمج .

[ ص: 51 ] وهذا - عندي - أصل في إباحة التزين ، والتنظف كله ما لم يتشبه الرجل في ذلك بالنساء ; وإنما استثنيت ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال . وهذا على العموم إلا أن يخصه عنه شيء - صلى الله عليه وسلم - فالتزين ، والتنظف مباح بهذا الحديث ، وغيره ، ما لم يكن إسرافا ، وتنعما ، وتشبها بالجبارين يدلك على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : البذاذة من الإيمان وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الترجل إلا غبا من حديث البصريين ، ومعناه ، - والله أعلم - على ما ذكرت .

وأما قوله : في الحديث : كأنه شيطان ، فهو محمول على المعروف من كلام العرب ; لأنها كانت تشبه ما استقبحت بالشيطان ، وإن كان لا يرى لما أوقع الله في نفوسهم من كراهية [ ص: 52 ] طلعته ، ومن هذا المعنى قوله : - عز وجل - في شجرة الزقوم طلعها كأنه رءوس الشياطين .

وأما الحديث المتصل في معنى هذا الحديث ، فحدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، وحدثنا قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قالا جميعا : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا بحر بن نصر قال : أخبرنا بشر بن بكر قال : حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به رأسه ؟ ورأى رجلا عليه ثيابا وسخة فقال : أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه ؟ .

وحدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثنا حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن [ ص: 53 ] المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرا في رحالنا ، فذكره إلى آخره سواء .

وذكره البزار قال : حدثنا أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد وصالح بن معاذ قالا : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا مثله .

وروي هذا الحديث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر ، وذلك خطأ ، والصواب ما ذكرنا ، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن المنكدر ، - والله أعلم - .

أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن هشام بن حسان عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا .

[ ص: 54 ] ومن حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهاهم عن كثير من الرفاهية ، ويأمرهم بالاحتفاء أحيانا .

وروى ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان له شعر فليكرمه .

وهذا المعنى في حديث الحجازيين كثير ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية