التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 5 ] ابن شهاب عن عروة بن الزبير بن العوام ، خمسة عشر حديثا ، منها واحد مرسل .

هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ، قد ذكرنا نسب أبيه في الصحابة ، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، يكنى أبا عبد الله ، وكان أحد العشرة الفقهاء من تابعي أهل المدينة ، وهم : سعيد ، وأبو سلمة ، وعروة ، والقاسم ، وسالم ، وأبو بكر ، وعبيد الله ، وسليمان ، وخارجة ، وقبيصة .

وكان عروة أحفظهم كلهم ، وأغزرهم حديثا ; روي عنه أنه قال : أدركت حصار عثمان ( بن عفان ) وكان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة ، وولد سنة ست وعشرين من الهجرة .

قال مصعب الزبيري : بشر عبد الله بن الزبير بأخيه عروة بن الزبير ، مقدمه من إفريقية ، وذلك سنة ست وعشرين ( من الهجرة ) واستصغر حين خرجوا يوم الجمل ، فرد من الطريق هو وأبو بكر بن عبد الرحمن ، ومات عروة سنة أربع أو خمس وتسعين ، وهو ابن تسع وستين سنة ، وقيل ( بل ) مات عروة سنة إحدى ومائة .

[ ص: 6 ] حكى هذه الجملة الواقدي ، ومصعب ( الزبيري ) ويحيى بن معين ذكر الحلواني ، قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، قال : استصغرنا يوم الجمل فرددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : وحدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : وجدت عروة بن الزبير بحرا لا تكدره الدلاء ، قال : وحدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : قلت ليحيى بن سعيد : إن ابن شهاب قال : وجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء ، فقال يحيى : أما أعلمهم بالسنن وأقضية عمر بن الخطاب فابن المسيب ، وأما أكثرهم حديثا فعروة بن الزبير ، قال : وحدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال : تزوج عروة فأرادوه على أن يفطر فأبى ، وكان يسرد الصوم فأرادوه على الخلوق فأبى ، فلما نام خلقوه وهو نائم ، قال أيوب : وكان عروة إذا دخل أرضه قال : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله .

وروينا أن عروة قدم على الوليد بن عبد الملك في الشام فأصابته الأكلة في رجله فقطعها ، وهو عند الوليد ولم يتحرك ولا نطق ، ولم يشعر الوليد بها حين قطعت حتى كويت ، فوجد رائحة الكي وبقي بعد ذلك ثماني سنين ، واحتفر بالمدينة بئرا يقال لها : بئر عروة ، [ ص: 7 ] ليس بالمدينة بئر أعذب منها ، وذكر عباس عن ابن معين قال : حدثني الأصمعي قال : أخبرني مالك عن الزهري قال : سألت ابن صعير عن شيء من الفقه ، وكنت أتعلم منه النسب ، فقال : ألك بذا حاجة ؟ عليك بهذا الشيخ ، وأشار إلى سعيد بن المسيب ، فجالسته سبع سنين لا أحسب أن عالما غيره ، ثم تحولت إلى عروة بن الزبير ففجرت به بحرا ، وروينا عن ابن شهاب أيضا أنه قال : كنت أطلب العلم من ثلاثة ; سعيد بن المسيب ، وكان أفقه الناس ، وعروة بن الزبير وكان بحرا لا تكدره الدلاء ، وكنت لا تشاء أن تجد عند عبيد الله طريقة من علم لا تجدها عند غيره إلا وجدتها .

وذكر ابن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة قال : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ فقال : أما أفقههم فقها ، وأعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقضايا أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأعلمهم بما مضى عليه الناس فسعيد بن المسيب ، وأما أغزرهم حديثا فعروة ، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بحرا إلا فجرته .

وحدثني خلف بن القاسم قال : حدثنا ابن المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا القواريري قال : حدثنا يوسف بن الماجشون قال : حدثنا ابن شهاب ، قال : كنت إذا حدثني عروة ، ثم حدثتني عمرة [ ص: 8 ] زاد ذلك عندي صدقا حديث عروة بحديث عمرة ، فلما تبحرتهما إذا عروة بحر لا ينزف .

وحدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن عيسى قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثني يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة قال : كان أبي يقول : سلوني إذا خلوت ، وكان يعجب من حفظي ، والله ما تعلمنا منه جزءا من ألفي جزء من حديثه .

قال هشام : وما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر أبي إلا بخير .

قال أبو عمر : خرج عروة من المدينة ، وترك سكناها ، فعوتب في ذلك ، فذكر ما ذكرناه ( عنه ) في كتاب ( بيان العلم ) .

[ ص: 9 ] قال الواقدي : توفي في أمواله بمجاج بناحية الفرع ، ودفن هناك . ( وقال غيره : توفي بقصره بالعقيق ) وقال ( عبد الله ) بن نمير : توفي علي بن الحسين ، وسعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير سنة أربع وتسعين .

قال الواقدي : فكان يقال : سنة الفقهاء ، وكان عالما عابدا يسرد الصوم حافظا ، حريصا على نشر العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية