التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1279 [ ص: 235 ] حديث حادي عشر لابن شهاب ، عن عروة .

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها ، وهو عمها من الرضاعة ، بعد أن نزل الحجاب ، قالت : فأبيت أن آذن له ، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بالذي صنعت ، فأمرني أن آذن له ( علي ) .


قال أبو عمر : في هذا الحديث دليل على أن احتجاب النساء من الرجال لم يكن في أول الإسلام ، وأنهم كانوا يرون النساء ، ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم إلا بمثل ما كان يستتر رجالهم عن رجالهم ، حتى نزلت آيات الحجاب .

وكان سبب نزولها فيما قال أهل العلم بالتفسير والسير ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع طعاما ، ودعا إليه أصحابه ( في هداء زينب ) وذلك في بيت أم سلمة ، فلما أكلوا ، أطالوا الحديث ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويخرج ، ويستحي منهم .

فأنزل الله عز وجل ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه يقول : غير منتظرين ومتحينين وقته ; يعني [ ص: 236 ] وقت الطعام ، ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب .

وأنزل الله عز وجل ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، وقرئت حتى " تستأذنوا " .

ثم نزلت ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن فأمر النساء بالحجاب ، ثم أمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، وهو القناع ، وهو عند جماعة العلماء في الحرائر دون الإماء .

وفيه أيضا أن ذوي المحارم من النسب ، والرضاع لا يحتجب منهم ، ولا يستتر عنهم إلا العورات ، والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة ; بدليل أنها لا يجوز لها كشفه في الصلاة ، وقبل الرجل ودبره عورة مجمع عليها .

وقد ذكرنا اختلاف الناس في الفخذ من الرجل ( في غير هذا الموضع ) ، وبينا معاني العورة في باب ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وفي باب صفوان بن سليم ، وذكرنا هناك من يلزم المرأة الاستتار عنه ، وزدنا ذلك بيانا في باب هشام بن عروة .

وجرى من هذا المعنى ذكر . في الباب الذي يلي هذا لابن شهاب .

وأوضحنا في باب صفوان بن سليم المعنى في الاحتجاب ، والاستئذان على ذوات [ ص: 237 ] المحارم جملة ، وما يحل لذي المحرم أن يراه من ذات محارمه ، وما يحل من ذلك للعبيد : الذكور ، والإماء ، والحمد لله .

وذكر إسماعيل بن إسحاق : حدثنا علي بن المديني : حدثنا سفيان ، قال : سمعناه من الزهري ، عن نبهان أنه كان يقود بأم سلمة بعيرها ، فسألته : كم بقي عليك من كتابتك ؟ فقال : ألف درهم . قالت : فهي عندك ؟ قال : نعم . قالت : فأعطها فلانا - قال علي : قد سماه سفيان فذهب من كتابي - .

وألقت الحجاب ، وقالت : عليك السلام ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان لإحداكن مكاتب عنده ما يؤدي ، فلتحتجب منه
) . وفيه أن لبن الفحل يحرم ، وهذا موضع اختلف فيه الصحابة والتابعون ، وفقهاء المسلمين ، ومعنى لبن الفحل : تحريم الرضاع من قبل الرجال .

مثال ذلك المرأة ترضع العربي ، فيكون ابنها ابن رضاعة بإجماع العلماء ، ويكون كل ولد لتلك المرأة إخوته ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين .

وبه نزل القرآن فقال : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وسواء كان رضاعهم في زمن واحد ، أو واحدا بعد واحد من المرأة الواحدة ، هم كلهم إخوة رضاع [ ص: 238 ] بإجماع .

واختلفوا في زوج المرأة المرضعة ، هل يكون أبا للطفل ؟ بأنه كان سبب اللبن الذي به أرضع ، وهل يكون ولده من غير تلك المرأة إخوة الرضيع أم لا ؟ .

فقال جماعة من أهل العلم : إن زوج تلك المرأة أب لذلك العربي ; لأن اللبن له ، وبسببه ومنه ، وكل ولد لذلك الرجل من تلك المرأة ، ومن غيرها فهم إخوة الصبي المرضع ، وهذا موضع التنازع .

وفي حديث عائشة هذا بيان تحريم الرضاع من قبل الرجال ; لأن أفلح المستأذن عليها لم يكن بينه وبين أبي بكر الصديق رضاع ، ولو كان أبو بكر قد رضع مع أفلح هذا امرأة واحدة ، لم تحجبه عائشة .

وما كانت عائشة ولا مثلها ممن يخفى عليه مثل هذا ، ولكن لما علمت أنه ليس بأخ لأبيها من الرضاع حجبته .

وكانت امرأة أخيه أبي القعيس قد أرضعتها ، فصارت أمها من الرضاع ، وزوجها أبو القعيس أبا لها .

فلهذا ما صار أخو أبي القعيس عمها ، ولم تعلم أن الرجال يكون الرضاع واللبن من قبلهم أيضا ، فحجبته حتى أعلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ألا ترى مراجعتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عنها إذ قالت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل ؟ تقول : إن هذا الرجل ليس أخا للمرأة التي أرضعتني ، وإنما هو أخو زوجها ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه عمك ، ومن ادعى أن أبا القعيس كان رضيع أبي بكر الصديق فقد كابر ، ودفع الآثار ، والله المستعان .

[ ص: 239 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي - عليه السلام - أنها قالت :

استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس بعدما نزل الحجاب ، فقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أخا أبي القعيس ليس هو الذي أرضعني ، ولكن أرضعتني المرأة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيذني له ، فإنه عمك ، تربت يمينك .

قال عروة : فلذلك كانت عائشة تقول : حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب .

قال ابن شهاب : فنرى ذلك يحرم منه ما يحرم من النسب .

أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن ( عمرو ) قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ( ، عن عائشة ) قالت :

جاء عمي من الرضاعة بعد ما ضرب علينا الحجاب ، فقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : جاء عمي من الرضاعة ، فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك ، قال : " فليلج " فقلت : إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل ، فقال [ ص: 240 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه عمك ، فليلج عليك وكانت تقول : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت الزهري يحدث ، عن عروة ، عن عائشة أنها ، قالت :

جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس فاستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب ، فلم آذن له ، فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته فقال : إنه عمك ، فأذني له .

قال الحميدي : قال سفيان : وحدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( مثله ) ، وزاد فيه أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة لم يرضعني الرجل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تربت يمينك ، هو عمك ؛ فأذني له .

وقد ذكر معمر هذه الزيادة في حديثه هذا عن ابن شهاب ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها ، فقال : إني [ ص: 241 ] عمك . فأبت أن تأذن له فلما دخل عليها النبي - عليه السلام - ذكرت ذلك له فقال النبي - عليه السلام - : أفلا أذنت لعمك ؟ . قالت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل قال : فأذني له فإنه عمك تربت يمينك .

( وقد رواه بعض أصحاب ابن عيينة عنه ، عن ابن شهاب مثل رواية معمر ) قال : وكان أبو القعيس أخا زوج المرأة التي أرضعت عائشة .

وقال معمر : وأخبرني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة نحوه .

وقد رواه عراك بن مالك ، عن عروة فأوضح المعنى فيه ، وبين المراد منه أيضا .

حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا أحمد بن دحيم ، وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن حبابة قالا : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم ، عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة قالت :

استأذن علي أفلح [ ص: 242 ] بن أبي قعيس فلم آذن له ، فقال لي : إني عمك ، أرضعتك امرأة أخي ( بلبن أخي ) . قالت : فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صدق هو عمك فأذني له .

وممن قال لبن الفحل يحرم ، والرضاع من قبل الرجل ، كهو من قبل النساء عروة بن الزبير ، وابن شهاب وطاوس وعطاء ، ومجاهد ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد .

واختلف فيه ، عن القاسم بن محمد ، والحسن البصري ، وهو مذهب ابن عباس ، وروى مالك ، عن ابن شهاب ، عن عمرو بن الشريد ، قال : سئل ابن عباس ، عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية ، وأرضعت الأخرى غلاما ، هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا ؛ اللقاح واحد .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، وابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يحرم لبن الفحل ، وبهذا قال مالك ( بن أنس ) والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور .

وحجتهم ما قدمنا من حديث عائشة في قصة أبي القعيس ، وهو مذهب ابن عباس وأصحابه ، وعائشة رضي الله عنهم ( على اختلاف عنها ) .

وذكر إسماعيل القاضي ، عن ابن أبي أويس ، قال : قال مالك : وقد اختلف في أمر الرضاعة من قبل الأب ، ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر ، وابن أبي حبيبة ، فاستفتوا في ذلك [ ص: 243 ] فاختلف الناس عليهم ( فأما ابن المنكدر ، وابن أبي حبيبة ) ففارقوا نساءهم .

وروى سحنون ، عن ابن القاسم ، عن مالك مثله ، وزاد ، وقد اختلف فيه اختلافا شديدا .

قال أبو عمر : وممن قال أن لبن الفحل ليس بشيء ، ولا يحرم شيئا سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وأخوه عطاء بن يسار ، ومكحول ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، والحسن البصري على اختلاف عنه ، والقاسم بن محمد على اختلاف عنه ، وأبو قلابة ، وإياس بن معاوية .

وهو قول داود ، وابن علية ، وقضى به عبد الملك بن مروان ، وكان يقول : إن الرجل ليس من الرضاعة في شيء .

وروي ذلك ، عن ابن عمر ، وجابر بن عبد الله كل هؤلاء يقول لا بأس بلبن الفحل ، ولا يحرم شيئا ، ولا تكون الرضاعة من قبل الرجال ( بحال ) .

وحجتهم أن عائشة كانت تفتي بخلاف حديث أبي القعيس روى ذلك عنها القاسم بن محمد من رواية مالك وغيره .

وذلك أن القاسم ، قال : كانت عائشة تأذن لمن أرضعته أخواتها ، وبنات أخيها ، ولا تأذن لمن أرضعه نساء إخوتها ، ونساء بني أخيها .

وروى مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها كانت تدخل عليها من أرضعته أخواتها ، وبنات أخيها ، ولا تدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها .

وروى محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ، قال : قدم الزهري المدينة في أول خلافة هشام فذكر أن عروة كان يحدث ، عن عائشة أن أبا القعيس جاء يستأذن [ ص: 244 ] على عائشة ، وقد أرضعتها امرأة أخيه ، فأبت أن تأذن له ، فزعم عروة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فهلا أذنت له ؟ فإن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة .

ففزع أهل المدينة لذلك ، فذكر محمد بن عمرو أنه جاء عبد الرحمن بن القاسم فسأله ، فقال : أشهد على القاسم بن محمد لكان يحدثنا أن عائشة كانت تأذن لمن أرضع أخواتها ، وبنات أخيها ( عليها ) ، ولا تأذن لمن أرضع نساء أخيها ، وبني أخيها .

( حدثنا عبد الوارث : حدثنا قاسم : حدثنا ابن وضاح : حدثنا يحيى بن جابر من أهل القيروان قال : حدثنا عبد الله بن فروخ ، عن هاشم بن حسان ، عن محمد بن سيرين أنه سئل عن لبن الفحل فقال : يكرهه ناس من الفقهاء ، ولا يكرهه آخرون ، وكان من كرهه أحب إلي ممن لم يكرهه .

قال : وحدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا مصعب بن ماهان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد أنه كان يكره لبن الفحل .

قال : وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا مصعب ، عن سفيان ، عن عباد بن منصور ، عن القاسم بن محمد ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، والحسن بن أبي الحسن أنهم كرهوا لبن الفحل .

قال : وحدثنا أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد أنه كان يكره لبن الفحل ) .

[ ص: 245 ] ووجدت في كتاب أبي بخطه - رحمه الله - : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن سلمة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، قال : سألت سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وعطاء بن يسار ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن ، عن لبن الفحل فقالوا : ما كان من الرضاع من قبل الرجال ؛ فإنه لا يحرم شيئا .

قال : وحدثنا أحمد بن سلمة ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا أيوب السختياني ، قال : أول ما سمعت بلبن الفحل وأنا بمكة فجعل إياس بن معاوية يقول : وما بأس هذا ؟ ! ومن يكره هذا ؟ .

قال : فلما قدمت البصرة ذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال : نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه ، فمنهم من كرهه ، ومنهم من لم يكرهه ، ومن كرهه في أنفسنا أفضل ممن لم يكرهه .

وممن كرهه القاسم بن محمد قال ( ابن وضاح ) : وحدثنا يحيى بن جابر : حدثنا عبد الله بن فروخ ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين في لبن الفحل فقال : من كرهه أحب إلينا ممن لم يكرهه .

قال : وحدثنا محمد بن رمح ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد أن واقد بن عبد الله كان له أخ من مزينة من الرضاعة ، فأرضعت امرأة المزني ابنة لعبد الله بن عبد الله بن عمر ، فتزوجها واقد بن عبد الله ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر إذ ذاك حيان ( لا [ ص: 246 ] ينكران .

قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بلبن الفحل بأسا .

قال : وحدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، قال : لا بأس بلبن الفحل ؛ فإن قال قائل : حديث أبي القعيس مضطرب ، يقول فيه الزهري : أفلح أخو أبي القعيس ، وهو المستأذن ، وقال محمد بن عمرو : إن أبا القعيس كان ذلك .

وقال الحكم بن عتيبة ، عن عراك بن مالك ، عن عروة أفلح بن أبي القعيس وهذا اضطراب ، قيل له : هذا اضطراب لا يمنع من القول بالحديث ; لأن المعنى المقصود بالحديث ، والمراد منه متفق عليه في الأثر ، وهو أن المستأذن من كان منهما فزوجة أخيه المرضعة لعائشة وصيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك عما لها .

وسواء سمي أو لم يسم ، وجائز أن يكون أفلح أخا أبي القعيس ، وابن أبي القعيس ; لأنه جائز أن يكون أبو القعيس بن أبي القعيس ، وليس في رواية ابن شهاب ، وعراك ( بن مالك ) ما يتدافع .

وأما قول محمد بن عمرو أن أبا القعيس فأظنه وهما ، وابن شهاب فيما نقل من ذلك لا يقاس به غيره في حفظه ، وإتقانه ، فلا حجة فيما [ ص: 247 ] نزع به هذا القائل .

وكذلك لا حجة في حديث القاسم ، عن عائشة ; لأن لها أن تأذن لمن شاءت من ذوي محارمها وتحجب من شاءت ، ولو صح عنها هذا وذاك لكان المصير إلى السنة أولى ; لأن السنة لا يضرها من خالفها ، والمصير إليها أولى .

كما صار من خالفها في هذه المسألة إلى ما روته في فرض الصلاة وقصرها ، ولم يصر إلى إتمامها ( هي ) في السفر ، ونحن لا نعلم أن عائشة حجبت من حجبت ممن جرى ذكره في حديث القاسم إلا بخبر واحد ( ، عن واحد ) .

وبمثل ذلك علمنا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة أبي القعيس فوجب علينا العمل بالسنة إذا نقلها العدول ، ولم يجز لنا تركها بغير سنة فافهم .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق حديث أبي القعيس ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب رواه سعيد بن المسيب ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( ورواه مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن سليمان بن يسار وعن عروة ، عن عائشة ) .

ورواه أيضا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 248 ] قال أحمد بن المعذل : كل من لحقه الولد بشبهة في وطء أو نكاح ( صحيح ) فاللبن ( له ) يحرم من قبله ، وكل من لم يلحقه الولد ، ولم يقع له درؤه بشبهة ، فليس بأب ولا فحل مراعى لبنه ; لأنه لا يراعى له نسب فكيف رضاع ؟ ! .

قال : وسمعت عبد الملك يقول ذلك يعني ابن الماجشون ، قال : ولو كانت جارية ما حرمت عليه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر فقطع النسب .

وسيأتي ذكر لبن الذي يطأ امرأته وهي ترضع في باب أبي الأسود إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية