التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
30 [ ص: 412 ] حديث تاسع لابن شهاب ، عن سعيد ( بن المسيب ) مرسل

مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقرب مساجدنا يؤذينا بريح الثوم .


هكذا هو في الموطأ ، ثم جميعهم مرسل إلا ما رواه محمد بن معمر ، عن روح بن عبادة ، عن صالح بن أبي الأخضر ، ومالك بن أنس ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ( مرة ) موصولا ، وقد وصله معمر ويونس وإبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، فأما رواية معمر ، فذكرها عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أكل ( من ) هذه الشجرة يعني الثوم ، فلا يؤذينا في مسجدنا . وذكره ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب كذلك ( سواء ) مسندا .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا مسلة بن القاسم ، قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد ، قال : حدثنا فضل الأعرج ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني أبي ، عن ابن [ ص: 413 ] شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا يعني الثوم ، قال يعقوب : وذكر أبي ، عن أبيه أنه ذكر معه الكراث ، والبصل .

قال أبو عمر :

روى النهي عن أكل الثوم بألفاظ متقاربة المعاني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب وحذيفة ، وابن عمر ، وجابر ، وأنس ، وأبو سعيد ، والمغيرة بن شعبة ومعقل بن يسار وأم أيوب . فأما حديث ابن عمر فرواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر : من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم ، فلا يقربن مسجدنا . ذكره البخاري ، عن مسدد ، عن يحيى ، عن عبيد الله ، قال البخاري : وحدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، قال : سأل رجل أنس بن مالك ما سمعت ( من ) نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في الثوم ؟ فقال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقربنا ولا يصلين معنا .

وحدثنا عبد الله بن محمد [ ص: 414 ] قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقربن المساجد .

قال أبو عمر :

اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال بعضهم : إنما خرج النهي عن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل جبريل عليه السلام ونزوله فيه على النبي عليه السلام ، وقال آخرون - وهم الأكثرون - مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر المساجد غيره في ذلك سواء ، وملائكة الوحي في ذلك ( وغيرها ) سواء ( لأنه ) قد أخبر أنه يتأذى بنو آدم ، وقال : إن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم ، وقال : يؤذينا بريح الثوم ، ولا يحل أذى الجليس المسلم حيث كان .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من الفقه معرفة كون البقول والخضر بالمدينة ، فلما ( لم ) ينقل أحد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ منها الزكاة دل على أن الزكاة ساقطة عن الخضر ، وعما أخرجت الأرض غير القوت المدخر ، وقد أوضحنا هذه المسألة ، وذكرنا وجوهها ، واختلاف العلماء فيها في أول بلاغات مالك ، وذلك قوله : إنه بلغه عن سليمان بن يسار ( وبسر بن سعيد ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 415 ] قال فيما سقت السماء العشر . الحديث . وفي هذا الحديث ( أيضا ) من الفقه أن أكل الثوم ليس بمحرم ، لأن الحرام لا يقال فيه : من فعله فلا يفعل كذا - لشيء غيره ، لأن هذا لفظ إباحة لا لفظ منع ، وليس هذا من باب ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من شرب الخمر فليشقص الخنازير في شيء ، لأن شرب الخمر وتشقيص الخنازير كلاهما محرم .

وقد اختلف العلماء في أكل الثوم فذهبت طائفة من أهل الظاهر القائلين بوجوب الصلاة في الجماعة فرضا إلى تحريم أكل الثوم ( في وقت يوجد ريحه منه في المسجد ) وقالوا : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الثوم نهي تحريم ، فلا يجوز لأحد أكله ، لأنه لا يجوز لأحد التأخر عن صلاة الجماعة إذا كان قادرا على شهودها ، ولا يحل له التخلف عنها إذا سمع النداء بها مع الاستطاعة على المشي إليها ، قالوا : وكل منع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به كما أنه حرام على الإنسان فعل كل ما يمنعه من مشاهدة الجمعة ، واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 416 ] قد سماها خبيثة ، والله - عز وجل - قد وصف نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه يحرم الخبائث ، وذكروا حديث يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة ، فلا يقربن مسجدنا وقوله من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين ، فلا يقربن مساجدنا .

وذهب جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين من أهل الفقه والحديث إلى إباحة أكل الثوم لدلائل منها : حديث علي بن أبي طالب ، أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا إسرائيل عن مسلم الأعور ، عن حبة العرني ، عن علي - رضي الله عنه - قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نأكل الثوم ، وقال : لولا أن الملك ينزل علي لأكلته . فقد بان بهذا الحديث أنه ليس بمحرم وأنه مباح ، وأن النهي عنه إنما ورد من أجل أن الملك كان يتأذى به . ومنها ( أيضا ) حديث أبي سعيد الخدري ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم ، فلا يقربن مسجدنا ، ولا [ ص: 417 ] يأتينا يمسح جبهته ، قال : فقلت : يا أبا سعيد أحرام هي ؟ قال : ( لا ) إنما كرهها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل ريحها ، وهذا نص عن صاحب عرف مخرج النهي .

ومثله حديث جابر ذكره البخاري ( قال ) : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو عاصم ، قال : أنبأنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أكل من هذه الشجرة يريد الثوم ، فلا يغشانا في مساجدنا قلت : ما يعني به ؟ قال : ما أراه يعني إلا نيئه ، قال : وقال مخلد بن يزيد ، عن ابن جريج : إلا نتنه ، قال : وحدثنا سعيد بن عفير ، قال : حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن عطاء أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل ثوما ( أو بصلا ) فليعتزلنا ، أو فليعتزل مسجدنا ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا ، قال : فأخبر بما فيها من البقول فقال : قربوها إلى بعض أصحابه كان معه ، فلما رآه كره أكلها ، قال : كل ، فإني أناجي من لا تناجي .

قال أبو عمر :

هذا بين في الخصوص ( له ) والإباحة لمن سواه ، وهذا الحديث ذكره أبو داود ( قال ) : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن [ ص: 418 ] شهاب ، قال : حدثني ( عطاء ) بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل ثوما أو بصلا فذكره سواء إلى آخره ، قال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أنه ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثوم والبصل ، وقيل : يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كلوه ، ومن أكله منكم ، فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه . ومثل هذا أيضا حديث أم أيوب الأنصارية ، حدثنا سعيد بن نصر ( قال ) : حدثنا قاسم بن أصبغ ( قال ) : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ( قال ) : حدثنا الحميدي ( قال ) : حدثنا سفيان ، قال : حدثني عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : أخبرني أبي أن أم أيوب الأنصارية أخبرته ، قالت : نزل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلفنا له طعاما فيه بعض هذه البقول فكرهه ، وقال لأصحابه : إني لست كأحد منكم ، فإني أكره أن أوذي صاحبي . قال : قال سفيان : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقلت : يا رسول الله ، هذا الحديث الذي تحدث به أم أيوب عنك أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، قال : حق . ومثل هذا حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل الثوم ، ولا الكراث ، ولا [ ص: 419 ] البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ، ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام . رواه عبد الله بن يوسف ( والقعنبي ) وطائفة ، عن مالك ( في الموطأ هكذا . ورواه محمد بن إسحاق البكري ، عن يحيى بن يحيى النيسابوري ، عن مالك ) أنه قرأ عليه عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأكل الثوم ، ولا الكراث ، ولا البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ، وأنه يكلم جبريل عليه السلام . قال الدارقطني : هذا مما انفرد به محمد بن إسحاق البكري بهذا الإسناد ، وهو ضعيف ، وما جاء به وهم ، لأنه في الموطأ ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار مرسل . وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أنبأنا إسحاق بن منصور ، قال : أنبأنا يحيى ، عن ابن جريج ، قال : حدثنا عطاء ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أكل من هذه الشجرة ، قال أول يوم الثوم ، ثم قال : الثوم ، والبصل ، والكراث ، فلا يقربنا في مساجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سفيان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو الهلال ، قال : حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : أكلت ثوما ، فأتيت مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سبقت بركعة ، فلما دخلت المسجد وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريح الثوم ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ، قال : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقربنا حتى يذهب ريحها فلما قضيت الصلاة [ ص: 420 ] جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله والله لتعطيني يدك ( قال ) : فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري ، فإذا أنا معصوب ( الصدر ) فقال : إن لك عذرا ، قال أبو داود : وحدثنا مسدد ، قال : حدثنا الجراح أبو وكيع ، عن أبي إسحاق ، عن ( شريك بن حنبل ) عن علي ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الثوم إلا مطبوخا . وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا : حدثنا قاسم بن ( أصبغ ) قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق وبكر ، قالا : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو وكيع ، عن أبي إسحاق ، عن شريك بن حنبل عن علي ، فذكره .

قال أبو عمر :

( ففي ) هذه الأحاديث ، أوضح الدلائل على أن أكل الثوم ليس به بأس وأنه مباح ، وقد أكله جماعة من الصحابة والتابعين ، وأجاز أكله جمهور علماء المسلمين . أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره ، قال : أنبأنا أحمد بن خالد ، قال : أنبأنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا سعيد بن أبي صدقة . وقد ذكره أيوب ، عن محمد أن ابن عمر سئل عن [ ص: 421 ] الثوم والبصل فقال : اذهبوا واقطعوا عنكم ريحها بالنضج . وحدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع أن ابن عمر أصابه بهر زمن أذربيجان فنعت له الثوم فكنا ننظمه فنجعله في حساء له .

وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد ( بن ) الفضل الدينوري ، قال : حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ( عن الليث ) بن سعد ، عن يزيد بن الهادي ، قال : قلت لنافع : هل كان ابن عمر يأكل الثوم في اللحم ؟ قال : نعم فهذا ابن عمر قد روى الحديث في الثوم ، وكان يأكله فدل على أنه قد علم المراد ، وعرف المقصد .

أخبرنا خلف بن القاسم أنبأنا أحمد بن محمد بن أبي الموت حدثنا أبو صالح ، حدثنا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عبيد ، عن نعيم بن سلامة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فوجدته يأكل ثوما مسلوقا بماء وملح وزيت .

ولو ذكرنا الآثار عن العلماء في ذلك لطولنا وأمللنا ، والأمر الواضح لا [ ص: 422 ] وجه للتطويل فيه .

وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن حضور الجماعة ليس بفرض ، لأنه لو كان فرضا ما كان أحد ليباح له ما يحبسه عن الفرض ، وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن شهود الجماعة ، وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا وبالله عصمتنا ، ألا ترى أن الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين كل ما يحبس عنها من بيع وقعود ورقاد وصلاة ، وكل ما يشتغل به المرء عنها ، وكذلك من كان ( من أهل المصر ) حاضرا فيه لا عذر له في التخلف عن الجمعة ، أنه لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها فلو كانت الجماعة فرضا لكان أكل الثوم في حين وقت الصلاة حراما ، وقد ثبتت إباحته فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض ، والله أعلم .

وإنما حضورها سنة وفضيلة ، وعمل بر ، ومما يدل على أن حضور الجماعة ليس بفرض قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حضر العشاء ، وسمعتم الإقامة بالصلاة ، فابدءوا بالعشاء . وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يقرب ( مسجدنا ، أو ) مساجدنا ، لأنه يؤذينا بريح الثوم ، وإذا كانت العلة من المسجد أنه يتأذى [ ص: 423 ] به ففي القياس أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم في المسجد مستطيلا ، أو كان ذا ريحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته ، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه ، وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد ، وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول ، فإذا زالت بإفاقة أو توبة ، أو أي وجه زالت ، كان له مراجعة المسجد ، وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم - رحمه الله - أفتى في رجل شكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشور فيه ، فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنه . وأن لا يشاهد معهم الصلاة إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول ، فاستدل بحديث الثوم ، وقال : هو عندي أكثر أذى من آكل الثوم ، وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد ، وذكر الحديث أنه كان إذا وجد من أحد ريح ثوم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج عنه وربما أبعد حتى يبلغ به البقيع .

أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 424 ] شعيب ، قال : أنبأنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب ، قال : إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين ، هذا البصل والثوم ، ولقد رأيت نبي الله إذا وجد ريحها من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلها فليمتهما طبخا . فهذا عمر بن الخطاب يجيز أكل البصل والثوم مطبوخين على حسبما ذكرنا ، وهذا هو الصحيح في هذا الباب ، والله الموفق للصواب .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : حدثنا قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني ، عن معدان بن أبي طلحة العمري أن عمر قام على المنبر يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر الحديث بمعنى ما تقدم سواء إلى آخره . وروى جرير بن عبد الحميد وزهير بن معاوية ، عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : لما افتتحت خيبر أكلوا من الثوم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أكل من هذه البقلة الخبيثة ، فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها من فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية