التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1766 [ ص: 69 ] حديث ثان لزياد بن سعد مرسل

مالك ، عن زياد بن سعد ، عن ابن شهاب أنه سمعه يقول : سدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ما شاء الله ، ثم فرق بعد .


هكذا رواه الرواة كلهم عن مالك مرسلا ، إلا حماد بن خالد الخياط فإنه وصله وأسنده وجعله عن مالك ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس فأخطأ فيه ، والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطإ لا من حديث أنس ، وهو الذي يصححه أهل الحديث ، فأما رواية حماد بن خالد ، عن مالك فحدثني خلف بن قاسم ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران [ ص: 70 ] السراج ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حماد بن خالد الخياط ، حدثنا مالك ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : سدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ما شاء الله أن يسدل ، ثم فرق بعد .

وهكذا رواه صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه كما رواه أخوه عبد الله ، عن أبيه ، عن حماد بن خالد ، عن مالك ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس .

ورواه إسحاق بن داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن حماد بن خالد ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس . لم يذكر زياد بن سعد فأخطأ فيه أيضا .

حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود ، قال : حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا حماد بن خالد ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، قال : حدثنا زياد بن سعد [ ص: 71 ] عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سدل ناصيته ما شاء الله أن يسدلها ، ثم فرق بعد .

قال أحمد بن حنبل : وهذا خطأ ، وإنما هو عن ابن عباس .

قال أبو عمر :

ما قاله أحمد فهو الصواب ، كذلك رواه يونس بن يزيد وإبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري ، قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الضحاك ، قال : حدثنا أبو مروان العثماني ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : سدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ، ثم فرق بعد .

وحدثنا خلف بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : أخبرنا ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله [ ص: 72 ] عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه ، وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم ، وكان المشركون يفرقون شعورهم ، فسدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ، ثم فرق بعد .

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم ، وكان المشركون يفرقون رءوسهم ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ، ثم فرق بعد .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله [ ص: 73 ] بن صالح ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، فذكره .

وكذلك رواه ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس مثله مرفوعا .

حدثناه عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا علي بن محمد بن مسرور ، قال : حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا سحنون بن سعيد ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رءوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه .

ورواه معمر ، وابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله مرسلا لم يذكرا ابن عباس .

قال محمد بن يحيى النيسابوري : والصحيح المحفوظ [ ص: 74 ] ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد ، قال : وما أظن ابن عيينة سمعه من الزهري .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من الفقه ترك حلق شعر الرأس وحبس الجمم ، وفيه دليل على أن حبس الجمة أفضل من الحلق ، لأن ما صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خاصته أفضل مما أقر الناس عليه ، ولم ينههم عنه ، لأنه في كل أحواله في خاصة نفسه على أفضل الأمور وأكملها ، وأرفعها ، صلى الله عليه وسلم .

وفيه أيضا من الفقه أن الفرق في الشعر سنة ، وأنه أولى من السدل ، لأنه آخر ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله .

والناصية شعر مقدم الرأس كله , وسدله تركه منسدلا سائلا على هيئته ، والتفريق أن يقسم شعر ناصيته يمينا وشمالا , فتظهر جبهته وجبينه من الجانبين ، والفرق سنة مسنونة .

[ ص: 75 ] وقد قيل : إنها من ملة إبراهيم وسنته ، صلى الله عليه وسلم .

ذكر الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قول الله - عز وجل - : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : الكلمات عشر خصال , خمس منها في الرأس , وخمس في الجسد ، فأما التي في الرأس ففرق الشعر وقص الشارب ، والسواك ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وأما التي في البدن فالختان وحلق العانة ، والاستنجاء ونتف الإبط وتقليم الأظافر .

وقوله ( فأتمهن ) أي عمل بهن .

قال أبو عمر :

يؤكد هذا قول الله - عز وجل - : ، ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا الآية ، وقوله - تبارك وتعالى - إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو منصور محمد بن سعد الماوردي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن سلام [ ص: 76 ] ويحيى بن محمد بن صاعد ، قالا : حدثنا الجراح بن مخلد ، قال : حدثنا قريش بن إسماعيل بن زكرياء الكوفي ، قال : حدثنا الحارث بن عمران ، عن محمد بن سوقة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اختضبوا وفرقوا ، وخالفوا اليهود .

وهذا إسناد حسن ثقات كلهم .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن فطيس ، حدثنا يحيى بن إبراهيم ، حدثنا عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم عن مالك ، قال : رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم ، وكانت لهم شعور ، وكانت لهشام جمة إلى كتفيه .

حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة [ ص: 77 ] أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل شين الهيئة في شعره لم يفرقه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر ( يعني الأثرم ) قال : سألت أبا عبد الله ( يعني أحمد بن حنبل ) عن صفة شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : جاء في الحديث أنه كان إلى شحمة أذنيه ، وفي بعض الحديث : إلى منكبيه ، وفي بعض الحديث أنه فرق ، قال : وإنما يكون الفرق إذا كان له شعر ، قال : وأحصيت عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كان لهم شعر ، فذكر منهم أبا عبيدة بن الجراح وعمار بن ياسر ، والحسن ، والحسين ، وعن ابن مسعود أن شعره كان يبلغ ترقوته ، وأنه كان إذا صلى جعله وراء أذنيه .

قال أبو عمر :

فيما حكاه أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه أحصى من [ ص: 78 ] الصحابة ثلاثة عشر رجلا لهم شعر ، دليل على أن غيرهم - وهم الأكثر - لم يكن لهم شعر على تلك الهيئة ، والشعر الذي يشير إليه هي الجمة ، والوفرة ، وفي هذا دليل على إباحة الحلق ، وعلى حبس الشعر ، لأن الهيئتين جميعا قد أقر عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، ولم ينه عن شيء منهما ، فصار كل ذلك مباحا بالسنة ، وبالله التوفيق .

وأما الحلق المعروف عندهم فبالجلمين ، لأن الحلق بالموسى لم يكن معروفا عندهم في غير الحج ، والله أعلم .

هذا قول طائفة من أصحابنا ، وأما غيرهم فيقول : إن الحلق بالموسى لما كان سنة ونسكا في موضع وجب أن يتبرك به ويستحب على كل حال ، ولا يقضى بوجوبه سنة ولا نسكا إلا في ذلك الموضع ، ولا وجه لكراهية من كرهه ، ولا حجة معه من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وإنما هو رأي واستحسان جائز خلافه إلى مثله .

ذكر الحلواني قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه كان يستحب أن يوفر شعر رأسه إذا أراد الحج ، قال : وحدثنا عمرو بن عون [ ص: 79 ] عن هشيم عن يونس ، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ شعره عند الإحرام ، وذكر موسى بن هارون الحمال ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يحيى بن محمد البخاري ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن زيد أنه رأى أباه وأبا حازم وصفوان بن سليم ، وابن عجلان إذا دخل الصيف حلقوا رءوسهم ، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وكان أبي إذا تخلف عن الحج حلق يوم الأضحى .

قال أبو عمر :

قد كان مالك - رحمه الله - يكره حلق القفا ، وما أدري إن كان كرهه مع حلق الرأس ، أو مفردا ، وهذا ليس من شرائع الأحكام ، ولا من الحلال والحرام ، والقول في حلق الرأس يغني عن القول في حلق القفا ، والقول في ذلك واحد عند العلماء ، والله أعلم .

وقد يجوز أن تكون كراهية مالك لحلق القفا هو أن يرفع في حلقه حتى يحلق بعض مؤخر الرأس على ما تصنعه الروم ، وهذا تشبه ، لأنا قد روينا عن مالك أنه قال : أول من حلق قفاه عندنا دراقس النصراني .

[ ص: 80 ] قال أبو عمر :

قد حلق الناس رءوسهم ، وتقصصوا وعرفوا كيف ذلك ، قرنا بعد قرن من غير نكير ، والحمد لله .

قال أبو عمر :

صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا ، لهم الجمم والوفرات , وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم حتى صار ذلك علامة من علاماتهم وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من تشبه بقوم فهو منهم ، أو : حشر معهم . فقيل : من تشبه بهم في أفعالهم ، وقيل : من تشبه بهم في هيئاتهم . وحسبك بهذا فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا ، والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئا ، وإنما المجازاة على النيات والأعمال , فرب محلوق خير من ذي شعر , ورب ذي شعر رجلا صالحا ، وقد كان التختم في اليمين مباحا حسنا ، لأنه قد تختم به جماعة من السلف في اليمين كما تختم منهم جماعة في الشمال ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 81 ] الوجهان جميعا ، فلما غلبت الروافض على التختم في اليمين ، ولم يخلطوا به غيره كرهه العلماء منابذة لهم وكراهية للتشبه بهم لا أنه حرام ، ولا أنه مكروه ، وبالله التوفيق .

حدثنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعد ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم النبيل ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة أن رجلا سأله : كيف أصب على رأسي ؟ قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب على رأسه ثلاث حثيات ، قال : إن شعري كثير ، قال : كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من شعرك وأطيب .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، قال : حدثنا الخضر ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو جعفر النفيلي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة ، قالت : كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الوفرة دون الجمة ، وقال أبو بكر الأثرم : حدثنا عفان ، قال : [ ص: 82 ] حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب منكبيه .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيد ما بين منكبيه يبلغ شعره شحمة أذنيه .

وروى حميد عن أنس مثل حديث البراء سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية