التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1876 [ ص: 294 ] حديث سابع وأربعون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك ، عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أعطوا السائل ، وإن جاء على فرس .


لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافا بين رواة مالك ، وليس في هذا اللفظ مسند يحتج به فيما علمت .

وفيه من الفقه الحض على الصدقة ، وفيه أن الفرس إذا كان صاحبه محتاجا إليه لا غنى به عنه لضعفه عن التصرف في معاشه على رجليه ، فإن ملكه للفرس لا يخرجه عن حد الفقر ، ولا يدخله في حكم الأغنياء الذين لا تحل لهم الصدقة .

[ ص: 295 ] وقد أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعطاءه ، وإن جاء على فرس ، ولم يقل من صدقة التطوع دون الصدقة الواجبة ، فجائز أن يعطي من كل صدقة .

ومحمل الدار التي لا غنى لصاحبها عن سكناها ، ولا فضل له فيها عما يحتاج إليه منها ، والخادم الذي لا غنى به عنه محمل الفرس ، وهذا قول جمهور فقهاء الأمصار ، وقد تقدم القول في ذلك في باب حديث زيد ( بن أسلم ) ، عن عطاء بن يسار ، عن الأسدي من كتابنا هذا فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .

ويحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله في هذا الحديث الحض على إعطاء السائل ، وأن لا يرد كائنا من كان إذا رضي لنفسه بالسؤال ، إذ الأغلب من هذه الحال أنها لا تكون إلا عن حاجة ; ندبا إلى نوافل الخير ، وصدقة التطوع ، وفعل البر ، والإحسان بكل مستضعف إذا لم يعلم أنه غني مستكثر بالسؤال مع ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - من التغليظ في المسألة ، وكراهيتها ، وقد تقدم هذا المعنى مجودا ، فلا وجه للإكثار فيه .

[ ص: 296 ] وقد روي معنى هذا الحديث مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث الحسين بن علي ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مصعب بن محمد ، عن يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت حسين ، عن أبيها ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : للسائل حق ، وإن جاء على فرس .

وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بمرو ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا عبد الصمد بن النعمان ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الملك ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لولا أن السؤال [ ص: 297 ] يكذبون ما أفلح من ردهم . وقد روى عمر بن راشد ، عن مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بلال فوقف بالباب سائل فرده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو صدق السائل ما أفلح من رده ، وهذا حديث منكر لا أصل له في حديث مالك ، ولا يصح عنه .

ومما يشبه هذا المعنى حديث موضوع - أيضا - على مالك ، وضعه محمد بن عبد الله ، ويقال ابن عبد الرحمن بن بجير [ ص: 298 ] عن أبيه ، عن مالك ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي ، حدثنا أبي ، والعقيلي ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الله بن بجير بن يسار ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس المسكين الذي ترده اللقمة ، واللقمتان ، والتمرة ، والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ، ولا يعلم به فيتصدق عليه قيل : يا رسول الله فما هؤلاء الذين يغشون بيوتنا ؟ ( ، قال : أولئك الغناة ) قيل ، وما الغناة ؟ قال : الذين لا يتطهرون من جنابة ، ولا يتوضئون لصلاة ، ولا يرون لأحد عليهم حقا ، ويرون حقهم على الناس واجبا ، وإذا قام الناس في جمعة ، أو فطر ، أو أضحى يسألون الله من فضله قاموا يسألون الناس مما في أيديهم .

ومما وضع - أيضا - على مالك مما يدخل في هذا الباب : ما حدثناه خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن أحمد بن كامل ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حسين الدمياطي ، حدثنا موسى بن محمد بن عطاء ، حدثنا مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هدية الله إلى المؤمن [ ص: 299 ] السائل على بابه . ورواه - أيضا - سعيد بن موسى ، عن مالك بإسناده مثله ، . وموسى بن محمد ، وسعيد بن موسى متروكان ، والحديث موضوع ، ( وحسبنا الله ، ونعم الوكيل ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية