التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1783 [ ص: 55 ] حديث ثان وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .


هكذا روى هذا الحديث جميع الرواة عن مالك فيما علمت مرسلا .

وفيه أنه لا نبي بعده - صلى الله عليه وسلم - ، وهو تفسير قوله - عليه السلام - لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله ، وهو حديث يروى من حديث المغيرة بن شعبة . فإن صح كان معنى الاستثناء فيه الرؤيا الصالحة على ما في هذا الحديث ، وما كان مثله ، وحسبك بقول الله - عز وجل - : ولكن رسول الله وخاتم النبيين ، وقوله - عليه السلام - : أنا العاقب الذي لا نبي بعدي .

[ ص: 56 ] وحديث عطاء بن يسار المذكور في هذا الباب يتصل معناه من وجوه ثابتة من حديث ابن عباس وحذيفة وابن عمر ، وعائشة ، وأم كرز الخزاعية :

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال : حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال : حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة في مرضه ، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، ثم قال : ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا فأما [ ص: 57 ] الركوع ، فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .

هكذا رواه الحميدي وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عيينة سواء .

وفي حديث مالك يراها الرجل الصالح أو ترى له فظاهره أن لا تكون الرؤيا من النبوة جزءا من ستة وأربعين إلا على ذلك الشرط للرجل الصالح أو منه .

وفي حديث ابن عباس يراها المسلم ، ولم يقل صالحا ، ولا طالحا ، وفي بعض ألفاظه يراها العبد ، وهذا أوسع - أيضا - .

وقوله في حديث مالك : " أو ترى له " ، عمومه من الصالح ، وغيره . - والله أعلم - .

وقد تقدم القول في الرؤيا في باب إسحاق بن أبي طلحة من كتابنا هذا فأغنى ، عن إعادته ههنا .

حدثني سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الترمذي محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه ، عن سباع بن ثابت عن أم كرز الكعبية ، قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ذهبت النبوة ، وبقيت المبشرات .

[ ص: 58 ] قال أبو عمر :

أحاديث هذا الباب كلها صحاح ثابتة في معنى حديث مالك ، وقد روى عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأويل قول الله - عز وجل - لهم البشرى في الحياة الدنيا حديثا يدخل في معنى هذا الباب قرأته على أبي عثمان سعيد بن نصر وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عمرو - يعني ابن دينار - ، عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن قول الله - عز وجل - الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها غيرك إلا رجل واحد ، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال : ما سألني عنها أحد منذ نزلت غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .

قال سفيان : ثم لقيت عبد [ ص: 59 ] العزيز بن رفيع فحدثنيه عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال سفيان : ثم لقيت محمد بن المنكدر فحدثنيه عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

هذا حديث حسن في التفسير المرفوع صحيح من نقل أهل المدينة .

وقد رواه الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء ، فذكره سواء .

هكذا رواه أبو معاوية وعلي بن مسهر ووكيع بن الجراح عن الأعمش ، وروي من حديث جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وطلحة بن عبيد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث أبي الدرداء هذا ، وعلى ذلك أكثر أهل التفسير في معنى هذه الآية ، وهو أولى ما اعتقده العالم في تأويل قول الله - عز وجل - : " لهم البشرى في الحياة الدنيا " .

وروي عن الحسن والزهري وقتادة أنها البشارة عند الموت ، ولا خلاف بينهم أن قوله في الآخرة : الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية