التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1650 حديث ثان لإسماعيل بن أبي حكيم مرسل

مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : كان من آخر ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال : قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب .


هكذا جاء هذا الحديث عن مالك في الموطآت كلها مقطوعا ، وهو يتصل من وجوه حسان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي [ ص: 166 ] هريرة ، وعائشة ، ومن حديث علي بن أبي طالب ، وأسامة ، وأما عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، فأشهر وأجل من أن يحتاج إلى ذكره ، حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا معاوية ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : أخبرني ابن شهاب ، عن ابن المسيب سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ورواه مالك ، عن الزهري بهذا الإسناد مثله .

حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد الباجي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم ، قال : حدثنا مالك بن عيسى ، قال : حدثنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : أخبرنا مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وقد روى هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، ذكره البزار قال : حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، وقول ابن شهاب فيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أولى بالصواب في [ ص: 167 ] الإسناد إن شاء الله .

وهو محفوظ من حديث عروة ، عن عائشة ، أخبرنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : أخبرنا عيسى بن مسكين ، قال : أخبرنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا شيبان ، عن هلال بن حميد ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت : ولولا ذلك أبرز قبره ، غير أنه خشي عليه أن يتخذ مسجدا .

قال أبو عمر : لهذا الحديث والله أعلم ، ورواية عمر بن عبد العزيز له ، أمر في خلافته أن يجعل بنيان قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محددا بركن واحد لئلا يستقبل القبر فيصلى إليه ، وأخبرنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني عيسى ، قال : حدثنا ابن سنجر ، قال : حدثنا ابن نمير ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن نساء النبي عليه السلام تذاكرن في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، وذكرن من حسنها وتصاويرها ، وكانت أم سلمة ، وأم [ ص: 168 ] حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور ، فأولئك شرار الخلق عند الله .

قال أبو عمر : هذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد ، وقد احتج من لم ير الصلاة في المقبرة ولم يجزها بهذا الحديث ، وبقوله : " إن شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد " وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا وهذه الآثار قد عارضها قوله - صلى الله عليه وسلم - : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وتلك فضيلة خص بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يجوز على فضائله النسخ ، ولا الخصوص ، ولا الاستثناء ، وذلك جائز في غير فضائله إذا كانت أمرا أو نهيا أو في معنى الأمر والنهي ، وبهذا يستبين عند تعارض الآثار في ذلك أن الناسخ منها قوله - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقوله لأبي ذر حيثما أدركتك الصلاة فصل ، فقد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبان ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لعن الله أقواما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وسيأتي من هذا ذكر في باب مرسل زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار إن شاء الله .

[ ص: 169 ] وأما قوله في حديث مالك " لا يبقين دينان بأرض العرب " فأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر بن علي ، قال : حدثنا علي بن حرب ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن ابن أبي نجيح ، عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عباس يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثم بكى حتى بل دمعه الحصى ، قلت : يا أبا عباس ، وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوجع ، فقال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فتنازعوا عنده ، فقال : لا ينبغي عندي التنازع ذروني ، وأمرهم بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجزيهم ، والثالثة إما سكت عنها ، يعني ابن عباس ، وإما قالها فنسيتها ، يقوله سعيد بن جبير .

وذكر الحميدي وعبد الرزاق ، عن سفيان بن عيينة بإسناد مثله ، أخبرنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا ابن سنجر ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لأخرجن [ ص: 170 ] اليهود من جزيرة العرب وذكره عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع بها إلا مسلما قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجتمع بأرض العرب أو قال بأرض الحجاز دينان قال : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى وجد عليه الثبت ، قال الزهري : فلذلك أجلاهم عمر ، قال : وأخبرني ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر بمعنى حديث ابن المسيب ، وحديث موسى بن عقبة أكمل ، وفيه حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء .

أخبرنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع بن الجراح ، عن إبراهيم بن ميمون مولى آل سمرة ، عن إسحاق بن سمرة ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة بن الجراح قال : آخر ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال : أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب هكذا قال وكيع فيما صح عندنا من مسند ابن أبي شيبة ، وخالفه سفيان بن عيينة ، ويحيى القطان ، وإسماعيل بن زكرياء ، وأبو أحمد الزبيري كلهم قال مكان إسحاق بن سمرة : سعد بن سمرة ، قرأت على سعيد بن نصر أن قاسما حدثهم قال : [ ص: 171 ] حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : أخبرني إبراهيم بن ميمون مولى آل سمرة ، عن سعد بن سمرة ، عن أبيه سمرة ، عن أبي عبيدة بن الجراح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أخرجوا يهود الحجاز .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد - يعني القطان - ، عن إبراهيم بن ميمون ، قال : حدثني سعد بن سمرة بن جندب ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة ، قال : إن من آخر ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال : أخرجوا يهود الحجاز ونجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار عباد الله الذين اتخذوا قبورهم مساجد أخبرنا قاسم بن محمد ، قال : أخبرنا خالد بن سعد ، قال : أخبرنا أحمد بن عمرو بن منصور أخبرنا محمد بن سنجر ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا إسماعيل بن زكرياء ، عن إبراهيم بن ميمون ، عن سعد بن سمرة بن جندب ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، قال : آخر ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال : أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ، وإن شرار الناس يتخذون القبور مساجد وذكره أحمد بن إبراهيم الدروقي ، عن أبي أحمد الزبيري بإسناده مثله سواء .

[ ص: 172 ] قال أبو عمر : قول من قال : قبور أنبيائهم ، يقضي على قول من قال " القبور " في هذا الحديث لأنه بيان مبهم ، وتفسير مجمل ، وأما قوله أرض العرب وجزيرة العرب في هذا الحديث فذكر ابن وهب عن مالك قال : أرض العرب مكة والمدينة واليمن ، وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام ، عن الأصمعي ، قال : جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما في العرض فمن جدة وما والاها من سائر البحر إلى أطرار الشام ، قال أبو عبيد وقال أبو عبيدة : جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول ، وأما في العرض فمن بئر يبرين إلى منقطع السماوة .

قال أبو عمر : أخبرنا بذلك كله أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان وأبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، وأخبرنا أبو القاسم بن عمر بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قالا جميعا : حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه في شرح غريب الحديث وبجميع الشرح المذكور ، وقال يعقوب بن شيبة : حفر أبي موسى على منازل من البصرة ، في طريق مكة خمسة منازل أو ستة ، وقال أحمد بن المعذل : حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري ، قال : قال مالك بن أنس : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن ، قال : وقال المغيرة بن عبد الرحمن : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمن ، وقرياتها ، وذكر الواقدي عن معاذ بن محمد الأنصاري أنه حدثه ، عن أبي وجزة يزيد بن [ ص: 173 ] عبيد السعدي أنه سمعه يقول : القرى العربية : الفرع ، وينبع ، والمروة ، ووادي القرى ، والجار ، وخيبر ، قال الواقدي : وكان أبو وجزة السعدي عالما بذلك ، قال أبو وجزة : وإنما سميت قرى عربية لأنها من بلاد العرب ، وقال أحمد بن المعذل : حدثني بشر بن عمر ، قال : قلت إننا لنرجو أن تكون من جزيرة العرب يريد البصرة ; لأنه لا يحول بيننا وبينكم نهر ، فقال : ذلك أن كان قومك تبوءوا الدار والإيمان .

قال أبو عمر - رضي الله عنه - : قال بعض أهل العلم : إنما سمي الحجاز حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد ، وإنما قيل لبلاد العرب جزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها من أقطارها وأطرارها ، فصاروا فيها في مثل جزيرة من جزائر البحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية