التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
940 [ ص: 198 ] حديث عاشر لابن شهاب عن عروة .

عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل منهما حتى يحل منهما جميعا قالت : فقدمت مكة ، وأنا حائض فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انقضي رأسك وامتشطي ، وأهلي بالحج ودعي العمرة ، قلت : ففعلت ، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال : هذه مكان عمرتك ، فطاف الذين بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين كانوا أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا .


روى هذا الحديث يحيى في الموطأ عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ( هكذا قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث ، حرفا بحرف ) ثم أردفه بحديث [ ص: 199 ] مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ( ولم يذكر في إسناد ابن شهاب عن عروة عن عائشة أكثر من قوله : بمثل ذلك عطفا على حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ( كما ذكرنا لفظه ، وسياقته هنا ) وهذا شيء لم يتابع يحيى عليه أحد من رواة الموطأ ( فيما علمت ) ولا غيرهم عن مالك ، أعني إسناد عبد الرحمن بن القاسم في هذا المتن ، وإنما رواه أصحاب مالك كلهم ، كما ذكرنا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة إلى قوله : وأما الذين كانوا أهلوا بالحج فلم يذكروه وقالوا : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، ورووا كلهم ، ويحيى معهم عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت : قدمت مكة ، وأنا حائض فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت .

[ ص: 200 ] ( وسنذكر هذا الحديث في باب عبد الرحمن ، ونذكر الاختلاف في ألفاظه عن مالك وغيره هناك إن شاء الله ، فحصل ليحيى حديث هذا الباب بإسنادين ، ولم يفعل ذلك أحد غيره ، وإنما هو عند جميعهم عن مالك بإسناد واحد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ، وهو المحفوظ المعروف عن مالك وسائر رواة ابن شهاب .

ومن الرواة عن مالك في غير الموطأ طائفة اختصرت هذا الحديث [ ص: 201 ] عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، فجاءت ببعضه وقصرت عن تمامه ، ولم تقم بسياقته ، منهم : عبد الرحمن بن مهدي ، وأبو سعيد مولى بني هاشم ، وموسى بن داود ، وإبراهيم بن عمر بن أبي الوزير أبو المطرف ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ( ذكر ذلك الدارقطني .

وكذلك رواه عبد الله بن وهب ، وألفاظهم أيضا مع اختصارهم للحديث مختلفة ، فلفظ حديث ابن مهدي بإسناده ، عن عائشة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين طافوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، والذين قرنوا طافوا طوافا واحدا .

ولفظ حديث أبي سعيد مولى بني هاشم بإسناده عن عائشة قالت : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين لبوا من مكة لم يطوفوا حتى رجعوا من منى . ولفظ ( حديث ) موسى بن داود ( ، عن مالك ) بإسناده عن عائشة ( قالت ) : إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة . ولفظ ابن وهب حين اختصره ، قال : أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهللت بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أهلي بالحج ، ودعي العمرة " .

فلما قضينا الحج أرسلني رسول [ ص: 202 ] الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر فاعتمرت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذه مكان عمرتك
.

( فهذه رواية ابن وهب المختصرة لهذا الحديث ) ، وقد رواه بتمامه كما رواه سائر رواة الموطإ .

وكل من رواه عن مالك بتمامه أو مختصرا ، لم يروه عنه إلا بإسناد واحد عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة إلا يحيى ( صاحبنا ) ، فإنه رواه بإسنادين عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة فأعضل .

قال أبو عمر : ذكر أبو داود حديث ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة هذا عن مالك ، وذكر البخاري في موضع من كتابه عن مالك ، وفي موضع آخر عن عبد الله بن يوسف التنيسي ، عن مالك .

ورواية القعنبي أتم ، وليس في شيء منها ما ذكره يحيى أيضا من قول عائشة ، وأما الذين أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا ، وإنما في روايتهم كلهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة .

[ ص: 203 ] فإنما طافوا طوافا واحدا ، ولم يذكروا الذين أهلوا بالحج ، وذكره يحيى بالإسناد الذي ذكرنا ثم عطف عليه ما وصفنا .

وقال أبو داود في بعض النسخ بأثر حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قال : وكذلك رواه إبراهيم بن سعد ، ومعمر ، عن ابن شهاب نحوه ، ولم يذكرا طواف الذين أهلوا بالعمرة ، وذكرا طواف الذين جمعوا الحج والعمرة .

قال أبو عمر : فأما حديث معمر فذكره عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام ( حجة ) الوداع ، فأهللت بعمرة ، ولم أكن سقت الهدي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من كان معه هدي فليهل بحج مع عمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا . فحضت ، فلما دخلت ليلة عرفة ، قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني كنت ( قد ) أهللت بعمرة ، فكيف أصنع بحجتي ؟ فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأمسكي عن العمرة ، وأهلي بالحج ، فلما قضيت الحج أمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرني من التنعيم مكان عمرتي التي سكت عنها .

( هكذا ذكره عبد الرزاق لم يذكر فيه طواف الذين أهلوا بعمرة ، ولا طواف الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة ) .

[ ص: 204 ] وأما حديث إبراهيم بن سعيد فحدثنا سعد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، قال : حدثنا ( سليمان ) بن داود الهاشمي ، قال : أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة قالت : أهللت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن حجة الوداع بعمرة ، وكنت ممن تمتع ، ولم يسق الهدي ، فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة .

فقالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا يوم عرفة ، ولم أطهر بعد ، وكنت تمتعت بالعمرة ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، وأمسكي عن العمرة " .

قالت : ففعلت ، حتى إذا قضيت حجتي ، ونفر الناس ، أمر عبد الرحمن بن أبي بكر ليلة الحصبة ، فأعمرني من التنعيم مكان عمرتي التي سكت عنها
. ( ورواه ابن عيينة فاختصره ، ولكنه جوده .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان أخبرنا قاسم : حدثنا الخشني : حدثنا محمد بن أبي عمر : حدثنا سفيان ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة أنها قالت : أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج ، وأهل به ناس ، وأهل ناس بالعمرة ، وكنت فيمن أهل بالعمرة .

قال أبو عمر : هذا يفسر رواية مالك في هذا الحديث عن عائشة قالت : خرجنا [ ص: 205 ] مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة . أنها إنما أرادت نفسها ، لا رسول الله .

وكذلك روى عنها القاسم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ) .

قال أبو عمر : مالك أحسن ( الناس ) سياقة لهذا الحديث عن ابن شهاب ، وفي حديثه معان قصر عنها غيره ، وكان أثبت الناس في ابن شهاب - - رحمه الله - .

وفي حديثه هذا عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة من الفقه أن التمتع جائز ، وأن الإفراد جائز ، وأن القران جائز ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي كلا ، ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه ، بل أجازه لهم ورضيه .

واختلف العلماء في ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( به محرما ) يومئذ ، وفي الأفضل من الثلاثة الأوجه .

فقال منهم قائلون - منهم مالك - رحمه الله - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ مفردا ، والإفراد أفضل من ( القران والتمتع ، قال : والقران أفضل من التمتع ) .

وروى مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج .

واحتج أيضا من ذهب مذهب مالك ( في ذلك ) بما رواه ابن عيينة ، وغيره ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة في هذا الحديث ، قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من [ ص: 206 ] أراد أن يهل ( بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل ) بحج وعمرة فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ، قالت عائشة : فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج ، وأهل به ناس معه ، وذكر الحديث .

وكذلك رواه جماعة عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة سواء ، وقالوا فيه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأما أنا فأهل بالحج .

وهذا نص في موضع الخلاف ، وهو حجة من قال بالإفراد وفضله ، وقد روى الدراوردي ( ، عن جعفر بن محمد ) ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد بالحج .

وروى الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : أقبلنا مهلين بحج ( مفردا ) .

وروى الحميدي أيضا عن الدراوردي ، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج . وقد روى هذا الحديث أيضا عن مالك ، عن علقمة بإسناده مثله .

حدثنا به من طريق أبي مصعب ، عن مالك ، وليس في الموطإ كذلك ، وروى عباد بن عباد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : أهللنا مع [ ص: 207 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج مفردا .

وذكر المزني ، عن ابن عمر مثله ( سواء ، وحكى محمد بن الحسن ، عن مالك أنه قال : إذا جاء عن النبي - عليه السلام - حديثان مختلفان ، وبلغنا أن أبا بكر ، وعمر عملا بأحد الحديثين ، وتركا الآخر ، كان في ذلك دلالة على أن الحق فيما عملا به ) .

واستحب أبو ثور الإفراد أيضا ، وفضله على التمتع والقران ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة ، والأوزاعي ، وعبد الله بن الحسن ، وهو أحد قولي الشافعي أن الإفراد أفضل ، وهو أشهر قوليه عنه ، وروى ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان وعائشة وجابر .

واستحب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج وقالوا : ذلك أفضل ، وهو مذهب عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وابن الزبير ، وعائشة أيضا ، وبه قال أحمد بن حنبل .

وهو أحد قولي الشافعي كان الشافعي يقول : الإفراد أحب إلي من التمتع ( ثم القران ) ، وقال في البويطي : التمتع أحب إلي من الإفراد ومن القران .

واحتج القائلون بتفضيل التمتع بحديث معمر ، عن أيوب ، قال : قال عروة ، لابن عباس : ألا تتقي الله ؟ [ ص: 208 ] ترخص في المتعة ؟ ! فقال ابن عباس : سل أمك يا عرية . فقال عروة : أما أبو بكر ، وعمر فلم يفعلا . فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، نحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحدثونا عن أبي بكر ، وعمر ! . وبحديث الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق الهدي معه من ذي الحليفة .

وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج
.

قال عقيل : قال ابن شهاب : وأخبرني عروة ، عن عائشة بمثل خبر سالم عن أبيه في تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج ، ذكره البخاري ، عن ابن بكير ، عن الليث .

واحتجوا أيضا بحديث سعد بن أبي وقاص في المتعة صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنعناها معه .

وبحديث عمران بن حصين ، قال : تمتعنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعة الحج .

وبحديث سعيد بن المسيب ، عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتع ، رواه شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد ، ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد .

وبحديث مالك ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما شأن الناس حلوا ( بعمرة ) ، ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر [ ص: 209 ]

وسيأتي القول في حديث حفصة هذا في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله .

واحتجوا أيضا بما حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : إني لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج ؟ فقال ابن عمر : حسن جميل . قال : فإن أباك كان ينهى عنها ! فقال : ويلك ، فإن كان أبي ينهى عن ذلك ، فقد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به ، أفبقول أبي آخذ ، أم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! ( قم عني . ) .

وقال عبد الله بن شريك : تمتعت فسألت ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير فقالوا : لسنة نبيك .

وقال شعبة ، عن أبي حمزة : تمتعت فنهاني عنها أناس ، فسألت ابن عباس فقال : سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - يعني التمتع .

واحتجوا بآثار كثيرة يطول ذكرها منها حديث الثوري ( عن ليث ) ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : تمتع رسول الله صلى الله [ ص: 210 ] عليه وسلم حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، وعثمان حتى مات ، وأول من نهى عنها معاوية .

قال أبو عمر : حديث ليث هذا منكر ، وهو ليث بن أبي سليم ضعيف .

والمشهور عن عمر ، وعثمان أنهما كانا ينهيان عن التمتع ، وإن كان جماعة من أهل العلم قد زعموا أن المتعة التي نهى عنها عمر ، وضرب عليها فسخ الحج في عمرة ، فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا .

وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى عنه لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام .

وقال آخرون : إنما نهى عنها عمر ; لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته ، فخشي أن يضيع الإفراد والقران ، وهما سنتان للنبي - صلى الله عليه وسلم - .

وذكر معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : سئل ابن عمر عن متعة الحج ، فأمر بها ، فقيل له : إنك لتخالف أباك ، فقال : إن عمر لم يقل الذي تقولون ، إنما قال عمر : أفردوا الحج من العمرة ، فإنه أتم للعمرة ، أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي .

وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج ، فجعلتموها أنتم حراما ، وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله ، وعملها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا أكثروا عليه ، قال : كتاب الله بيني وبينكم ، كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر ؟ .

[ ص: 211 ] واحتج ( أحمد ) بن حنبل في اختيار التمتع بقوله - صلى الله عليه وسلم - لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ، والأحاديث في التمتع كثيرة جدا .

وقال آخرون : القران أفضل ، وهو أحب إليهم ، منهم أبو حنيفة والثوري ، وبه قال المزني صاحب الشافعي ( قال ) : لأنه يكون مؤديا للفرضين جميعا .

وهو قول إسحاق ( قال إسحاق ) : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع قارنا ، وهو قول علي بن أبي طالب .

وقال أبو حنيفة : ( القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد ) وقال أبو يوسف : القران والتمتع سواء ، وهما أفضل من الإفراد .

واحتج من استحب القران وفضله بآثار ، منها حديث عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، وهو بوادي العقيق : أتاني الليلة آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل عمرة في حجة .

رواه الأوزاعي ، وعلي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس سمع عمر سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك .

وحدثنا ( الصبي ) بن معبد ، عن عمر بن الخطاب قال الصبي : أهللت بالحج والعمرة [ ص: 212 ] جميعا فلما قدمت على عمر ذكرت ذلك له ، فقال : هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .

وهو حديث كوفي جيد الإسناد ، ورواه الثقات الأثبات عن أبي وائل ، عن الصبي بن معبد ، عن عمر ، ومنهم من يجعله عن أبي وائل ، عن عمر .

رواه هكذا عن أبي وائل عن عمر الحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، وعاصم بن أبي النجود ، وسيار أبو الحكم ، ورواه الأعمش ، ومنصور ، وعبدة بن أبي لبابة ، عن أبي وائل ، عن الصبي بن معبد ، عن عمر ، وهؤلاء جودوه ، وهم أحفظ ، ورواه عن الصبي ، مسروق ، وأبو وائل .

ومنها حديث حفصة الذي قدمنا ذكره . ومنها حديث أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لبيك بحجة وعمرة معا .

ورواه حميد الطويل ، وحبيب بن الشهيد ، عن بكر المزني ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعا .

قال بكر : فحدثت بذلك ابن عمر فقال لي بالحج وحده ، فلقيت أنسا ، فحدثته فقال : ما تعدوننا إلا صبيانا ، أنا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لبيك بحجة وعمرة معا .

وهذا الحديث يعارض ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( تمتع ) وفيهما نظر ، ويخرج على مذهب ابن عمر في التمتع أنه لبى بالحج وحده من مكة .

وقد روى معمر ، وغيره عن أيوب [ ص: 213 ] عن أبي قلابة ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل بحجة وعمرة معا .

وروي عن أنس من وجوه ، ومنها ما رواه قتادة ، عن مطرف ، عن ( عمران ) بن حصين أنه قال ( له ) : إني أحدثك حديثا لعل الله ينفعك به ; اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين حج وعمرة ، ولم ينزل فيهما كتاب ، ولم ينه عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال فيهما رجل برأيه .

وهذا قد تأوله جماعة على التمتع ، وقالوا إنما أراد عمر بقوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين حج وعمرة ; أي أنه جمع بينهما في سفرة واحدة ، وحجة واحدة .

وقد روي ( عن عمران ) ما يعضد هذا التأويل ، روى الحسن ، وأبو رجاء ، عن عمران بن حصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ، وفعلناها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنه حتى مات ، قال رجل ( بعد ) برأيه ما شاء .

ومنها رواية شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن حسين ، عن مروان بن الحكم ، قال : شهدت عثمان ، وعليا بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهى أن يجمع بين الحج والعمرة .

( قال ) فلما [ ص: 214 ] رأى ذلك علي لبى بهما جميعا ، فقال : لبيك بحج وعمرة معا ، فقال له عثمان : تراني أنهى عنهما وتفعلها ، فقال علي : لم أكن لأدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- .

وهذا يحتمل أن يكون ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح ذلك فصار سنة .

قال أبو عمر : التمتع والقران ( والإفراد ) كل ذلك جائز بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد مضى القول في معنى نهي عمر عن التمتع بما فيه بيان لمن فهم .

ولم يكن تمتع ، ولا قران في شيء من حج الجاهلية ، وإنما كانوا على الإفراد ، وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور . لا خلاف بين أهل العلم والسير في ذلك .

والإفراد أفضل إن شاء الله ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مفردا فلذلك قلت إنه أفضل ; لأن آثاره أصح عنه في إفراده - صلى الله عليه وسلم - ولأن الإفراد أكثر عملا ثم العمرة عمل آخر ، وذلك كله طاعة ، والأكثر منها أفضل .

وأما قول عائشة في حديثها في هذا الباب حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة عنها قالت فقدمت مكة ، وأنا حائض فلم أطف [ ص: 215 ] بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ففيه بيان أن الحائض لا تطوف بالبيت ، وأن الطواف لا يجوز على غير طهارة .

وذلك حجة على أبي حنيفة وأصحابه الذين يجيزون الطواف ، ويرون على من طاف غير طاهر من جنب أو حائض دما ، ويجزيه طوافه .

وعند مالك ، والشافعي ، لا يجزيه ، ولا بد من إعادته ، وحجتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة حين حاضت . اصنعي كل ما يصنع الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ، .

وأنه قال في صفية : أحابستنا هي ؟ قيل : إنها قد طافت ، قال : فلا إذن ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله عز وجل أحل فيها النطق ، وقال : لا صلاة إلا بطهور .

ومن حجة أبي حنيفة أن الإحرام ، وهو ركن من أركان الحج يجوز بغير طهارة ، ويستحب أن يكون على طهارة ، فكذلك الطواف بالبيت .

وأما قولها فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، فإن جماعة من أصحابنا تأولوا قوله : " ودعي العمرة " ودعي عمل العمرة [ ص: 216 ] يعني الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة .

وكذلك تأولوا في رواية من روى " واسكتي عن العمرة " ، ورواية من روى " امسكي عن العمرة " أي امسكي عن عمل العمرة ، لا أنه أمر برفضها ، وابتداء الحج ، وإنشائه كما زعم العراقيون .

وقال العراقيون : قوله في هذا الحديث : انقضي رأسك ، وامتشطي يدفع تأويل من تأول ما ذكرنا .

قال أبو عمر : أجمع العلماء على لا يسعى بين الصفا والمروة حتى يطوف بالبيت .

وأما المعتمرة يأتيها حيضها قبل أن تطوف بالبيت ، ويدركها يوم عرفة وهي حائض ، لم تطف ، والمعتمر يقدم مكة ليلة عرفة فيخاف فوات عرفة إن طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، فإن العلماء اختلفوا في هؤلاء .

فقال مالك في الحائض المعتمرة تخشى فوات عرفة : أنها تهل بالحج ، وتكون كمن قرن الحج والعمرة ابتداء ، وعليها هدي ، ولا يعرف مالك رفض الحج ، ولا رفض العمرة لمن أحرم بواحد منهما .

وقوله : إن الإنسان إذا عقد على نفسه الإحرام فلا يحل منه حتى يؤديه ويتمه ، وبقول مالك في هذه المسألة قال الأوزاعي ) ( والشافعي ) وأبو ثور ، وإبراهيم بن علية في الحائض ، وفي المعتمر يخاف فوات عرفة قبل أن يطوف ، قالوا : ولا يكون إحلاله بالحج نقضا للعمرة ، ويكون قارنا ، .

وحجتهم قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله , ودفعوا [ ص: 217 ] حديث عروة هذا ، وقالوا : هو غلط ووهم لم يتابع عروة على ذلك أحد من أصحاب عائشة .

وقال بعضهم : إنما كانت عائشة يومئذ مهلة بالحج ، ولم تكن مهلة بعمرة كما قال عروة ، قالوا : وإذا كانت مهلة بالحج سقط في رفض العمرة ; لأنها لم تكن مهلة ) .

قالوا : وقد روت عمرة ، عن عائشة والقاسم بن محمد ، عن عائشة والأسود بن يزيد ، عن عائشة ما يدل ( على ) أنها بحجة لا بعمرة .

وذكروا حديث يحيى بن سعيد ، عن عمرة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة ، لا نرى إلا أنه الحج ، أو لا نرى إلا الحج هكذا رواه مالك ، وسليمان بن بلال ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم عن يحيى بن سعيد .

وكذلك ( روى ) منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى إلا ( أنه ) الحج .

وروى حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة قالت : لبينا بالحج حتى إذا كنا بسرف حضت [ ص: 218 ] فدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي فقال : ما يبكيك يا عائشة ؟ فقلت حضت ، ليتني لم أكن حججت يا رسول الله . فقال : سبحان الله ! إنما هو شيء كتبه الله على بنات آدم ، انسكي المناسك كلها ، غير أن لا تطوفي بالبيت . فلما دخلنا مكة ، وذكر باقي الحديث .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، فذكره .

ففي هذا الحديث عن عائشة : لبينا بالحج ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها حين شكت إليه حيضتها : انسكي المناسك كلها غير الطواف ، وهذا واضح أنها كانت حاجة مهلة بالحج ، والله أعلم .

وأخبرنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : أخبرنا أبو ثابت : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن أفلح بن حميد .

وأخبرنا سعيد بن نصر أيضا ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن عائشة - وهذا لفظ حديث حاتم ، وهو أتم معنى ، وبعض حديثهما دخل في بعض - أنها قالت :

خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج في أشهر الحج وأيام الحج ، حتى قدمنا سرف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : من لم يكن منكم ساق هديا فأحب [ ص: 219 ] أن يحل من حجه بعمرة فليفعل . قالت عائشة : فالآخذ بذلك من أصحابه والتارك .

وفي حديث عثمان بن عمر ، وكان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ناس من أصحابه الهدي ، فلم تكن لهم عمرة ، - ثم رجع إلى حديث حاتم - قال : فلم يحلوا .

( قالت ) : فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، وقد أهللت بالحج ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : حرمت العمرة ، لست أصلي قال : إنما أنت امرأة من بنات آدم ، كتب الله عليك ما كتب عليهن ، فكوني على حجك ، وعسى الله أن يرزقكها وذكر تمام الحديث .

ألا ترى إلى قولها في هذا الحديث : وقد أهللت بالحج ، وقوله : فكوني على حجك ، وقولها في حديث حماد بن سلمة : لبينا بالحج في أشهر الحج ، فهذه الألفاظ مع ما تقدم من قولها في رواية الحفاظ أيضا " خرجنا لا نرى إلا الحج " دليل على أنها لم تكن معتمرة ، ولا مهلة بعمرة ، كما زعم عروة ، والله أعلم .

فإذا لم تكن كذلك فكيف يأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برفض عمرة ، وهي محرمة بحجة لا بعمرة . قال : إسماعيل بن إسحاق : قد اجتمع [ ص: 220 ] هؤلاء يعني القاسم ، وعمرة ، والأسود على الرواية التي ذكرنا ، فعلمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط ، ويشبه أن يكون الغلط إنما وقع فيه ، أنها لم يمكنها الطواف بالبيت ، وأن تحل بعمرة كما فعل من لم يسق الهدي .

فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تترك الطواف ، وتمضي على الحج ، فتوهموا بهذا المعنى أنها كانت معتمرة ، وأنها تركت عمرتها ، وابتدأت الحج .

قال : وكيف يجوز لإنسان أن يترك عمرته أو حجه ، والله يقول وأتموا الحج والعمرة لله فأمر بإتمام ما دخل فيه من ذلك .

قال : فإذا حاضت المعتمرة ، وحضر يوم عرفة ، وخافت فوات الحج أدخلت الحج على العمرة ، وصارت قارنة .

وكذلك الرجل إذا أهل بالعمرة ثم خاف فوات عرفة أهل بالحج ، وأدخل الحج على العمرة ، وصار قارنا ، كما يفعل من لا يخاف فوات عرفة سواء ، وعليه الهدي للقران .

قال أبو عمر : وقال أيضا بعض من يأبى رفض العمرة للحائض محتجا لمذهبه : قد روى ابن شهاب ، وهشام بن عروة ( ، عن عروة ) ، عن عائشة أنها قالت : يومئذ كنت مهلة بعمرة .

وهؤلاء حفاظ لا يدفع [ ص: 221 ] حفظهم واتقاؤهم ، وقد صرحوا عنها بأنها كانت مهلة بعمرة .

ووافقهم جابر على ذلك من رواية الثقات عنه ، وذكر في حديثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل ، وتهل بالحج ، فتكون قارنة ، مدخلة للحج على عمرتها ، إذ لم يمكنها الطواف بالبيت لحيضها ، وخشيت فوات عرفة .

قالوا : " وليس في رواية من روى عن عائشة كنا مهلين بالحج وخرجنا لا نرى إلا الحج " بيان لأنها كانت هي مهلة بالحج ، وإنما هو استدلال ; لأنه يحتمل أن تكون أرادت بقولها خرجنا ; تعني خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مهلين بالحج تريد بعض أصحابه أو أكثر أصحابه ، والله أعلم .

وليس الاستدلال المحتمل للتأويل كالصريح ، وقد صرح جابر بأنها كانت مهلة يومئذ بعمرة كما قال عروة عنها ، قالوا : والوهم الذي دخل على عروة ( والله أعلم ) إنما كان في قوله : انقضي رأسك ، وامتشطي ، ودعي العمرة ، وأهلي بالحج .

أخبرنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من أراد منكم أن يهل بالحج فليهل ، ومن أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل .

قالت عائشة : وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج ، وأهل به ناس معه ، وأهل ناس بالحج والعمرة ، وأهل ناس بالعمرة ، وكنت ممن أهل بالعمرة .

قال سفيان : ثم غلبني الحديث ، فهذا الذي حفظت منه ، [ ص: 222 ] فهذا واضح في أنها كانت مهلة بعمرة .

( أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا البخاري : حدثنا محمد : حدثنا أبو معاوية : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين لهلال ذي الحجة ، فقال لنا : " من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل ، ومن أحب أن يهل بعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة " . قالت : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة ، وكنت ممن أهل بعمرة ، فأظلني يوم عرفة وأنا حائض ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج " .

فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم ، فأهللت بعمرة مكان عمرتي
) .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن أبي دليم ، وعبد الله بن محمد بن علي قالا : حدثنا عمر بن حفص بن غالب ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين لهلال ذي الحجة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحب منكم أن يهل بعمرة فليفعل ، فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة .

قالت عائشة : فأهل [ ص: 223 ] بعض أصحابه بعمرة ، وبعضهم بحجة ، وكنت أنا ممن أهل بعمرة ، قالت : فأدركتني عرفة وأنا حائض
( فذكر الحديث ) .

وكذلك رواه حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، والدراوردي ، وجماعة عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثله .

وقال مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهللنا بعمرة .

وقال معمر : عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ( خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللت بعمرة ) .

وقال إبراهيم بن سعد : عن الزهري ، عن عروة عن عائشة قالت : أهللت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بعمرة .

وروى ابن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن عائشة أقبلت مهلة بعمرة ، حتى إذا كانت بسرف عركت ، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ قالت : حضت ، ولم أحلل ، ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون الآن إلى الحج .

قال : فإن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج . ففعلت ، ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت ، طفت [ ص: 224 ] بالكعبة ، والصفا والمروة . ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك هكذا .

قال : فقلت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، فقال : اذهب يا عبد الرحمن ، فأعمرها من التنعيم . وذلك ليلة الحصبة
.

هكذا قال ابن وهب في هذا الحديث بإسناده عن جابر ، أن عائشة أقبلت مهلة بعمرة ، ثم قال فيه : قد حللت من حجك وعمرتك .

وحدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني أبو الزبير ، عن جابر ، قال : أقبلنا مهلين بحج مفرد ، وأقبلت عائشة مهلة بحجة وعمرة ، حتى إذا كنا بسرف عركت ، وذكر الحديث .

وفيه : فإن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي ثم أهلي بحج . وليس في شيء من حديث جابر ، ودعي العمرة ، ولا انقضي رأسك ، وامتشطي .

قالوا : فالوجه عندنا في حديثها أنها كانت مهلة بعمرة ، فلما حاضت وخافت فوت عرفة ، أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تهل بالحج مدخلة له على العمرة .

وإذا كان هكذا ، فليس فيه ما يخالف قول الله تبارك وتعالى وأتموا الحج والعمرة لله لأنها تكون قارنة [ ص: 225 ] ويكون عليها حينئذ دم لقرانها ، وهذا ما لا خلاف في جوازه .

فالوهم الداخل على عروة في حديثه هذا إنما هو في قوله : انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ، ودعي العمرة .

قال أبو عمر :

قد روى حماد بن زيد أن هذا الكلام لم يسمعه عروة في حديثه ذلك من عائشة ، فبين موضع الوهم فيه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، ، وإبراهيم بن شاكر ، قالا : أخبرنا ( محمد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ) قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين هلال ذي الحجة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شاء أن يهل بحج فليهل ، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل .

فمنا من أهل بحج ، ومنا من أهل [ ص: 226 ] بعمرة ، حتى إذا كنت بسرف حضت ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، فقال : ما شأنك ؟ فقلت : وددت أني لم أخرج العام . وذكرت له محيضها
.

قال عروة : فحدثني غير واحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : دعي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وافعلي ما يفعل الحاج المسلمون في حجهم .

قالت : فأطعت الله ورسوله ، فلما كانت ليلة الصدر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر فأخرجها إلى التنعيم ، فأهلت ( منه ) بعمرة
.

ففي رواية حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة في هذا الحديث علة اللفظ الذي عليه مدار المخالف في النكتة التي بها يستجيز رفض العمرة ; لأنه كلام لم يسمعه عروة من عائشة ، وإن كان حماد بن زيد قد انفرد بذلك ؛ فإنه ثقة فيما نقل ، وبالله التوفيق .

قال أبو عمر :

الاضطراب عن عائشة في حديثها ( هذا ) في الحج عظيم ، وقد أكثر العلماء في توجيه الروايات فيه ، ودفع بعضهم بعضا ببعض ، ولم يستطيعوا الجمع بينها .

ورام قوم الجمع بينها في بعض معانيها ، وكذلك أحاديثها في الرضاع مضطربة أيضا ( وقال بعض العلماء في أحاديثها [ ص: 227 ] في الحج والرضاع ، إنما جاء ذلك من قبل الرواة ، وقال بعضهم : بل جاء ذلك منها ، فالله أعلم .

وروى محمد بن عبيد ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : ألا تعجب من اختلاف عروة ، والقاسم ؟ ! قال القاسم : أهلت عائشة بالحج ، وقال عروة : أهلت بعمرة .

وذكر الحارث بن مسكين ، عن يوسف بن عمر ، عن ابن وهب ، عن مالك ، أنه قال في حديث عروة ، عن عائشة في الحج : ليس عليه العمل عندنا قديما ، ولا حديثا .

ولا ندري ، أذلك كان ممن حدثه أو من غيره ؟ غير أنا لم نجد أحدا من الناس أفتى بهذا .

قال أبو عمر :

يريد مالك أنه ليس عليه العمل في رفض العمرة ; لأن العمل عليه عنده في أشياء كثيرة ، منها : أنه جائز للإنسان أن يهل بعمرة ، ويتمتع بها .

ومنها : أن القارن يطوف طوافا واحدا ، وغير ذلك مما فيه ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله .

[ ص: 228 ] وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : المعتمرة الحائض إذا خافت فوت عرفة رفضت عمرتها وألغتها ، وأهلت بالحج ، وعليها لرفض عمرتها دم ثم تقضي عمرة بعد .

وحجتهم في ذلك حديث ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة وحديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في حديثها المذكور في هذا الباب : " دعي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج " .

قالوا : ولا يقاس بالزهري ، وعروة أحد في الحفظ والإتقان .

فقالوا : وكذلك روى عكرمة ، عن عائشة ، وابن أبي مليكة ، عن عائشة .

وزيادة مثل الزهري وهؤلاء مقبولة ، وقد زادوا ، وذكروا ما قصر عنه غيرهم وحذفه ، وليس من قصر عن ذكر شيء ولم يذكره بحجة على من ذكره . قال عبد الرزاق : ذكرت للثوري ما حدثنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال علي - رضي الله عنه - إذا خشي المتمتع فوتا ؛ أهل بحج في عمرته ، وكذلك الحائض المعتمرة تهل بحج في عمرتها .

قال : وحدثنا هشام ، عن الحسن مثله ، وعن طاوس ( مثله ) ، فقال الثوري : لا نقول بهذا ، ولا نأخذ به ، ونأخذ بحديث عائشة ونقول : عليها لرفض عمرتها دم .

قال أبو عمر : ليس في حديث عروة ، عن عائشة - وهو الذي أخذ به الثوري - ذكر دم ، لا من رواية الزهري ، ولا من رواية غيره ، بل قال فيه هشام بن عروة : ولم يكن في شيء ( من ذلك دم . ذكر ذلك أنس بن عياض وغيره عن هشام بن عروة في حديثه هذا ) .

ومن حجة الثوري ، ومن قال بقوله في رفض العمرة قول عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( حينئذ ) : يا رسول الله ، يرجع صواحبي بحج وعمرة ، وأرجع أنا بالحج ؟ ولو كانت قارنة ، قد أدخلت على عمرتها حجا ، لم تقل ذلك [ ص: 229 ] والله أعلم .

ولذلك أمر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم ، فتعتمر منه مكان العمرة التي رفضتها ، وهذا القول قد دفعناه فيما مضى من هذا الباب ، وإنما يؤخذ هذا اللفظ من حديث القاسم بن محمد ، عن عائشة .

رواه أيمن بن نابل عنه ، والقاسم يقول عنها أنها أهلت بحج لا بعمرة ، وليس في حديثه رفض عمرة ، وقد يوجد معنى حديث القاسم هذا ، عن الأسود ، عن عائشة ، والقول في ذلك واحد ; لأنه يلزم من صحح هذا أن يصحح أنها كانت مهلة بحج مفرد فيبطل عليه أصله في رفض العمرة .

وقد روى ابن جريج ، عن عطاء ، وأبي الزبير ، عن عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني أجد في نفسي من عمرتي أن لم أكن طفت ، قال : فاذهب يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم .

وهذا يدل على أنها كانت قد أدخلت الحج على عمرتها ، ولم تطف لذلك إلا طوافا واحدا ، فأحبت أن تطوف طوافين ، كما طاف من صواحبها من تمتع ، وسلم من الحيض حتى طاف بالبيت ، والله أعلم .

وفي حديثنا المذكور في هذا الباب أيضا من الفقه على مذهب مالك ، والشافعي ، ومن دفع رفض العمرة إدخال الحج على العمرة ، وهو شيء لا خلاف فيه بين العلماء ما لم يطف المعتمر بالبيت ، أو يأخذ في [ ص: 230 ] الطواف .

واختلفوا في إدخال العمرة على الحج ، فقال مالك : يضاف الحج إلى العمرة ، ولا تضاف العمرة إلى الحج .

قال : فمن فعل ذلك ، فليست العمرة بشيء ، ولا يلزمه لذلك شيء ، وهو حاج مفرد ، وكذلك من أهل بحجة ، فأدخل عليها حجة أخرى ، أو أهل بحجتين ، لم تلزمه إلا واحدة ، ولا شيء عليه ، وهذا كله قول الشافعي ، والمشهور من مذهبه .

وقال ببغداد : إذا بدأ فأهل بالحج ، فقد قال بعض أصحابنا : لا يدخل العمرة عليه ، والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر ، فهما سواء .

وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : من أضاف إلى حج عمرته ، لزمته ، وصار قارنا ، وقد أساء فيما فعل .

وقال أبو حنيفة : من أهل بحجتين أو عمرتين لزمتاه ، وصار رافضا لإحداهما ( حين يتوجه إلى مكة .

وقال أبو يوسف : تلزمه الحجتان ، ويصير رافضا لإحداهما ساعتئذ .

وقال محمد بن الحسن بقول مالك ، والشافعي ; تلزمه الواحدة إذا أهل بهما جميعا ، ولا شيء عليه .

وقال أبو ثور : إذا أحرم بحجة فليس له أن يضم إليها عمرة ، ولا يدخل إحراما على إحرام كما لا يدخل صلاة على صلاة .

وفيه أيضا أن القارن يجزيه طواف واحد ( وسعي واحد ) ، وبهذا قال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور وهو مذهب [ ص: 231 ] عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وعطاء بن أبي رباح ، وقول الحسن ، ومجاهد ، وطاوس .

وحجة من قال بهذا القول حديث مالك هذا عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، وفيه قالت : إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين جمعوا الحج والعمرة إنما طافوا طوافا واحدا .

فإن قيل : إن من روى هذا الحديث عن ابن شهاب لم يذكر ( هذا فيه ) من قول عائشة قيل له : إن تقصير من قصر عنه ليس بحجة على من حفظه ، ومالك أثبت الناس عند الناس في ابن شهاب ، وقد ذكره مالك " وحسبك به " .

ومن حجتهم أيضا حديث الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من جمع الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد ، وسعي واحد .

فإن قيل الدراوردي غلط في هذا الحديث فرفعه ، وإنما هو حديث موقوف ، كذلك رواه كل من رواه عن عبيد الله ، وكذلك رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا .

قيل لهم : قد روى أيوب بن موسى ، وأيوب السختياني ، وإسماعيل بن أمية والليث بن سعد ، وموسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : لما خرج إلى مكة معتمرا مخافة حصر قال : ما شأنهما إلا واحد ، أشهدكم أني قد أوجبت إلى عمرتي حجة ، ثم تقدم فطاف لهما طوافا واحدا ، وقال : هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقد ذكرنا الطرق عن هؤلاء في هذا الحديث في باب نافع ، والحمد لله .

[ ص: 232 ] ومن حجتهم أيضا حديث ابن أبي نجيح ، عن عطاء عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : إذا إلى مكة فإن طوافك يجزيك لحجتك وعمرتك .

ومن حجتهم أيضا حديث أبي الزبير ، عن جابر ، رواه الليث ، وابن جريج ، وغيرهما عن أبي الزبير ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة : طوفي بالبيت ، وبين الصفا والمروة ثم قد حللت من حجك وعمرتك .

وروى رباح بن أبي معروف ، عن عطاء ، عن جابر أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزيدوا على طواف واحد ، وروى منصور بن أبي الأسود ، عن عبد المالك ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت طوافا واحدا لحجته وعمرته .

قال أبو عمر :

هذا الحديث خطأ ، والله أعلم ; لأن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا أو متمتعا ، وهو مختلف فيه عن عطاء ، إلا أنه يشبه مذهب ابن عمر ، وهو معروف من مذهب ابن عباس في التمتع .

[ ص: 233 ] وقال الثوري ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح : على القارن طوافان وسعيان .

وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وهو قول الشعبي ، وجابر بن زيد ، وعبد الرحمن بن الأسود .

وروى سعيد بن منصور ، عن هشام ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن زياد بن مالك ، عن علي ، وعبد الله قالا في القارن : يطوف طوافين ، ويسعى سعيين .

وروى منصور ، عن إبراهيم ، ومالك بن الحارث ، عن أبي نصر السلمي ، قال : أهللت بالحج ، فأدركت عليا فقلت له : إني أهللت بالحج ، أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة ؟ قال : لا ، لو كنت أهللت بعمرة ، ثم أردت أن تضيف إليها حجا ضممته .

قال : قلت : كيف أصنع إذا أردت ذلك ؟ قال : تصب عليك إداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعا ، وتطوف لكل واحد منهما طوافا .

ورواه شعبة ، والثوري ، عن منصور وروى الأعمش هذا الحديث عن إبراهيم ، ومالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن أذينة ، قال : سألت عليا فذكره .

وردوا حديث عطاء ، عن عائشة ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : طوافك يجزيك لحجك وعمرتك .

بأن عروة روى عنها انقضي رأسك ، وامتشطي ، ودعي العمرة ، وأهلي بالحج قالوا : فكيف [ ص: 234 ] يكون طوافها في حجتها التي أحرمت بها بعد ذلك يجزئ عنها من حجتها تلك ، ومن عمرتها التي رفضتها وتركتها ؟ ! هذا محال .

وزعموا أن حديث عطاء ، عن عائشة لم يتابع عليه ابن أبي نجيح .

وأن حديث عطاء ، عن جابر رواه أبو الزبير ، عن جابر فجعله في السعي قال : لم يطف النبي - عليه السلام - ، وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا .

وسنزيد القول في إدخال العمرة على الحج ، وفي طواف القارن بيانا في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء الله .

وفي قول عائشة في حديث مالك ، وأما الذين أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج ، والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا ، دليل على أن الحاج يجزيه في حجه إن كان مفردا أو قارنا طواف واحد ، ويقضي بذلك فرضه ، فإن جعل الطواف يوم النحر ، ووصله بالسعي ، لم يكن عليه شيء في ترك طواف القدوم غير الدم ، وإن كان معذورا في تركه لم يأثم .

والطواف الموصول بالسعي في حين دخول مكة لمالك وأصحابه في نيابته عن طواف الإفاضة مذهب نذكره في باب نافع ، إن شاء الله

التالي السابق


الخدمات العلمية