التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
964 [ ص: 157 ] حديث رابع لابن شهاب عن أنس

مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح ، وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه جاءه رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال ( رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) : اقتلوه ، قال مالك : قال ابن شهاب : ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرما .


اختلف في اسم ابن خطل ( هذا فقيل : هلال بن خطل وقيل عبد العزى بن خطل وقيل عبد الله بن خطل ) هذا قول ابن إسحاق وجماعة ، وقال الزبير بن بكار : ابن خطل الذي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله يوم فتح مكة وإن كان متعلقا بأستار الكعبة فقتل على تلك الحال هو هلال بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير ( بن تيم ) بن غالب [ ص: 158 ] بن فهر قال : وعبد الله هو الذي يقال له خطل ولأخيه عبد العزى بن عبد مناف أيضا ( خطل ) هما جميعا الخطلان . قال : فبنو تيم بن غالب بن فهر يقال لهم بنو الأدرم وتيم هو الأدرم بن غالب .

قال أبو عمر :

المغفر ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها , من حديد كان أو من غيره ، وقد روى بشر بن عمر الزهراني عن مالك هذا الحديث بإسناده ، وقال فيه : مغفر من حديد ، وليس في الموطإ : من حديد ( ولا أعلم أحدا ذكر ذلك عن مالك غير بشر بن عمر في هذا الحديث [ ص: 159 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال : حدثنا بشر بن عمر قال : حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ، وعليه مغفر من حديد ، فلما نزعه قيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال : اقتلوه .

وروى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بإسناده هذا ، وفيه زيادة " وطاف وعليه المغفر " ولم يقله غيره عنه ، والله أعلم .

ورواه عبد الله بن جعفر المدني عن مالك عن الزهري عن أنس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ، وعلى رأسه المغفر , واستلم الحجر بمحجن ، وهذا أيضا لم يقله عن مالك - والله أعلم - غير عبد الله بن جعفر وهذا حديث انفرد به مالك - رحمه الله - لا يحفظ عن غيره ، ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح .

وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن أنس ولا يكاد يصح ، وروي ( أيضا ) من غير هذا الوجه ، ولا يثبت أهل العلم بالنقل فيه إسنادا غير حديث مالك .

[ ص: 160 ] وقد رواه عن مالك واحتاج إليه فيه جماعة ( من الأئمة ) يطول ذكرهم ، وقد ذكرهم شيخنا أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ - رحمه الله - في كتاب ( جمعه ) في ذلك ، ومن أجل من رواه عن مالك ابن جريج :

حدثنا أبو محمد مسلمة بن محمد قال : حدثنا أبو القاسم عبد السلام بن محمد بن أبي موسى قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن مصفى قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن جريج عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ( وعلى رأسه مغفر ) .

وفي هذا الحديث من الفقه دخول مكة بغير إحرام وبالسلاح , وإظهار السلاح فيها ، ولكن هذا عند جميع العلماء منسوخ ومخصوص بقوله - صلى الله عليه وسلم - إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار . يعني يوم الفتح ، وقد تكلمنا على معنى هذا الحديث في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة في كتاب البخاري بما يغني عن إعادته هاهنا [ ص: 161 ] حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا سعيد بن السكن قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا البخاري قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله حرم مكة ، فلا تحل ( لأحد قبلي ولا تحل ) لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وذكر الحديث .

ورواه منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس مثله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة : إن هذا بلد حرام لم يحل لأحد قبلي ، ولا يحل لأحد بعدي ، وإنما أحل لي ساعة من نهار ، ثم هو حرام إلى يوم القيامة ، وروى أبو شريح الكعبي وأبو هريرة وجماعة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . وكان ابن شهاب - رحمه الله - يقول : لا بأس أن تدخل مكة بغير إحرام ، وخالفه في ذلك أكثر العلماء ، وما أعلم أحدا تابعه على ذلك إلا الحسن البصري روى خالد بن عبد الله عن أشعث عن الحسن أنه لم يكن يرى بأسا أن يدخل الرجل مكة بغير إحرام ، وإلى هذا ذهب داود بن علي وأصحابه ، وذكروا قول ابن شهاب والحسن وأن ابن عمر [ ص: 162 ] رجع من طريقه فدخلها بغير إحرام ، واحتجوا بأن موجب الإحرام موجب حج أو عمرة لم يوجبها الله ولا رسوله ، ولا اتفق المسلمون على ذلك ، وقال الشافعي : من دخل مكة خائفا لحرب أو خائفا من سلطان ، أو ممن لا يقدر على دفعه جاز له دخول مكة بغير إحرام ، لأنه في معنى المحصر ، وقد روي عن الشافعي مثل قول ابن شهاب وداود ( في هذا الباب ) والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام ( إلا ما ذكرت عنه ) وقال ابن وهب : عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب في دخول الإنسان مكة بغير إحرام وكره ذلك ، وقال : إنما يكون ذلك على مثل ما عمل عبد الله بن عمر إلا رجلا يأتي بالفاكهة من الطائف ، أو ينقل الحطب يبيعه ، فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : ورجوع ابن عمر من قديد إلى مكة بغير إحرام فقال : ذلك أنه جاءه خبر من جيوش المدينة ، وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي : كره أكثر أهل العلم أن يدخل أحد مكة إلا محرما [ ص: 163 ] ورخصوا للحطابين ، ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ورخص أيضا لمن خرج من مكة يريد بلدة ، ثم بدا له أن يرجع كما صنع عبد الله بن عمر قال : وأما من نزع من موضعه إلى مكة في تجارة ، أو غيرها ، فلا ينبغي أن يدخلها إلا محرما ، لأنه يأتي الحرم فينبغي له أن يحرم لدخوله إياه ( قال ) : ومما يؤكد ذلك أن رجلا لو جعل على نفسه مشيا إلى مكة لوجب عليه أن يدخلها محرما بحج ، أو عمرة ، قال : وأما حديث الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح ( مكة ) وعلى رأسه المغفر ، فإن هذه - والله أعلم - حال خصوص ، لأنه أحلت له مكة بعض ذلك اليوم ، فلم يكن لإحرامه وجه ، لأنها كانت حلالا ( له ) ساعة ، وإنما يستحب أن لا يدخلها ( إلا ) محرما من أجل أنها حرم ، وذكر حديث طاوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل قط مكة إلا محرما إلا يوم الفتح .

قال أبو عمر :

قد اختلف العلماء فيمن دخل مكة بغير إحرام فقال مالك : لا يدخل أحد مكة من أهل الآفاق إلا محرما ، فإن لم يفعل أساء ، ولا شيء عليه ، وهو قول الشافعي [ ص: 164 ] وأبي ثور وقال الشافعي : من دخل مكة غير محرم فقد أساء ، ولا شيء عليه ، لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا على من نواهما وأحرم بهما . قال الشافعي : وسنة الله في عباده أن لا يدخلوا الحرم إلا حرما قال : ومكة مباينة لسائر البلاد ، فلا يدخلها أحد إلا بإحرام , إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين وشبههم ممن يدخل لمنافع أهله ونفسه ، قال أبو ثور : ليس على العراقي يدخل مكة بغير إحرام لحاجة ، شيء ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يدخل أحد مكة بغير إحرام ، فإن دخلها محرم فعليه حجة أو عمرة ، وهو قول الثوري إلا أنه قال : فإن لم يحج ولم يعتمر قيل له استغفر الله ، وهو قول عطاء والحسن بن حي .

قال أبو عمر :

لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في الحطابين ، ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم ، والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك لما عليهم فيه من المشقة ، ولو ألزموا الإحرام لكان عليهم في اليوم الواحد ربما عمر كثيرة ، وقد دخل عبد الله بن عمر مكة بغير إحرام ، وذلك أنه خرج عنها ، ثم خوف ، فانصرف بغير إحرام , فمثل هذا وشبهه رخص له .

[ ص: 165 ] وذكر عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال : خرج ابن عمر من مكة يريد المدينة بالفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام ، وقد كان ابن عباس وأصحابه يشددون في ذلك .

ذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال : أخبرنا عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : لا عمرة على أهل مكة من أجل الطواف إلا أن يخرج أحدهم من الحرم ، فلا يدخله إلا حراما . قال : فقيل له : فإن خرج قريبا لحاجته ، قال : يقضي حاجته ويجمع مع قضائها عمرة ، قال : وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، قال لا يحل لأحد من خلق الله أن يدخل مكة لحاجة ولا لغيرها إلا حراما ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخلها قط إلا حراما إلا عام الفتح ، قال : وأخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء أنه كان يرخص للحطابين من أهل مكة أن يدخلوها بغير إهلال .

قال أبو عمر :

أما قتل عبد الله بن خطل فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان عهد فيه أن يقتل ، وإن وجد متعلقا [ ص: 166 ] بأستار الكعبة ، لأنه ارتد بعد إسلامه ، وكفر بعد إيمانه وبعد قراءته القرآن وقتل النفس التي حرم الله ، ثم لحق بدار الكفر بمكة واتخذ قينتين يغنيانه بهجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فعهد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عهد في ستة نفر معه قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره ، وامرأتين فيما قاله ابن إسحاق وقال : الواقدي أربع نسوة .

روى زيد بن الحباب وإبراهيم بن علي الغزي القرشي عن مالك عن الزهري عن أنس أن ابن خطل كان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشعر ، وروى شبابة ( بن سوار ) عن مالك عن الزهري [ ص: 167 ] عن أنس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، ثم قال : من رأى منكم ابن خطل فليقتله .

وزعم بعض أصحابنا المتأخرين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قتل ابن خطل لأنه كان يسبه ( - صلى الله عليه وسلم - ) والذي ذكر ابن إسحاق في المغازي غير هذا مما نذكره بعد عنه في هذا الباب ، إن شاء الله .

ولو كانت العلة في قتله ما ذكره هذا القائل ما ترك منهم من كان يسبه ، وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته ( له ) من سبه .

وجعل القائل هذا حجة لقتل الذمي إذا سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا يجوز عند أحد علمته من العلماء أن يقيس الذمي على الحربي ، لأن ابن خطل في دار حرب كان ، ولا ذمة له ، وقد حكم الله - عز وجل - في الحربي إذا قدر عليه بتخير الإمام فيه ، إن شاء قتله وإن شاء من عليه ، وإن شاء فدى به ، فلهذا قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن خطل وغيره ممن أراد منهم قتله . على أن ابن خطل كان قد قتل رجلا من الأنصار مسلما ثم ارتد . كذلك ذكر أهل السير ، وهذا يبيح دمه عند الجميع .

وقد اختلف الفقهاء في الذي يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 168 ] فقال مالك : من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من أهل الذمة ) قتل إلا أن يسلم ، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : يعزر ولا يقتل ، وقال : الليث يقتل مكانه ، وقال الشافعي : يؤخذ على من صولح من الكفار ، فذكر أشياء ، منها : ومتى ذكر أحد منهم كتاب الله ، أو محمدا - صلى الله عليه وسلم - بما لا ينبغي فقد أحل دمه ( قال : الطحاوي فهذا يدل على أنه إن لم يشترط ذلك عليه ، فلا يستحل ماله ) .

واحتج الطحاوي لقول أصحابه بما لا حجة فيه ، والقول عندي في ذلك قول مالك وقد روي عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لو سمعته لقتلته ، ولا مخالف له من الصحابة علمته ، ولا يخلو أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل ابن خطل من أحد وجهين : إما أن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر ، وكان له أن يريق دم من شاء من أهلها في الساعة التي أحل له فيها القتال ، أو يكون على مذهب جماعة من العلماء في أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل ، وكان هؤلاء ممن وجب قتله لما ذكرنا [ ص: 169 ] فلم يجرهم ( الحرم ) وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا ، فأما مالك فقال : من وجب عليه القصاص في الحرم اقتص منه ، ومن قتل ودخل الحرم لم يجره ، ولم يمنع الحرم حدا وجب ، وهو قول الشافعي ورواه ابن سماعة عن أبي يوسف وقال أبو حنيفة : إذا وجب عليه قصاص ، أو حد ( فدخل الحرم ) لم يقتص منه في النفس ، ولا يحد فيما يأتي على النفس ، وتقام الحدود عليه فيما دون النفس مما سوى ذلك حتى يخرج من الحرم ، وكذلك قال زفر قال : وإن قتل في الحرم ( أو زنى في الحرم ) رجم وقتل في الحرم ، وروى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي يوسف قال : يخرج من الحرم فيقتل ، وكذلك في الرجم ، وقد ذكرنا هذه المسألة وبيناها وأوضحنا وجه الصواب فيها في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال : حدثنا [ ص: 170 ] أحمد بن محمد بن أيوب قال : حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال : وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه ، وهو رجل من بني تيم بن غالب ، قال : وإنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله لأنه بعثه مصدقا ، وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ، ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا .

وأخبرني عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أشته ( الأصبهاني المقرئ ) قال : حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري أبو بكر قال : حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال : أخبرنا محمد بن حاتم قال : أخبرنا يونس بن محمد قال : حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال لما افتتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أخذ أبو برزة الأسلمي هو وسعيد بن حريث عبد الله بن خطل وهو الذي كانت تسميه قريش ذا القلبين ، فأنزل الله - عز وجل - ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فقدمه فضرب عنقه وهو متعلق بأستار الكعبة [ ص: 171 ] فأنزل الله - عز وجل - لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد وذكر تمام الخبر .

قال أبو عمر :

قد قيل في ذي القلبين إنه جميل بن معمر الجمحي وقيل ذلك في رجل من بني فهر ، وروى محمد بن سليم بن الوليد العسقلاني عن محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ، وعليه عمامة سوداء ، وعنده بهذا الإسناد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ، وعلى رأسه المغفر ومحمد بن سليم هذا ، وإن لم يكن ممن يعتمد عليه ، فإنه قد تابعه على ذلك بهذا الإسناد الوليد بن مسلم ويحيى الوحاظي ومع هذا كله ، فإنه لا يحفظ عن مالك في هذا ( الإسناد ) إلا المغفر لا عمامة سوداء على ما في الموطإ ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء من حديث جابر من رواية مالك وغيره ، فأما حديث مالك [ ص: 172 ] فأخبرناه أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت إجازة كتب إلي بخطه وحدثنيه بعض أصحابنا ( عنه ) قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي القاضي قال : حدثنا أحمد بن إسماعيل قال : حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ، وعلى رأسه عمامة سوداء ، وهذا حديث غريب من حديث مالك ولم يقل فيه مالك عام الفتح ، وهو محفوظ من حديث جابر هذا :

أخبرنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد ( بن المسور ، قال : حدثنا ) محمد بن أحمد بن عثمان المدني ، قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : أخبرنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ، وعلى رأسه عمامة سوداء ، ولواؤه أبيض .

وحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا عفان [ ص: 173 ] قال : حدثنا حماد ( بن سلمة ) عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح ، وعلى رأسه عمامة سوداء .

قال أبو عمر :

ليس هذا ( عندي ) بمعارض لحديث ابن شهاب لأنه قد يمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفر ، فلا يتعارض الحديثان ، وقد روي عن داود بن الزبرقان عن معمر بن راشد ومالك بن أنس جميعا ، عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح مكة في رمضان ، وليس بصائم . وهذا اللفظ ليس بمحفوظ بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه ، وقد روى سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح غير محرم ، وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن علي المغنزلي وهذا لا يعرف هكذا إلا بهما ، وإنما هو في الموطإ عند جماعة الرواة من قول ابن شهاب قال : قال مالك : ( قال ابن شهاب : ) ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 174 ] يومئذ محرما , لم يرفعه إلى أنس .

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس ( بن مالك ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء ، وهو محرم ، وابن رواحة بين يديه ، وهو يقول :


خلوا بني الكفار عن سبيله قد أنزل الرحمن في تنزيله




بأن خير القتل في سبيله



ومما يدل على أن دخوله ( مكة ) عام فتح مكة ، وعلى رأسه المغفر خصوص له ، وأنها أحلت له ساعة من نهار ، ثم عادت إلى حالها : ما أخبرناه أبو الحسن محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي فيما كتب بإجازته إلي وأذن لي أن أرويه عنه ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن أعين قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا الحسن بن محمد بن أعين الحراني قال : حدثنا معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يحل لأحد أن يحمل بمكة سلاحا .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أحمد [ ص: 175 ] بن مفضل قال : حدثنا أسباط بن نصر قال : زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه ، قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم ( متعلقين ) بأستار الكعبة . عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله ، وأما مقيس بن حبابة فأدركه الناس وهو في السوق فقتلوه ، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا ، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما . قال : فجاء فأسلم .

وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح [ ص: 176 ] فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا ، كل ذلك يأبى ( فبايعه بعد ثلاث ) ثم أقبل على أصحابه فقال : أما رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟ فقالوا : ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك , ألا أومأت إلينا بعينك ؟ فقال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين .

وأخبرنا قاسم بن محمد ( قال ) : حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا محمد بن سنجر حدثنا أحمد بن مفضل حدثنا أسباط بن نصر قال : زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه ، قال : لما كان يوم فتح مكة ، فذكره سواء إلى آخره

التالي السابق


الخدمات العلمية