التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
417 مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه ، وأنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إنها تكون الظلمة والسيل والمطر ، وأنا رجل ضرير البصر [ ص: 227 ] فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى ، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أين تحب أن أصلي ، فأشار له إلى مكان من البيت ، فصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .


قال يحيى في هذا الحديث : عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد وهو غلط بين ، وخطأ غير مشكل ووهم صريح لا يعرج عليه ولهذا لم نشتغل بترجمة الباب عن محمود بن لبيد لأنه من الوهم الذي يدركه من لم يكن له بالعلم كبير عناية ، وهذا الحديث لم يروه أحد من أصحاب مالك ولا من أصحاب ابن شهاب إلا عن محمود بن الربيع ولا يحفظ إلا لمحمود بن الربيع وهو حديث لا يعرف إلا به ، وقد رواه عنه أنس بن مالك عن عتبان بن مالك . ومحمود بن لبيد ذكره في هذا الحديث خطأ ، والكمال لله ، والعصمة به لا شريك له .

وفي هذا الحديث من الفقه أن إمامة الأعمى جائزة ، وفيه أنه كان يجمع في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ذلك لعذر ، ومن هذا الباب قوله : ألا صلوا في الرحال ، والله أعلم .

[ ص: 228 ] وفيه التخلف عن الجماعة في المطر والظلمة لمن لم يطق المشي إليها ، أو تأذى به ، وفيه أن يخبر الإنسان عن نفسه بعاهة فيه ، وأن ذلك ليس من الشكوى ، وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووطئها وقام عليها ، وفي هذا دليل على صحة ما كان القوم عليه من صريح الإيمان ، وما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إلى ما دعاه إليه ما لم يكن إثما .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا علي بن عبد الحميد أبو الحسين المعنى ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : حدثنا محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال : أصابني في بصري بعض الشيء فقلت : يا رسول الله ، إنه قد أصابني في بصري بعض الشيء ، وإني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي ، فأتخذه مصلى . ففعل .

وأخبرني سعيد وعبد الوارث قالا : حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال : أخبرني مصعب بن عبد الله أن [ ص: 229 ] عتبان بن مالك شهد حنينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما ، وقال ابن البرقي هو عتبان بن مالك بن عمرو بن عجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج شهد بدرا فيما قاله عروة والزهري ولم يذكره ابن إسحاق في أهل بدر .

قال أبو عمر :

قد حدث ابن عيينة عن الزهري بحديث لعتبان بن مالك أنكره الشافعي وقال : حديث مالك هذا يرده :

حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال : حدثنا عبيد الله بن محمد قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة ، عن عائشة - إن شاء الله - عن عتبة بن مالك أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التخلف عن الصلاة ، قال : أتسمع النداء ؟ قال : نعم . فلم يرخص له . ( وهذا عندنا على الجمعة ، فلا تتعارض الأحاديث ، وحديث مالك لعتبان في الظلمة والسيل والمطر [ ص: 230 ] أثبت من حديث ابن عيينة ( وهو كما قال الشافعي رحمه الله ) .

وقد ذكرت طرق حديث عتبان بن مالك في باب حديث ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار في هذا الكتاب وسقت منها هناك ما يشفي الناظر فيه ، إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية