التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
26 [ ص: 203 ] حديث ثالث وأربعون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك ، عن زيد بن أسلم أنه قال : عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بطريق مكة ، ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة فرقد بلال ، ورقدوا حتى استيقظوا ، وقد طلعت عليهم الشمس فاستيقظ القوم ، وقد فزعوا فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي ، وقال : إن هذا واد به شيطان فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي ، ثم أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزلوا ، وأن يتوضئوا ، وأمر بلالا أن ينادي بالصلاة ، أو يقيم فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس ، ثم انصرف إليهم ، وقد رأى من فزعهم فقال : يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء لردها إلينا في هذا ، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة ، أو نسيها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ، ثم التفت رسول الله - صلى [ ص: 204 ] الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فقال : إن الشيطان أتى بلالا ، وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي ( حتى نام ) ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا ، فأخبر بلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الذي أخبر رسول الله أبا بكر فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله .


هكذا هذا الحديث في الموطآت لم يسنده عن زيد أحد من رواة الموطأ ، وقد جاء معناه متصلا مسندا من وجوه صحاح ثابتة في نومه - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح في سفره ، روى ذلك جماعة من الصحابة ، وأظنها قصة لم تعرض له إلا مرة واحدة فيما تدل عليه الآثار ، - والله أعلم - .

إلا أن بعضها فيه مرجعه من خيبر ، كذا قال ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب في حديثه هذا ، وهو أقوى ما يروى في [ ص: 205 ] ذلك ، وهو الصحيح - إن شاء الله - . وقول زيد بن أسلم حديثه هذا بطريق مكة ليس بمخالف ; لأن طريق خيبر ، وطريق مكة من المدينة يشبه أن يكون واحدا ، وربما جعلته القوافل واحدا ، وحديث زيد بن أسلم هذا مرسل ، وليس مما يعارض حديث ابن شهاب ، وفي حديث ابن مسعود ( من يوقظنا فقلت : أنا أوقظكم ) ، وليس في ذلك دليل على أنها غير قصة بلال ; لأنه لم يقل له أيقظنا ، ويحتمل أن لا يجيبه إلى ذلك ، ويأمر بلالا ، وقال ابن مسعود : في هذا الحديث [ ص: 206 ] زمن الحديبية ، وهو زمن واحد في عام واحد ; لأنه منصرفه من الحديبية مضى إلى خيبر من عامه ذلك ففتحها الله عليه ، وفي الحديبية نزلت وعدكم الله مغانم كثيرة يعني خيبر ، وكذلك قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الحديبية .

وروى خالد بن سمير ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة في هذا الحديث أنه كان في جيش الأمراء ، وهذا وهم عند الجميع ; لأن جيش الأمراء كان في غزاة مؤتة ، وكانت سرية لم يشهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان الأمير عليها زيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ، ثم عبد الله بن رواحة ، وفيها قتلوا - رحمهم الله - .

وقد روى هذا الحديث ثابت البناني ، وسليمان التيمي ، عن عبد الله بن رباح على غير ما رواه خالد بن سمير ، وما قالوه فهو عند العلماء الصواب دون ما قاله خالد بن سمير ، وقد قال عطاء بن يسار : أنها كانت غزوة تبوك ، وهذا لا يصح ، والآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة .

[ ص: 207 ] وقوله مرسل ذكره عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني سعد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار أنها غزوة تبوك ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا فأذن في مضجعه ذلك بالأولى ، ثم مشوا قليلا ، ثم أقام فصلوا الصبح ، وسنذكر في هذا الباب جميع هذه الآثار - إن شاء الله - .

ونومه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أمر خارج - والله أعلم - عن عادته ، وطباعه ، وطباع الأنبياء قبله ، وأظن الأنبياء مخصوصين بأن تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم على ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - ; وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة ، - والله أعلم - وليعلم المؤمنون كيف حكم من نام [ ص: 208 ] عن الصلاة ، أو نسيها حتى يخرج وقتها ، وهو من باب قوله : - عليه السلام - إني ; لأنسى ، أو أنسى لأسن ، والذي كانت عليه جبلته ، وعادته - صلى الله عليه وسلم - أن لا يخامر النوم قلبه ، ولا يخالط نفسه ; وإنما كانت تنام عينه ، وقد ثبت عنه أنه قال : إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي ، وهذا على العموم ; لأنه جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ، ولا تنام قلوبنا ، ولا يجوز أن يكون مخصوصا بذلك ; لأنها خصلة لم يعدها في الست التي أوتيها ، ولم يؤتها أحد قبله من الأنبياء فلما أراد الله منه ما أراد ليبين لأمته - صلى الله عليه وسلم - قبض روحه ، وروح من معه في نومهم ذلك ، وصرفها إليهم بعد طلوع الشمس ليبين لهم مراده على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى هذا التأويل جماعة أهل الفقه ، والأثر ، وهو [ ص: 209 ] واضح ، والمخالف فيه مبتدع ، وللكلام عليه موضع غير هذا ، وبالله - تعالى - التوفيق .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي ، وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قالا جميعا : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة أم المؤمنين كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ، فذكر الحديث ، وفيه قالت عائشة فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : يا عائشة إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي .

وأما قوله : في هذا الحديث عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا خلاف علمته بين أهل اللغة أن التعريس نزول المسافرين في آخر الليل ، ولا يقال لمن نزل أول الليل عرس .

وأما قوله : يهدئه كما يهدأ الصبي فمعناه يسكنه ، ويعلله حتى [ ص: 210 ] نام ; وروى أهل الحديث هذه اللفظة بترك الهمز ، وأصلها الهمز عند أهل اللغة ، قال إبراهيم بن هرمة :

خود تعاطيك بعد رقدتها إذا تلاقي العيون مهدؤها



ومنه الحديث إياكم ، والسمر بعد هدأة الرجل ، وفي فزع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انتبهوا لما فاتهم من صلاتهم أوضح الدلائل على ما كان القوم عليه من الوجل ، والإشفاق ، والخوف لربهم ، وأظنهم ، - والله أعلم - لم يكونوا علموا أن القلم مرفوع عن النائم ، وأن الإثم عنه ساقط ; لأنهم بعث إليهم ، وهم لا يعلمون شيئا فعرفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الإثم عن النائم ، والناسي ساقط ، وأن الصلاة غير ساقطة ، وأنه يلزمه فعلها متى ما انتبه ، وذكرها ، وقد ظن بعض الناس أن فزعهم كان لخوف عدوهم ، وليس في شيء من الآثار ما يدل على ذلك ، ولا يعرف أهل السير أن منصرفه من خيبر ، أو من الحديبية كان انصراف خائف .

وفي هذا الحديث لمن تدبره ما يبين به تأويلنا ; لأن فيه : ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم [ ص: 211 ] وقد رأى من فزعهم فقال : يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا الحديث ، فآنسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبرهم أن من نام عن الصلاة ، أو نسيها قضاها إذا انتبه ، أو ذكر ، وقال لهم عند ذلك في حديث أبي قتادة : ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة لمن لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ، وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كسفت الشمس إلى الصلاة فزعا يجر ثوبه رواه أبو بكرة ، وغيره . وذلك خوف لربه ، وشفقة من قيام الساعة .

وأما خروجه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الوادي ، وتركه الصلاة فيه فاختلف العلماء في ذلك فذهب أكثر أهل الحجاز ، وجماعة من أهل العراق إلى أن العلة فيه ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : إن هذا واد به شيطان ألا ترى إلى قوله : - عليه السلام - إن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي ، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالركوب ، والإسراع ، والخروج من ذلك الوادي ; لأنه واد به شيطان ، تشاؤما بذلك الوادي ، أو لما شاء الله [ ص: 212 ] مما هو أعلم به . وقد روي أنه قال في هذا الحديث : اخرجوا عن هذا الموضع الذي أصابتكم فيه الغفلة ذكره معمر ، عن الزهري في حديثه .

ويحتمل أن يكون من باب نهيه عن الصلاة في معاطن الإبل ، وقوله " إنها خلقت من جن ، - والله أعلم - .

ومن هذا قول علي نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة ، ومن هذا الباب أيضا كراهيتهم للصلاة في موضع الخسف لقوله - صلى الله عليه وسلم - حين مر بالحجر من ثمود لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم . وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أتى وادي ثمود أمر الناس فأسرعوا ، وقال : هذا واد ملعون ، وروي عنه أنه أمر بالعجين فطرح فهذا كله باب واحد لا تدرى علته حقيقة فوجب أن يكون خصوصا مردودا إلى الأصول المجتمع عليها والدلائل الصحيح مجيئها ، وبالله - تعالى - التوفيق .

[ ص: 213 ] وقال أبو حنيفة وأصحابه : العلة في خروجه من ذلك الوادي أنه انتبه ، والشمس طالعة ، وذلك وقت من سنته أن لا تجوز الصلاة فيه لا نافلة ولا فريضة عندهم لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وذلك عندهم على الفرض والنفل على حسب نهيه ، عن صيام يوم الفطر والأضحى ، فلا يجوز لأحد أن يصوم فيه فرضا ولا نفلا ، واحتجوا بأشياء يطول ذكرها منها حديث مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، قالوا : وهذا على الفريضة وغيرها ، وقد ذكرنا قولهم هذا ، وذكرنا الحجة عليهم فيما ذهبوا إليه من ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا .

وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم ينتبه ذلك اليوم إلا والشمس لها حرارة ، ولا يكون للشمس حرارة إلا وقد ارتفعت ، وجازت الصلاة عند الجميع فبطل تأويلهم [ ص: 214 ] هذا - إن شاء الله - . وسنذكر هذا الخبر ، وغيره من شكله في هذا الباب بعون الله ، وتأولوا في قوله - صلى الله عليه وسلم - : من نام عن الصلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها أن ذلك إعلام منه بأنها غير ساقطة عن النائم والناسي ، لا أنها تصلى في وقت الطلوع والغروب ، والحجة عليهم فيما ذهبوا إليه من هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومعلوم أن ظاهر هذا الحديث يبيح الصلاة المفروضة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وهذا نص يقطع الارتياب في هذا الباب ، وقد تقدم من قولنا فيه ما يغني عن إعادته ههنا ، وجاء عن عطاء بن أبي رباح أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في موضعه ذلك ركعتي الفجر ، ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو في بعض [ ص: 215 ] أسفاره فساروا ليلتهم حتى إذا كانوا في آخر الليل نزلوا للتعريس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من يوقظنا للصبح فقال بلال : أنا ، فتوسد بلال ذراعه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ ، وركع ركعتين في معرسه ، ثم سار ساعة ، ثم صلى الصبح . قال ابن جريج : فقلت لعطاء : أي سفر هو ؟ قال : لا أدري .

قال أبو عمر :

في قول عطاء هذا ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤخر صلاة الصبح يومئذ ، ولم يخرج من ذلك الوادي لما زعم العراقيون من أنه انتبه في وقت لا تجوز فيه الصلاة ، ألا ترى أنه صلى ركعتي الفجر ، ثم مشى ساعة ، ولا خلاف أن الوقت الذي تجوز فيه النافلة فالفريضة أحرى أن تجوز فيه ، واختلف القائلون بالقول الأول فقال منهم قائلون : من نام عن الصلاة في سفره ، ثم انتبه لزمه الزوال عن ذلك الموضع ، وإن كان واديا خرج عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الشيطان أتى بلالا ، وقوله : اركبوا ، واخرجوا [ ص: 216 ] من هذا الوادي فإنه واد به شيطان ، قالوا : فكل موضع يصيب المسافرين أو غيرهم فيه مثل ما أصاب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه - عليه السلام - في ذلك الموضع من النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها فواجب الخروج عنه ، وإقامة الصلاة في غيره ; لأنه موضع شيطان ، وموضع ملعون ، ونزعوا بنحو ما قدمنا ذكره من العلل ، وقال منهم آخرون : أما ذلك الوادي وحده إن علم وعرض فيه مثل ذلك العارض ، فواجب الخروج منه على ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ; وأما سائر المواضع فلا ، وذلك الموضع وحده مخصوص بذلك ; لأن الله - عز وجل - يقول وأقم الصلاة لذكري وقال - صلى الله عليه وسلم - : من نام عن صلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، وهذا على عمومه لم يخص موضعا من موضع إلا ما جاء في ذلك الوادي خاصة .

وقال آخرون : كل من انتبه إلى صلاة من نوم ، أو ذكر بعد نسيان فواجب عليه أن يقيم صلاته بأعجل ما يمكنه ، ويصليها كما أمر في كل موضع ، واديا كان ، أو غير واد إذا كان الموضع طاهرا ، وسواء ذلك [ ص: 217 ] الوادي وغيره ; لأن ذلك كان خصوصا له - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يعلم من حضور الشيطان في الموضع ما لا يعلم غيره . وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، ولم يخص ذلك الوادي من غيره :

حدثنا الحسين بن يعقوب ، قال : حدثنا سعيد بن فحلون ، قال : حدثنا يوسف بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الملك بن حبيب ، قال : سمعت مطرفا ، وابن الماجشون يقولان : لا يلزم الناس أن يقتادوا شيئا إذا استيقظوا في أسفارهم ، وقد طلعت الشمس ; لأنهم لا يعلمون من ذلك ما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالا : ومن ابتلي بمثل ذلك في ذلك الوادي ، أو غيره صلى فيه ، ولم يخرج منه .

قال أبو عمر :

القول المختار عندنا في هذا الباب أن ذلك الوادي ، وغيره من بقاع الأرض جائز أن يصلى فيها كلها ، ما لم تكن فيها نجاسة متيقنة تمنع من ذلك ، ولا معنى لاعتلال من اعتل بأن موضع النوم عن الصلاة موضع شيطان ، وموضع ملعون [ ص: 218 ] لا يجوز أن تقام فيه الصلاة ; لأنا لا نعرف الموضع الذي ينفك عن الشياطين ، ولا الموضع الذي تحضره الشياطين ، وكل ما روي في هذا المعنى من النهي عن الصلاة في المقبرة ، وبأرض بابل ، وفي الحمام ، وفي أعطان الإبل ، والخروج من ذلك الوادي ، وغير ذلك مما في هذا المعنى مما قد تقدم ذكرنا له ، كل ذلك عندنا منسوخ ، ومدفوع بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : جعلت لي الأرض كلها مسجدا ، وطهورا ، وقوله هذا - صلى الله عليه وسلم - مخبرا أن ذلك من فضائله ، ومما خص به ، وفضائله عند أهل العلم لا يجوز عليها النسخ ، ولا التبديل ، ولا النقص ، قال - صلى الله عليه وسلم - : أوتيت خمسا ، وقد روي ست ، وقد روي ثلاث ، وأربع ، وهي تنتهي إلى أزيد من سبع ، قال فيهن : لم يؤتهن أحد قبلي ، بعثت إلى الأحمر والأسود ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت أمتي خير الأمم ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي [ ص: 219 ] الأرض كلها مسجدا ، وطهورا ، وأوتيت الشفاعة ، وبعثت بجوامع الكلم ، وبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح كنوز الأرض فوضعت بين يدي ، وأعطيت الكوثر ، وهو خير كثير ، وعدنيه ربي ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، وختم بي النبيون .

وهذه المعاني رواها جماعة من الصحابة ، وبعضهم يذكر بعضها ، ويذكر بعضهم ما لم يذكر الآخرون ، وهي صحاح كلها ، وإن لم تجتمع بإسناد واحد فهي في أسانيد صحيحة ثابتة ، وجائز على فضائله الزيادة ، وغير جائز فيها النقصان ، ألا ترى أنه كان عبدا قبل أن يكون نبيا ، ثم كان نبيا قبل أن يكون رسولا ، وكذلك روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : كنت عبدا قبل أن أكون نبيا ، ونبيا قبل أن أكون رسولا ، وقال : ما أدري ما يفعل بي ، ولا بكم ، ثم نزلت ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .

[ ص: 220 ] وسمع رجلا يقول له : يا خير البرية فقال : ذلك إبراهيم ، وقال : لا يقولن أحدكم أني خير من يونس بن متى ، وقال : السيد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، ثم قال بعد ذلك كله : أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر .

ففضائله - صلى الله عليه وسلم - لم تزل تزداد إلى أن قبضه الله ، فمن ههنا قلنا : أنه لا يجوز عليها النسخ ، ولا الاستثناء ، ولا النقصان ، وجائز فيها الزيادة ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا أجزنا الصلاة في المقبرة ، وفي الحمام ، وفي كل موضع من الأرض إذا كان طاهرا من الأنجاس ; لأنه عموم فضيلة لا يجوز عليها الخصوص ، ولو صح عنه - عليه السلام - أنه قال : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام فكيف ، وفي إسناد هذا [ ص: 221 ] الخبر من الضعف ما يمنع الاحتجاج به فلو صح لكان معناه أن يكون متقدما لقوله جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، ويكون هذا القول متأخرا عنه فيكون زيادة فيما فضله الله به - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فضلنا على الناس بثلاث ، جعلت الأرض كلها لنا مسجدا ، وجعلت تربتها طهورا - وذكر الحديث .

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد - قراءة عليه ، وأنا أسمع - أن سعيد بن عثمان حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا سيار - هو أبو الحكم - ، قال : حدثنا يزيد الفقير ، قال : حدثنا جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي [ ص: 222 ] نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .

قال : وحدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سليمان التيمي ، عن سيار ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فضلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وذكر الحديث .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي سمع أباه سمع أبا ذر ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حيثما أدركتك [ ص: 223 ] الصلاة فصل فإن الأرض كلها مسجد مختصرا .

وعن الأعمش - أيضا - عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا في تعديد فضائله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة من حديث علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة ، وأبي موسى ، وحذيفة ، وهي آثار كلها صحاح ثابتة كرهت ذكرها بأسانيدها خشية الإطالة ، وقد ذكرها كلها ، أو أكثرها أبو بكر بن أبي شيبة في أول كتاب الفضائل من مصنفه .

وأما حديث المقبرة فرواه ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، ويحيى بن أزهر فمرة ، قال : عن عمار بن سعد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري ، عن علي بن أبي طالب ، ومرة ، قال : عن ابن لهيعة ، ويحيى بن أزهر ، عن الحجاج بن شداد ، عن أبي صالح الغفاري ، عن علي بن أبي طالب ، قال : نهاني حبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في المقبرة ، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ، وهذا إسناد ضعيف مجتمع على ضعفه ، وهو مع هذا منقطع غير متصل بعلي - رضي الله عنه - ، وعمار ، والحجاج [ ص: 224 ] ويحيى مجهولون لا يعرفون ( بغير هذا ) ، وابن لهيعة ، ويحيى بن أزهر ضعيفان لا يحتج بهما ، ولا بمثلهما ، وأبو صالح هذا هو سعيد بن عبد الرحمن الغفاري مصري ليس بمشهور - أيضا - ، ولا يصح له سماع من علي .

وفي هذا الباب ، عن علي من قوله غير مرفوع ، حديث حسن الإسناد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي ، قال : حدثني أبو العنبس حجر بن عنبس ، قال : خرجنا مع علي إلى الحرورية فلما جاوزنا سورا ، وقع بأرض بابل قلنا : يا أمير المؤمنين ، أمسيت ، الصلاة الصلاة فأبى أن يكلم أحدا ، قالوا : يا أمير المؤمنين أليس قد أمسيت ؟ قال : بلى ، ولكني لا أصلي في أرض خسف الله بها .

والمغيرة بن أبي الحر كوفي ثقة ، قاله ابن معين ، وغيره . وحجر بن عنبس من كبار أصحاب علي - رضي الله عنه - .

وفي النهي عن الصلاة في المقبرة حديث آخر - أيضا - رواه عبد الواحد بن زياد ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله [ ص: 225 ] عليه وسلم - قال : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام . وهذا الحديث رواه ابن عيينة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه مرسلا . فسقط الاحتجاج به عند من لا يرى ، والمرسل حجة ، وليس مثله مما يحتج به ، ولو ثبت كان الوجه فيه ما ذكرنا ، ولسنا نقول كما قال بعض المنتحلين لمذهب المدنيين : إن المقبرة المذكورة في هذا الحديث وغيره أريد بها مقبرة المشركين خاصة ، وهذا قول لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنة ، ولا خبر صحيح ، ولا له مدخل في القياس ، ولا في المعقول ، ولا دل عليه فحوى الخطاب ، ولا خرج عليه الخبر ، واحتج قائل هذا القول بما رواه ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن زيد بن جبيرة ، عن داود بن الحصين ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يصلى في سبع مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، ومحجة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل ، وفوق بيت الله - عز وجل - . وهذا حديث انفرد به زيد بن جبيرة [ ص: 226 ] وأنكروه عليه ، ولا يعرف هذا الحديث مسندا إلا من رواية يحيى بن أيوب ، عن زيد بن جبيرة ; وقد كتب الليث بن سعد إلى عبد الله بن نافع مولى ابن عمر يسأله عن هذا الحديث ؟ فكتب إليه عبد الله بن نافع لا أعلم من حدث بهذا عن نافع ، إلا قد قال عليه الباطل ، ذكره الحلواني عن سعيد بن أبي مريم ، عن الليث ، فصح بهذا وشبهه أن الحديث منكر لا يجوز أن يحتج عند أهل العلم بمثله . على أنه ليس فيه تخصيص مقبرة المشركين من غيرها .

وأما حديث أبي سعيد الخدري ففيه من العلة ما وصفنا ، وليس فيه إلا المقبرة والحمام بالألف واللام ، فغير جائز أن يرد ذلك إلى مقبرة دون مقبرة ، أو حمام دون حمام - بغير توقيف عليه - ، ولا يخلو تخصيص من خصص مقبرة المشركين من أحد وجهين : إما أن يكون من أجل اختلاف الكفار إليها بأقدامهم ، فلا معنى لخصوص المقبرة بالذكر ; لأن كل موضع هم فيه بأجسامهم وأقدامهم فهو كذلك ، وقد [ ص: 227 ] جل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتكلم بما لا معنى له ، أو يكون من أجل أنها بقعة سخط ، فلو كان كذلك ، ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبني مسجده في مقبرة المشركين ، وينبشها ويسويها ويبني عليها ; وقد أجاز العلماء الصلاة في الكنيسة إذا بسط فيها ثوب طاهر ، ومعلوم أن الكنيسة أقرب إلى أن تكون بقعة سخط من المقبرة ; لأنها بقعة يعصى الله ، ويكفر به فيها ، وليس كذلك المقبرة ، وقد وردت السنة بإباحة اتخاذ البيع ، والكنائس مساجد . ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا لم يكن فيها تماثيل .

ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس أنه كان يكره أن يصلي في الكنيسة إذا كان فيها تماثيل . وروى أيوب ، وعبيد الله بن عمر وغيرهما عن نافع ، عن أسلم مولى عمر أن عمر لما قدم الشام صنع له رجل من عظماء النصارى طعاما ودعاه ، فقال عمر : إنا لا ندخل كنائسكم ، ولا نصلي فيها من أجل ما فيها من الصور ، والتماثيل فلم يكره عمر ، ولا ابن عباس ذلك ، إلا من أجل ما فيها من التماثيل . وحكى عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، وعن الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي ، قالا : لا بأس بالصلاة في البيعة .

[ ص: 228 ] وأما جثث الموتى فقد اختلف فيها العلماء : فمنهم من جعلها كلها سواء ، ويتحفظ عند غسل الميت من أن يطير إليه شيء من الماء ، ومنهم من حمل قول ابن مسعود ( لا تنجسوا من موتاكم ) على أن جثث المؤمنين خاصة طاهرة ، وليس هذا موضع القول في هذه المسألة . وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا رجاء بن المرجى ، قال : حدثنا أبو همام ، قال : حدثنا سعيد بن السائب ، عن محمد بن عبد الله بن عياض ، عن عثمان بن أبي العاصي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طواغيتهم .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن علي .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا هناد بن السري ، عن ملازم بن عمرو ، قال : حدثني عبد الله بن بدر ، عن [ ص: 229 ] قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن علي ، والمعنى واحد ، وحديث هناد أتم ، قال : خرجنا وفدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا معه ، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا ، فذكر الحديث . وفيه فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم ، واتخذوها مسجدا مختصرا .

وأجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيبا طاهرا نظيفا ، جائز ، وكذلك أجمعوا على أن من صلى في كنيسة ، أو بيعة في موضع طاهر أن صلاته ماضية جائزة ، وقد كره جماعة من الفقهاء الصلاة في المقبرة سواء كانت لمسلمين ، أو مشركين للأحاديث المعلولة التي ذكرنا ; ولحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : صلوا في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا . ولحديث واثلة بن الأسقع ، عن أبي مرثد الغنوي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا [ ص: 230 ] عليها . وهذان حديثان ثابتان من جهة الإسناد ، ولا حجة فيهما ; لأنهما محتملان للتأويل ، ولا يجوز أن يمتنع من الصلاة في كل موضع طاهر إلا بدليل لا يحتمل تأويلا . وممن كره الصلاة في المقبرة الثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحابهم ، وقال الثوري : إن صلى في المقبرة لم يعد ، وقال الشافعي : إن صلى أحد في المقبرة في موضع ليس فيه نجاسة أجزأه ، ولم يفرق أحد من فقهاء المسلمين بين مقبرة المسلمين والمشركين إلا ما حكينا من خطل القول الذي لا يشتغل بمثله ، ولا وجه له في نظر ، ولا في صحيح أثر ; لأن من كره الصلاة في المقبرة كرهها في كل مقبرة على ظاهر الحديث وعمومه ، ومن أباح الصلاة فيها دفع ذلك بما ذكرنا من التأويل ، والاعتلال ، وقد بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده في مقبرة المشركين .

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا [ ص: 231 ] محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قالا جميعا : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن أبي التياح ، عن أنس بن مالك المعنى واحد ، واللفظ متقارب ، قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم : بنو عمرو بن عوف فأقام فيها أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين بسيوفهم ، قال أنس : فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته ، وأبو بكر ردفه ، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم ، وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا : والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله - عز وجل - ، قال أنس : فكان فيه ما أقول لكم ، كانت فيه قبور المشركين ، وخرب ، ونخل فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين فنبشت ، وبالنخل فقطع ، وبالخرب فسويت ، فصفوا النخل قبلة المسجد ، وجعلوا عضادتيه حجارة ، وجعلوا ينقلون الصخر ويرتجزون ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - معهم ، ويقولون :


اللهم لا خير إلا خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره

[ ص: 232 ] وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي التياح ، عن أنس بن مالك .

وذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي التياح ، عن أنس ، قال : كان موضع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائطا لبني النجار فيه خرب ونخل ، وقبور المشركين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثامنوني فيه ، فقالوا : لا نلتمس به ثمنا إلا عند الله ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنخل فقطع ، وبالخرب فسوي ، وبقبور المشركين فنبشت ، قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حيث أدركته الصلاة ، وفي مرابض الغنم . فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بنى مسجده في موضع مقبرة المشركين ، ولو جاز أن يخص من المقابر مقبرة لكانت مقبرة المشركين أولى بالخصوص ، والاستثناء من أجل هذا الحديث ، وكل من كره الصلاة في المقبرة لم يخص مقبرة ; لأن الألف واللام في المقبرة والحمام إشارة إلى الجنس لا إلى [ ص: 233 ] المعهود ، ولو كان بين مقبرة المسلمين ، والكفار فرق لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يهمله ; لأنه بعث مبينا لمراد الله من عباده ، والقوم عرب لا يعرفون من الخطاب إلا استعمال عمومه ما لم يكن الخصوص والاستثناء يصحبه ، فلو أراد مقبرة دون مقبرة لوصفها ، ونعتها ، ولم يحل على لفظ المقبرة جملة ; لأن كل ما وقع عليه اسم مقبرة يدخل تحت قوله المقبرة ، هذا هو المعروف من حقيقة الخطاب ، وبالله التوفيق ، ولو ساغ لجاهل أن يقول مقبرة كذا لجاز لآخر أن يقول حمام كذا ; لأن في الحديث إلا المقبرة ، والحمام ، وكذلك قوله : المزبلة ، والمجزرة ، ومحجة الطريق غير جائز أن يقال : مزبلة كذا ، ولا مجزرة كذا ، ولا طريق كذا ; لأن التحكم في دين الله غير سائغ ، والحمد لله .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن بحر ، قال : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا العباس بن الوليد بن نصر النرسي ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن القاسم بن مخيمرة ، عن أبي سعيد [ ص: 234 ] الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى على القبر ، أو يباع عليه ، أو يبنى عليه ، قال موسى بن هارون : قوله : أن يصلى على القبر ، وهم ; وإنما هو أن يصلى إلى القبر . وفي حديث زيد بن أسلم هذا ، ثم أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزلوا ، ويتوضئوا ، وأمر بلالا أن يؤذن ، أو يقيم .

هكذا رواه يحيى على الشك ، وتابعه قوم ، واختلفت الآثار في ذلك على ما نذكره في هذا الباب - إن شاء الله - ، وأكثرها فيها أنه أذن ، وأقام ، وكذلك في أكثرها أنه صلى ركعتي الفجر ، ( وأمرهم أن يصلوها ، ثم صلى بهم الصبح ) ، ولم يذكر في بعضها أنه صلى ركعتي الفجر ، وهذا موضع قد تنازع فيه العلماء ، ومن ذكر شيئا ، وحفظه فهو حجة على من لم يذكر .

فأما اختلافهم في الآذان ، والإقامة للصلوات الفوائت فإن مالكا ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحابهم ، قالوا : فيمن فاتته صلاة ، أو حتى خرج وقتها أنه يقيم لكل واحدة إقامة ، ولا يؤذن ، وقال الثوري : ليس عليه في الفوائت أذان ، ولا إقامة ، [ ص: 235 ] وقال أبو حنيفة وأصحابه : من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان ، وإقامة فإن لم يفعل فصلاته تامة . وقال محمد بن الحسن : إذا فاتته فإن صلاهن بإقامة إقامة كما النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق فحسن ، وإن أذن ، وأقام لكل صلاة فحسن ، ولم يذكر خلافا ، وقال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وداود بن علي : يؤذن ويقيم لكل صلاة فائتة على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نام عن الصلاة .

قال أبو عمر :

حجة من قال : إنه يقيم لكل صلاة فائتة ، ولا يؤذن لها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس يوم الخندق عن صلاة الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء إلى هوي من الليل ، ثم أقام لكل صلاة ، ولم يؤذن . روى هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو سعيد الخدري ، وابن مسعود فأما حديث أبي سعيد فحدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا [ ص: 236 ] عمار بن عبد الجبار الخراساني ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان هوي من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله - عز وجل - وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ، قال : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها ، ثم أقام العصر فصلاها كذلك ، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك - أيضا - وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف فإن خفتم فرجالا أو ركبانا - المعنى واحد - .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا هناد بن السري ، عن هشيم ، عن أبي الزبير ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، قال : قال عبد الله : إن المشركين شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أربع في الخندق فأمر بلالا فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى [ ص: 237 ] المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء . هكذا قال هشيم في هذا الحديث : فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، فذكر الأذان للظهر وحدها . وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن هشيم سواء .

وخالفه هشام الدستوائي فقال فيه : فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر . لم يذكر أذانا للظهر ، ولا لغيرها ; وإنما ذكر الإقامة وحدها فيها كلها . قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد البرقي القاضي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحبسنا عن صلاة الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، قال : فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء ، ثم طاف علينا فقال : ما على الأرض عصابة يذكرون الله غيركم .

[ ص: 238 ] وهكذا رواه ابن المبارك ، عن هشام الدستوائي بإسناده سواء . وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن هشام الدستوائي بإسناده مثله . ذكر ذلك أحمد بن شعيب ، وغيره . واحتج من قال : يؤذن ، ويقيم للفوائت بأنه ذكر في هذا الحديث ، وفي حديث أبي سعيد الخدري قبله ، ثم أقام فصلى العشاء ، قال : والعشاء كانت مفعولة في وقتها ، ولم يذكر فيها أذانا وهي غير فائتة ; فعلم أن مراده إقامتها بما ينبغي أن يقام لها من الأذان ، والإقامة ، وروي من حديث عمران بن حصين ، وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فاتته صلاة الفجر في السفر صلاها بأذان ، وإقامة .

وأما صلاة ركعتي الفجر لمن نام عن صلاة الصبح فلم ينتبه لها إلا بعد طلوع الشمس فإن مالكا ، قال : يبدأ بالمكتوبة ، ولم يعرف ما ذكر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر أنه ركعها يوم نام عن صلاة الصبح في سفره قبل أن يصلي الصبح ذكر أبو قرة في سماعه من مالك ، قال : قال مالك : فيمن نام عن الصبح حتى طلعت الشمس أنه ركعتي الفجر ، ولا يبدأ بشيء قبل الفريضة ، قال : وقال مالك : [ ص: 239 ] لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتي الفجر حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ، وقال ابن وهب : سئل مالك هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ركع ركعتي الفجر ، قال : ما علمت .

قال أبو عمر :

ليس في رواية مالك - رحمه الله - لا في حديث زيد بن أسلم هذا ، ولا في حديث ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع يومئذ ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح ; وإنما صار في ذلك إلى ما روي ، وعليه جمهور أصحابه إلا أشهب ، وعلي بن زياد فإنهما قالا : يركع ركعتي الفجر قبل أن يصلي الصبح ، قالا : وقد بلغنا ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ، وكذلك ، قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والحسن بن حي ، وهو قول جماعة أصحاب الحديث ، وإليه ذهب أحمد ، وأبو ثور ، وداود لما روي في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمران بن حصين ، وغيره . وقد كان يجب على أصل مالك أن يركعهما قبل أن يصلي الصبح ; لأن قوله : فيمن أتى مسجدا قد صلى فيه لا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة إذا كان في سعة من الوقت ، وكذلك ، قال أبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي ، وداود إذا كان في الوقت سعة ، وقال الثوري : ابدأ [ ص: 240 ] بالمكتوبة ، ثم تطوع بما شئت ، وقال الحسن بن حي : يبدأ بالفريضة ، ولا يتطوع حتى يفرغ من الفريضة ، قال : فإن كانت الظهر فرغ منها ثم من الركعتين بعدها ، ثم يصلي الأربع التي لم يصلها قبل الظهر .

وقال الليث بن سعد كل واجب من صلاة فريضة ، أو صلاة نذر ، أو صيام أنه يبدأ بالواجب قبل النفل ، وقد روي عنه خلاف هذا من رواية ابن وهب - أيضا - ، قال ابن وهب : سمعت الليث بن سعد يقول في الذي يدرك الإمام في قيام رمضان ، ولم يصل العشاء : إنه يدخل بصلاتهم فإذا فرغ صلى العشاء ، قال : وإن علم أنهم في القيام قبل أن يدخل في المسجد فوجد مكانا طاهرا فليصل العشاء ، ثم ليدخل معهم في القيام .

قال أبو عمر :

ويجيء على ما قدمنا من قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وداود فيمن أتى المسجد ، وقد صلى أهله ، وفي الوقت سعة أنه لا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة مثل [ ص: 241 ] قول الليث فيمن أدرك القوم في قيام رمضان سواء .

إلا أنه لا ينبغي له أن يوتر معهم ، وإن أوتر معهم لزمه إعادة الوتر بعد صلاة العشاء ، ووتره قبل صلاة العشاء كلا وتر ; لأنه قبل وقته .

وأما قوله : في الحديث أن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا فإن العلماء اختلفوا في الروح ، والنفس هل هما شيء واحد ، أو شيئان ; لأنه قد جاء في الحديث أن الله قبض أرواحنا ، وجاء في حديث سعيد بن المسيب قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال جماعة من أهل العلم : الروح والنفس شيء واحد ، ومن حجتهم قول الله - عز وجل - الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها . فروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير في هذه الآية أنهما ، قالا : تقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا تتعارف ما شاء الله أن تتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت : التي قد ماتت ، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . ذكره بقي بن مخلد ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير .

وذكره - أيضا - عن يحيى بن رجاء ، عن موسى بن أعين ، عن مطرف ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، ومعنى حديثهما واحد . وهذا يدل على أن النفس ، والروح شيء [ ص: 242 ] واحد ; لأنهم فسروا الآية ، - وقد جاءت بلفظ " يتوفى الأنفس " التي لم تمت في منامها - فقالوا : يقبض الأرواح كما رأيت ، وذلك ، واضح في أن النفس ، والروح سواء .

ويشهد بصحة ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إن الله قبض أرواحنا ، ولم ينكر على بلال قوله : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فالقرآن والسنة يشيران إلى معنى واحد بلفظ النفس مرة ، وبلفظ الروح أخرى .

وقال آخرون : النفس غير الروح ، واحتجوا بأن النفس مخاطبة منهية مأمورة ، واستدلوا بقول الله - عز وجل - : ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية الآية . وقوله أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله . ومثل هذا في القرآن كثير ، قالوا : والروح لم تخاطب ، ولم تؤمر ، ولم تنه في شيء من القرآن ، ولم يلحقها شيء من التوبيخ كما لحق النفس في غير آية من كتاب الله - عز وجل - .

[ ص: 243 ] وتأولوا في قول بلال أي " أخذ بنفسي من النوم ما أخذ بنفسك " . وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج في قول الله - عز وجل - الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الآية . قال : في جوف الإنسان روح ونفس ، بينهما في الجوف مثل شعاع الشمس ، فإذا توفى الله النفس كان الروح في جوف الإنسان فإذا أمسك الله نفسه أخرج الروح من جوفه فإن لم يمته أرسل الله نفسه فرجعت إلى مكانها قبل أن يستيقظ ، قال ابن جريج : وأخبرت ، عن ابن عباس نحو هذا الخبر . وذكر عبد المنعم بن إدريس ، عن وهب بن منبه أنه حكى عن التوراة في خلق آدم - عليه السلام - ، قال الله - عز وجل - : حين خلقت آدم ركبت جسده من رطب ، ويابس ، وسخن ، وبارد ، وذلك ; لأني خلقته من تراب ، وماء ، ثم جعلت فيه نفسا وروحا ، فيبوسة كل جسد خلقته من التراب ، ورطوبته من قبل الماء ، وحرارته من قبل النفس ، وبرودته من قبل الروح ، ومن النفس حدته ، وشهوته ، ولهوه ، ولعبه ، وضحكه ، وسفهه ، وخداعه ، وعنفه [ ص: 244 ] وخرقه ، ومن الروح حلمه ، ووقاره ، وعفافه ، وحياؤه ، وفهمه ، وتكرمه ، وصدقه ، وصبره .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : أخبرنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا المسيب بن واضح ، قال : حدثنا الحكم بن محمد الظفري ، عن إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال : إن أنفس الآدميين كأنفس الدواب التي تشتهي ، وتدعو إلى الشر ، ومسكن النفس البطن ، إلا إن الإنسان فضل بالروح ، ومسكنه الدماغ ، فبه يستحيي الإنسان ، وهو يدعو إلى الخير ويأمر به ، ثم نفخ وهب على يده فقال : هذا بارد ، وهو من الروح ، ثم تنهد على يده فقال : هذا حار ، وهو من النفس ومثلهما كمثل الرجل وزوجته فإذا انحدر الروح إلى النفس والتقيا نام الإنسان ، فإذا استيقظ رجع الروح إلى مكانه ، ويعتبر ذلك بأنك إذا كنت نائما فاستيقظت كان كل شيء يبدر إلى رأسك .

وذكر أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان أن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد صاحب مالك ، قال : النفس جسد مجسد كخلق الإنسان ، والروح كالماء الجاري ، قال : واحتج بقول الله - عز وجل - : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها [ ص: 245 ] الآية ، وقال : ألا ترى أن النائم قد توفى الله نفسه ، وروحه صاعد ونازل ، وأنفاسه قيام ، والنفس تسرح في كل واد ، وترى ما تراه من الرؤيا فإذا أذن الله في ردها إلى الجسد عادت ، واستيقظ بعودتها جميع أعضاء الجسد ، وحرك السمع والبصر ، وغيرهما من الأعضاء . قال : فالنفس غير الروح ، والروح كالماء الجاري في الجنان فإذا أراد الله إفساد ذلك البستان منع الماء الجاري فيه فماتت حياته فكذلك الإنسان . قال أبو إسحاق : هذا معنى قول ابن القاسم ، وإن لم يكن نسق لفظه ، قال أبو إسحاق : وقال عبيد الله بن أبي جعفر : إذا حمل الميت على السرير كانت نفسه بيد ملك من الملائكة يسير بها معه فإذا وضع للصلاة عليه وقف فإذا حمل إلى قبره سار معه فإذا ألحد ، ووري في التراب أعاد الله نفسه حتى يخاطبه الملكان ، فإذا وليا عنه منصرفين اختلع الملك نفسه فرمى بها إلى حيث أمر ، وهذا الملك من أعوان ملك الموت ، قال أبو إسحاق : هذا معنى قول عبيد الله بن أبي جعفر ، وقد قاله معه غيره .

[ ص: 246 ] قال أبو عمر :

قد قالت العلماء بما وصفنا - والله أعلم - بالصحيح من ذلك ، وما احتج به القوم فليس حجة واضحة ، ولا هو مما يقطع بصحته ; لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العذر ، ويوجب الحجة ، ولا هو مما يدرك بقياس ولا استنباط ، بل العقول تنحسر ، وتعجز عن علم ذلك . وقد قال جماعة من العلماء في قول الله - عز وجل - : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا : أنه هذا الروح ، المشار إليه في هذا الباب بالذكر : روح الحياة ، وقال غيرهم : إنه ملك من الملائكة يقوم صفا ، وتقوم الملائكة صفا فكيف يتعاطى علم شيء استأثر الله به ، ولم يطلع عليه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وقد قيل في الروح المذكور في هذه الآية : إنه جبريل - عليه السلام - ، وقيل هم خلق من خلق الله ، وقيل غير ذلك . وكذلك اختلف في الذين عنوا بقوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فقيل أراد اليهود السائلين عن الروح ; لأنهم زعموا أن في التوراة علم كل شيء ; فأنزل الله ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر [ ص: 247 ] الآية . يقول : ما أوتيتم في التوراة ، والإنجيل يا أهل الكتاب من العلم إلا قليلا ، وقيل : بل عنى بالآية أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والناس كلهم .

قال أبو عمر :

لو كان الأمر على النظر ، والقياس ، والاستنباط في معنى الروح من حديث الموطأ لقلنا أن النظر يشهد للقول الأول ، وهو الذي تدل عليه الآثار ، - والله أعلم - .

وقد تضع العرب النفس موضع الروح ، والروح موضع النفس ، فيقولون خرجت نفسه ، وفاضت نفسه ، وخرجت روحه إما لأنهما شيء واحد أو لأنهما شيئان متصلان لا يقوم أحدهما دون الآخر ، وقد يسمون الجسد نفسا ، ويسمون الدم جسدا ، قال النابغة :


وما أريق على الأنصاب من جسد

يريد من دم ، وقال ذو الرمة : فجعل الجسد نفسا :


يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت     وغافر الذنب زحزحني عن النار


ويقال للنفس : نسمة - أيضا - على عتق نسمة أي نفس .

[ ص: 248 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : إنما نسمة المؤمن طائر يعني روحه . وسنذكر هذا الخبر في حديث ابن شهاب - إن شاء الله تعالى - ( وبالله التوفيق ) .

وفي هذا الحديث : فإذا رقد أحدكم عن الصلاة ، أو نسيها فليصلها كما كان يصليها في وقتها . وهذا إنما فيه إيجاب إقامة الصلاة ، وأنها غير ساقطة عمن نام ، أو نسي ، ولم يخص وقتا من وقت ، فالبدار إليها أولى ، إلا أن في حديث ابن المسيب ، وحديث أنس ، وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نام عن الصلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله - تعالى - يقول : أقم الصلاة لذكري . وفي هذا وجوب صلاتها عند الذكر لها ، والانتباه إليها أي وقت كان ، وهو موضع اختلاف ، وقد ذكرناه ، واستوعبنا القول فيه في باب زيد بن أسلم ، وسيأتي منه ذكر في باب ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب [ ص: 249 ] من كتابنا هذا ; لأن ذلك الموضع أولى بذكر ذلك لقوله فيه : فليصلها إذا ذكرها ; وإنما في حديث زيد هذا فليصلها كما كان يصليها ، وبالله توفيقنا .

وفي إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بما عرض لبلال في نومه ذلك علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - .

وفيه ما كان عليه أبو بكر - رضي الله عنه - من صريح الإيمان ، والبدار إلى تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والفرح بكل ما يأتي منه ، وهو الصديق حقا من أمته - رحمة الله عليه - .

وأما الآثار المروية في هذا الباب فرواها جماعة من الصحابة ، منهم أبو هريرة ، وابن مسعود ، وأبو قتادة ، وابن عباس ، وجبير بن مطعم ، وعمرو بن أمية ، وعمران بن حصين ، وأبو مريم السلولي ، وأبو جحيفة السوائي ، وذو مخبر الحبشي ، فأما حديث أبي هريرة فنذكر منه ههنا ما يشبه حديثنا ، ويكون في معناه ، ونذكر من قطعه ، ومن [ ص: 250 ] وصله ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة إذا ذكرناه في باب ابن شهاب - إن شاء الله - .

فمن حديث أبي هريرة ما حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصاص ، قال : حدثنا أحمد بن الفرج أبو عتبة الحجازي بحمص ، قال : حدثنا أيوب بن سويد ، قال : أخبرنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر عرس بنا ذات ليلة ، ثم قال : أيكم يكلأ لنا الفجر الليلة ؟ فقال بلال : أنا يا رسول الله ، قال : اكلأه لنا يا بلال ، ولا تكن لكعا ، قال بلال : فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونام أصحابه فعمدت إلى حجفة لي استندت إليها فجعلت أراعي الفجر فبعث الله علي النوم فلم أستيقظ إلا لحر الشمس بين كتفي فقمت فزعا فقلت : الصلاة عباد الله ، فانتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتبه الناس ، وقال لي : يا بلال ألم أقل لك اكلأ لنا الفجر ؟ فقلت : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أرواحكم كانت بيد الله - عز وجل - حبسها إذ شاء ، وأطلقها إذ شاء [ ص: 251 ] اقتادوا من هذا الوادي فإنه واد ملعون به الشيطان ، قال : فخرجنا من الوادي ، ثم أمر بلالا فأذن ، وتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتوضأ أصحابه ، ثم صلوا فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أنصلي هذه الصلاة من غد للوقت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا إن الله لا ينهاكم عن الربا ، ويرضاه منكم ; من نام عن صلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها غيرها ; إن الله - عز وجل - يقول : وأقم الصلاة لذكري .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى ، عن يزيد بن كيسان ، قال : حدثني أبو حازم ، عن أبي هريرة ، قال : عرسنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأخذ كل إنسان برأس راحلته ، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ، قال : ففعلنا فدعا بالماء فتوضأ ، ثم صلى سجدتين ، ثم أقيمت الصلاة [ ص: 252 ] فصلى الغداة .

وأما حديث ابن مسعود فحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، ( وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، قالا : ) ، حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن جامع بن شداد ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود ، قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية ، قال : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من يكلؤنا ؟ فقال بلال : أنا ، فناموا حتى طلعت الشمس فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : افعلوا ما كنتم تفعلون ، قال : ففعلنا ، قال : وكذلك فافعلوا لمن نام ، أو نسي .

وأما حديث أبي قتادة فحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : حدثنا حصين ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه أبي قتادة ، قال : سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن في سفر ذات ليلة فقلنا يا رسول الله لو عرست بنا ، قال : إني أخاف أن تناموا عن الصلاة فمن يوقظنا [ ص: 253 ] للصلاة ؟ فقال بلال : أنا يا رسول الله ، قال : فعرس القوم ، واستند بلال إلى راحلته فغلبته عيناه ، واستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد طلع حاجب الشمس فقال : يا بلال أين ما قلت لنا ؟ ، قال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما ألقيت علي نومة مثلها ، قال : فقال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء ، وردها عليكم حين شاء ، ثم أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتشروا لحاجتهم ، وتوضئوا ، وارتفعت الشمس فصلى بهم الفجر .

وذكره البخاري ، عن عمران بن ميسرة ، عن محمد بن فضيل ، عن حصين بإسناده مثله . وفي حديثه زيادة : يا بلال قم فأذن للناس بالصلاة فتوضأ ، فلما ارتفعت الشمس ، وابياضت قام فصلى .

وأما حديث ابن عباس فحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا ابن الأصبهاني ، قال : حدثنا عبيدة بن حميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن تميم بن سلمة ، عن مسروق ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر [ ص: 254 ] فعرسوا من الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن ، ثم صلى ركعتين ، قال ابن عباس : فما يسرني بها الدنيا ، وما فيها يعني الرخصة .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، قال : حدثنا حرمي بن حفص ، قال : حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي ، قال : حدثني أبي ، عن ابن عباس أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فغفلوا عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنا فأذن كما كان يؤذن كل يوم فصلى ركعتي الفجر كما كان يصلي كل يوم ، ثم صلى بهم الغداة كما كان يصلي كل يوم .

وأما حديث جبير بن مطعم فحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في سفر له : من يكلؤنا الليلة ؟ لا نرقد عن صلاة الصبح ؟ فقال بلال : أنا ، فاستقبل مطلع الشمس [ ص: 255 ] فضرب على آذانهم حتى أيقظهم حر الشمس ، فقاموا فقال : توضئوا ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، وصلوا ركعتي الفجر ، ثم صلوا الفجر .

( وأما حديث أبي مريم فرواه علي ابن المديني ، وغيره . عن جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن يزيد بن أبي مريم ، عن أبيه فقال : نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصبح فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس فلما استيقظ أمر المؤذن فأذن ، وصلى ركعتين ، ثم أمره فأقام فصلى الفجر ) .

وأما حديث عمرو بن أمية فحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرنا عياش بن عياش أن كليب بن صبح حدثه أن الزبرقان حدثه ، عن عمه عمرو بن أمية الضمري ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فنام ، ولم يصل الصبح حتى طلعت الشمس فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحد من أصحابه حتى أذاهم حر الشمس فأمر رسول الله - صلى الله [ ص: 256 ] عليه وسلم - أن يتنحوا عن ذلك المكان ، ثم أمر بلالا فأذن ، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتي الفجر ، وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ، ثم أمر بلالا ، فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وذكره أبو داود ، عن عباس العنبري ، وأحمد بن صالح المصري جميعا ، عن عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن المقرئ بإسناده نحو معناه ، وذكر الأذان ، وركعتي الفجر .

وأما حديث عمران بن حصين فحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا علي ابن المديني ، قال : حدثنا عبد الأعلى ( بن عبد الأعلى ) ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، قال : أسرينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فلما كان من آخر السحر عرسنا ، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس ، فجعل الرجل يثب دهشا فزعا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اركبوا فركب ، وركبنا ، فسار حتى ارتفعت الشمس ، ثم نزل فأمر بلالا فأذن ، وقضى القوم من حاجاتهم ، وتوضئوا ، وصلينا الركعتين قبل الغداة ، ثم أقام ، فصلى بنا ، فقلنا يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد ؟ [ ص: 257 ] فقال : لا ينهاكم ربكم عن الربا ، ويقبله منكم .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة عن هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، قال : أسرينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ، ثم عرس بنا من آخر الليل ، قال : فاستيقظنا ، وقد طلعت الشمس ، قال : فجعل الرجل منا يثور إلى طهوره دهشا فازعا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ارتحلوا فارتحلنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزلنا فقضينا من حوائجنا ، وتوضأنا ، ثم أمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ، ثم أمر بلالا فأقام فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا يا رسول الله أنقضيها لميقاتها من الغد ؟ فقال : لا ينهاكم الله - عز وجل - عن الربا ، ويأخذه منكم .

وحدثنا عبد الوارث ، وأحمد بن قاسم ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، قال : سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 258 ] غزاة أو قال : في سرية ، ثم ذكر نحوه ، وذكره أبو داود ، عن وهب بن بقية ، عن خالد ، عن يونس ، عن الحسن ، عن عمران ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر إسماعيل - أيضا - عن ابن المديني ، عن عبد الوهاب الثقفي ، عن يونس ، عن الحسن ، عن عمران مثله .

وأما حديث أبي جحيفة السوائي فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره الذي ناموا فيه عن الصلاة حتى طلعت الشمس فقال : إنكم كنتم أمواتا فرد الله عليكم أرواحكم من نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ ، ومن نسي صلاة فليصلها إذا ذكر .

وأما حديث ذي مخبر ، فذكره أبو داود ، وغيره . وهو يدور على جرير بن عثمان الرحبي اختلف عليه فيه : فقوم قالوا عنه عن صليح الرحبي كذا قال أبو المغيرة [ ص: 259 ] وقوم قالوا عنه ، عن يزيد بن صليح ، وقال آخرون عنه ، عن يزيد بن صالح .

والحديث شامي مشهور بمعنى ما تقدم من الآثار سواء . قرأت على عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حجاج الباهلي ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يرقد عن الصلاة ، أو يغفل عنها ؟ قال : كفارتها أن يصليها إذا ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية