التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1056 [ ص: 136 ] حديث ثامن وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا من الأنصار من بني حارثة كان يرعى لقحة بأحد فأصابها الموت فذكاها بشظاظ فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : ليس بها بأس فكلوها .


هكذا رواه جماعة رواة الموطإ مرسلا ، ومعناه متصل من وجوه ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أعلم أحدا أسنده عن زيد بن أسلم إلا جرير بن حازم عن أيوب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري .

[ ص: 137 ] ذكره البزار قال : حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا جرير بن حازم عن أيوب ، وذكره أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا جرير بن حازم قال : حدثنا أيوب عن زيد بن أسلم فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبل أحد فنحرها بوتد ، فقلت لزيد : وتد من حديد ، أو خشب ؟ قال : لا بل من خشب ، وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فأمره بأكلها .

[ ص: 138 ] قال أبو عمر :

واللقحة الناقة ذات اللبن ، وقد تقدم تفسير ذلك فيما سلف من كتابنا هذا ، والشظاظ العود الحديد الطرف ، كذا قال أهل اللغة ، وقال يعقوب بن جعفر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار في هذا الحديث : فأخذها الموت فلم يجد شيئا ينحرها به فأخذ وتدا فوجأ به في لبتها حتى أهراق دمها ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك فأمره بأكلها . فعلى هذا الحديث الشظاظ الوتد ، ( وذلك كله معنى متقارب ) ، وقال ابن حبيب : الشظاظ هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت (

بحال العروتين من الشظاظ

) .

قال أبو عمر : وقال عنترة :


إذا ضربوها ساعة بدمائها     وحل عن الكوماء عقد شظاظها



[ ص: 139 ] قال الخليل : الظررة ، والظرر : حجر له حد ، قال والشظاظ خشبة عقفاء محدودة الطرف ، والليط قشر القصب ، والتذكية بالشظاظ إنما تكون فيما ينحر لا فيما يذبح ، والناقة الشأن فيها النحر ، وهو ذكاتها ، والشظاظ لا يمكن به الذبح ; لأنه كطرف السنان ، وقد يمكن الذبح بفلقة العود ; لأن لها جانبا رقيقا ، وذلك يسمى الشطير ، وفلقة الحجر الرقيقة التي يمكن الذكاة بها تسمى الظرر ، وهذان يذبح بهما ، ولا يمكن النحر بهما .

وأما القصبة فيمكن بها الذبح والنحر ، وفلقة القصبة تسمى الليطة ، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : ما ذبح بالليطة ، والشطير ، والظرر فحل ذكي .

قال أبو عمر :

وفي هذا الحديث إباحة تذكية ما نزل به الموت من الحيوان المباح أكله كانت البهيمة في حال ترجى حياتها ، أو لا ترجى إذا كانت حية في وقت الذكاة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل مذكيها عن حالها ، ولم ينكر عليه بل قال : ليس بها بأس فكلوها ، وقد قيل له أصابها الموت فعلى ظاهر هذا الحديث إذا سلم موضع الذكاة من الآفة ، وكانت الحياة موجودة في المذكى جاز تذكيته .

[ ص: 140 ] أخبرني خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا المفضل بن محمد قال : حدثنا علي بن زياد قال : حدثنا أبو قرة قال : سألت مالكا عن المتردية ، والمفروسة تدرك ذكاتها وهي تتحرك ؟ قال : لا بأس إذا لم يكن قطع رأسها أو نثر بطنها قال : وسمعت مالكا يقول : إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل .

واختلف العلماء في قول الله - عز وجل - : والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم فقال قوم : هذا الاستثناء راجع على كل ما أدرك ذكاته مما ينخنق ، ويوقذ ، ويتردى ، وينطح ، وأكيلة السبع فمتى أدرك شيئا من هذه المذكورات وفيه حياة كانت الذكاة عاملة فيه ; لأن حق الاستثناء أن يكون مصروفا إلى ما تقدم من الكلام ، ولا يجعل منقطعا إلا بدليل يجب التسليم له .

وممن روي عنه هذا المعنى علي بن أبي طالب وأبو هريرة وابن عباس ، وجماعة من التابعين ، ومن فقهاء المسلمين روى ابن عيينة وشريك وجرير عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال : سألت ابن عباس عن ذئب عدا على [ ص: 141 ] شاة فشق بطنها حتى انتثر قصبها ، فأدركت ذكاتها ، فذكيتها ، فقال : كل ، وما انتثر من قصبها فلا تأكل ، وروى حماد بن سلمة عن قتادة وحميد عن الحسن أنه قال فيما أكل السبع : إذا كانت تطرف بعينها ، أو تركض برجلها ، أو تمصع بذنبها فذك وكل .

وذكر ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن أشعث عن الحسن في قوله : إلا ما ذكيتم ، قال الحسن : أي هذه الخمس أدركت ذكاته فكل ، فقلت : يا أبا سعيد كيف أعرف ذلك ؟ قال : إذا طرفت بعينها ، أو ضربت برجلها ، وعن قتادة والضحاك بن مزاحم مثل ذلك ، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ، وذكره ، عن أصحاب مالك عنه ، قال ابن حبيب : إذا كانت الذبيحة تطرف فهي ذكية ، ولو طرفت بأحد أطرافها بعين ، أو رجل ، أو ذنب ، أو يد مع مجرى النفس فهي ذكية ، قال : وهكذا فسره لي أصحاب مالك عنه ، وذكر ابن عبد الحكم عن مالك نحوه .

وقال الليث بن سعد إذا كانت حية ، وقد أخرج السبع جوفها اختلفا إلا ما بان منها وهو قول ابن وهب ، والأشهر [ ص: 142 ] من مذهب الشافعي ، وقد تقدم هذا من قول ابن عباس ، وقال المزني : عن الشافعي في السبع إذا شق بطن شاة ، واستيقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها ، قال المزني : وأحفظ له قولا آخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السبع ، أو التردي إلى ما لا حياة معه ، قال المزني : وهو قول المدنيين ، قال : وهو عندي أقيس على أصل الشافعي ; لأن قوله : في صيد البر : إذا لم يبلغ منه السلاح مبلغ الذبح ، وأمكنت ذكاته فلم يذكه أنه لا يأكله . قال : وفي هذا دليل أنه لو بلغ ما يبلغ الذبح أكله ، قال المزني : ودليل آخر من قوله أيضا ، قال في كتاب الدماء : لو قطع حلقوم رجل ، ومريئه ، أو قطع حشوته فأبانها من جوفه ، أو صيره في حال المذبوح ، ثم ضرب آخر عنقه ، فالأول قاتل دون الآخر ، قال : ففي هذا من قوله دلالة على ما وصفت لك أنه أصح في القياس من قوله الآخر .

قال أبو عمر :

أكثر أصحاب الشافعي على قوله الآخر على خلاف ما اختار المزني ، واحتج منهم أبو القاسم القزويني بقول الله - تعالى - بعد ذكر المنخنقة ، وما ذكر معها إلى قوله : [ ص: 143 ] إلا ما ذكيتم قال : فمعنى الآية أكل المنخنقة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع إذا ذكي ، وفيه الحياة ، كان التردي ، وأكل السبع بلغ منها ما فيه البقاء ، أو ما لا بقاء معه إذا كان فيها من الحياة ما يعلم به أنها لم تمت ، قال : والزاعم أن المتردية ، وما أكل السبع وفيها الحياة إذا ذكيت تؤكل في حال دون حال مدع على الكتاب ما لم يأت به الكتاب .

قال أبو عمر :

وهذا أيضا مذهب أبي حنيفة في هذه الآية ، وفي كل ما تدرك ذكاته وفيه الحياة ما كانت الحياة فإنه ذكي ، ومتى ذكيت ، وأدركت قبل أن تموت أكلت عنده ، قال الطحاوي : وروي عن أبي يوسف في الإملاء : إذا بلغ بها ذلك حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل ، قال وذكر ابن سماعة عن محمد أنه قال : إذا بلغ بها ذلك حالا لا تعيش معه اليوم ، ونحوه ، والساعتين ، والثلاث ، ونحوها فذكاها حلت ، وإن كانت لا تبقى إلا بقاء المذبوح لم تؤكل وإن ذبحت ، قال واحتج محمد [ ص: 144 ] بن الحسن بأن عمر بن الخطاب كانت جراحاته متلفة ، وصحت عهوده ، وأوامره ، ولو قتله قاتل كان عليه القود ، وإلى هذا ذهب الطحاوي ، وزعم أنهم لم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المتلفة التي قد تعيش معها مدة قصيرة ، أو طويلة أنها تذكى ، وأنها لو صارت في حال النزوع ، والاضطراب للموت أنه لا ذكاة فيها فكذاك القياس ينبغي أن يكون حكم المتردية ، ونحوها ، وقال الأوزاعي : إذا كان فيها حياة فذبحت أكلت .

قال أبو عمر :

وذهب قوم من العلماء إلى أن الاستثناء في قوله : - عز وجل - إلا ما ذكيتم منقطع مما قبله ، غير عائد على شيء من المذكورات ، قالوا : وذلك مشهور من كلام العرب يجعلون إلا بمعنى لكن ، ومن ذلك قول الله - عز وجل - : " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " يريد وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتة ، ثم قال : إلا خطأ أي لكن إن قتله خطأ فالاستثناء ههنا ليس من الأول ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه والفراء كلهم يجعلون إلا ( ههنا ) بمعنى لكن ، وأنشد بعضهم لأبي خراش :

[ ص: 145 ]

أمسى سقام خلاء لا أنيس به     إلا السباع ومر الريح بالغرف



أراد إلا أن يكون به السباع ، أو لكن به السباع ، وطرد الريح ، وسقام ، واد لهذيل .

ومثل هذا أيضا قول الشاعر :


وبلدة ليس بها أنيس     إلا اليعافير وإلا العيس



أراد : لكن بها اليعافير ، وبها العيس ، وليس بها أنيس مع هذا .

وقال متمم بن نويرة :


وبعض الرجال نخلة لا جنى لها ،     ولا ظل إلا أن تعد من النخل



يريد لكن تعد من النخل .

وقد يكون قوله : لا أنيس به إلا السباع ، وليس بها أنيس ، ولا اليعافير ، ولا السباع فتكون إلا بمعنى الواو كما قيل في قول الله - عز وجل - لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي ، ولا الذين ظلموا .

وكما قال الشاعر :


ما بالمدينة دار غير واحدة     دار الخليفة إلا دار مروان



[ ص: 146 ] أي إلا دار الخليفة ، ودار مروان هذا كله قد قيل كما وصفنا في معنى ما ذكرنا ، وحقيقة " إلا " أن تحمل على صريح الاستثناء إما متصلا ردا للأول على الآخر مخرجا له من جملته ; وإما منقطعا قد فصل الأول من الآخر كما قال النابغة :


وما بالربع من أحد     إلا الأ واري لأيا ما أبينها



ومن هذا الباب - أيضا - وهو كثير جدا ، ومن أبدعه قول جرير :


من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ     على الأرض إلا ذيل برد مرجل



فكأنه ، قال : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد ، والترجيل ، وشي في حاشية البرد .

وقد قيل في معنى قوله : - عز وجل - إلا الذين ظلموا منهم أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحاجونكم ، وقيل : إلا على الذين ظلموا فعلى هذا يكون معنى الآية أن الله - عز وجل - حرم الميتة والدم ، ولحم الخنزير ، والميتة ههنا التي تموت حتف أنفها ، وحرم التي تموت منخنقة ، [ ص: 147 ] وموقوذة ، ومتردية ، ومنطوحة ، وأكيلة السبع ، فعم بهذا أجناس الميتة التي كانوا يأكلون ، وأحل لهم ما ذكوا من بهيمة الأنعام فكأنه قال بعد أن ذكر ما حرم من الميتات ، ولحم الخنزير : لكن ما ذكيتم وذبحتم من بهيمة الأنعام فحل لكم . هذا معنى قوله عندهم ، وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وجماعة المالكيين البغداديين ، وهو أحد قولي الشافعي ، ويروى نحو هذا المذهب عن زيد بن ثابت ذكره مالك في موطئه ، وذكر حماد بن سلمة عن يوسف بن سعد عن يزيد مولى عقيل بن أبي طالب قال : كانت لي عناق كريمة فكرهت أن أذبحها فلم ألبث أن تردت ، فأمررت الشفرة على أوداجها فركضت برجلها ، فسألت زيد بن ثابت فقال : إن الميت ليتحرك بعد موته فلا تأكلها .

قال أبو عمر :

يزيد مولى عقيل هذا ، هو أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، وهذا الخبر قد رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن [ ص: 148 ] أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب بمعنى واحد ، وألفاظ مختلفة ، ولا أعلم أحدا من الصحابة روى عنه مثل قول زيد بن ثابت هذا ، - والله أعلم - .

وقد خالفه أبو هريرة وابن عباس ، وعلى قولهما أكثر الناس ، وقال محمد بن مسلمة : إذا قطع السبع حلقوم الشاة ، أو قسم صلبها ، أو شق بطنها فأخرج معاها ، أو قطع عنقها لم تذك ، وفي سائر ذلك كله تذكى إذا كان فيها حياة ، وقال غيره من أصحابنا : تذكى التي شق بطنها ، نحو قول ابن حبيب ، واختلف أصحاب داود في هذا الاستثناء أيضا على قولين ، فذهب منهم قوم أنه منقطع كما وصفنا ، وذهب منهم آخرون إلى أن الاستثناء متصل بما قبله عائد عليه مخرج لجملة ما ذكي من المذكورات إذا كانت فيه حياة من جملة المحرمات في الآية ، وما ذهب إليه إسماعيل في ذكر المتردية ، وما ذكر معها يروى عن قتادة ، وعن الضحاك بن مزاحم إلا أنهما قالا بتذكية ما أدركت فيه حياة من ذلك : روى سعيد بن أبي عروبة ومعمر عن قتادة في قول الله - عز وجل - : حرمت عليكم الميتة الآية ، قال : كان أهل [ ص: 149 ] الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها ، والموقوذة كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها ، والمتردية كانت تتردى في البئر فتموت فيأكلونها ، والنطيحة كبشان يتناطحان فيموت أحدهما فيأكلونه ، وما أكل السبع كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئا من هذا ، أو أكل منه أكلوا ما بقي فقال الله - تعالى - : إلا ما ذكيتم ، فكل ما ذكر الله ههنا ما خلا الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف ، أو ذنبا يتحرك ، أو قائمة تركض فذكيته فقد أحل الله لك ذلك ، وعن الضحاك بن مزاحم مثل قول قتادة هذا كله سواء .

قال الضحاك : فإن لم تطرف له عين ، ولم تتحرك له قائمة ، ولا ذنب فهي ميتة ، وروى الشعبي عن الحارث عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وهي تحرك يدا ، أو رجلا فكلها ، وهو قول الشعبي وإبراهيم وعطاء وطاوس ، ولم يصرح إسماعيل برد هذا ، ونكب عنه .

[ ص: 150 ] قال أبو عمر :

قول علي وابن عباس وأبي هريرة ، والتابعين الذين ذكرنا قولهم ، ومن تابعهم من فقهاء الأمصار أولى ما قيل به في هذا الباب ، وهو ظاهر الكتاب ( وفي المستخرجة لمالك وابن القاسم أن ما فيه الحياة ، وإن كان لا يعيش ، ولا يرجى له بالعيش يذكى ، ويؤكل .

أخبرنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد قالا : حدثنا الحسن بن سلمة قال : حدثنا ابن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : سمعت إسحاق بن راهويه قال : وأما الشاة يعدو عليها الذئب ، ويخرج المصارين حتى يعلم أنه لا يعيش مثلها فإن السنة في ذلك ما وصف ابن عباس ; لأنه وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد ، وموضع الذكاة منها سالم ; وإنما ينظر عند الذبح أحية هي أم ميتة ، ولا ينظر إلى هل يعيش مثلها ، وكذلك المريضة التي لا يشك أنه مرض موت جائز ذكاتها إذا أدركت فيها حياة ، وما دام الروح فيها فله أن يذكيها ، قال إسحاق : ومن قال خلاف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصحابة ، وعامة العلماء .

قال أبو عمر :

يعضد ذلك حديث زيد بن أسلم المذكور فيه : فأصابها الموت ، وبالله التوفيق .

[ ص: 151 ] وهو حديث حسن أخرجه أبو داود ، وغيره .

وفيه أيضا من الفقه أن كل ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج فهو من آلات الذكاة ، وجائز أن يذكى به ما خلا السن ، والعظم ، وعلى هذا تواترت الآثار ، وقال به فقهاء الأمصار على ما نبينه - إن شاء الله تعالى - : أخبرني سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صيفي قال : ذبحت أرنبين بمروة فأتيت بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني بأكلهما . كذا قال أبو الأحوص : وقال حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زياد عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد [ ص: 152 ] اصطدت أرنبين فذبحتهما بمروة ، وذكر الحديث .

وقال حماد بن سلمة - أيضا - عن داود عن الشعبي عن صفوان بن محمد ، ولم يشك .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : أخبرنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله ، أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا ، وليس معه سكين أيذبح بالمروة ، وشق العصا فقال : أنزل الدم بما شئت ، واذكر اسم الله ، والمروة فلقة الحجرة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا أبو الأحوص قال : حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه ، عن جده [ ص: 153 ] رافع بن خديج قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إنا نلقى العدو غدا ، وليس معنا مدى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سن ، أو ظفر ، وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة ، وذكر الحديث . فإذا جازت التذكية بغير الحديد جازت بكل شيء إلا أن يجتمع على شيء فيكون مخصوصا ، وعلى هذا مذهب مالك ، وأصحابه وأبي حنيفة ، وأصحابه والشافعي ، وأصحابه ، والسن ، والظفر المنهي عن التذكية بهما عندهم ( هما ) غير المنزوعين ; لأن ذلك يصير خنقا ، وكذلك ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ذلك الخنق فأما السن ، والظفر المنزوعان إذا فريا الأوداج فجائز الذكاة بهما عندهم ، وقد كره قوم السن ، والظفر ، والعظم على كل حال منزوعة ، وغير منزوعة منهم إبراهيم والحسن بن حي والليث بن سعد وروي ذلك - أيضا - عن الشافعي ، وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج المذكور في هذا الباب ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية