التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
وقالت طائفة من أصحابنا : مراسيل الثقات أولى من المسندات ، واعتلوا بأن من أسند لك فقد أحالك على البحث عن أحوال من سماه لك ، ومن أرسل من الأئمة حديثا مع علمه ودينه وثقته ; فقد قطع لك على صحته ، وكفاك النظر .

[ ص: 4 ] وقالت منهم طائفة أخرى : لسنا نقول : إن المرسل أولى من المسند ، ولكنهما سواء في وجوب الحجة والاستعمال ، واعتلوا بأن السلف رضوان الله عليهم أرسلوا ووصلوا وأسندوا ; فلم يعب واحد منهم على صاحبه شيئا من ذلك ، بل كل من أسند لم يخل من الإرسال ، ولو لم يكن ذلك كله عندهم دينا وحقا ما اعتمدوا عليه ; لأنا وجدنا التابعين إذا سئلوا عن شيء من العلم ، وكان عندهم في ذلك شيء عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، أو عن أصحابه رضي الله عنهم ; قالوا : قال رسول الله كذا ، وقال عمر كذا ، ولو كان ذلك لا يوجب عملا ، ولا يعد علما عندهم ; لما قنع به العالم من نفسه ، ولا رضي به منه السائل .

وممن كان يذهب إلى هذا القول من أصحابنا : أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري ، وهو قول أبي جعفر محمد بن جرير الطبري .

وزعم الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل ، ولم يأت عنهم إنكاره ، ولا عن أحد الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين ، كأنه يعني أن الشافعي أول من أبى من قبول المرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية