التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
472 [ ص: 272 ] حديث ثالث عشر لابن شهاب ، عن عروة .

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها ، فكدت أعجل عليه ، ثم أمهلته حتى انصرف ، ثم لببته بردائه ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ " . فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هكذا أنزلت " ثم قال : اقرأ فقرأت فقال : " هكذا أنزلت " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما يتيسر منه .


قال أبو عمر : لا خلاف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه ، وعبد الرحمن بن عبد القاري قيل : إنه مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه وهو صغير ، وتوفي سنة ثمانين ، وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، يكنى أبا محمد ، والقارة فخذ من كنانة ، وقد ذكرناه في القبائل من كتاب الصحابة ، والحمد لله .

ورواه معمر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن المسور ، وعبد الرحمن بن عبد القاري جميعا سمعا عمر بن الخطاب يقول : مررت بهشام بن حكيم ( بن حزام ) وهو يقرأ سورة الفرقان [ ص: 273 ] في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعت قراءته ، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكدت أساوره ، فنظرت حتى سلم ، فلما سلم لببته بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي أسمعك تقرؤها ؟ قال : أقرأنيها رسول الله ، قال : قلت له : كذبت ، فوالله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهو أقرأني هذه السورة .

قال : فانطلقت أقوده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، وأنت أقرأتني سورة الفرقان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرسله يا عمر ، اقرأ يا هشام " فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها ، فقال النبي - عليه السلام - " هكذا أنزلت " ثم قال : " اقرأ يا عمر " ، فقرأت القراءة التي أقرأنيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " هكذا أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه
.

وهكذا رواه يونس ( وعقيل ) وشعيب بن أبي حمزة ، وابن أخي ابن شهاب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن المسور ، وعبد الرحمن بن عبد القاري جميعا ، سمعا عمر بن الخطاب . . . . الحديث .

ففي رواية معمر تفسير لرواية مالك في قوله يقرأ سورة الفرقان ; لأن ظاهره السورة كلها أو جلها ، فبان في رواية معمر أن ذلك في حروف منها بقوله : يقرأ على حروف كثيرة .

وقوله : يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئنيها ، وهذا مجتمع عليه أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته [ ص: 274 ] كلها أن يقرأ على سبعة أحرف ، ولا شيء منها ، ولا يمكن ذلك فيها ، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أحرف إلا قليلا مثل : وعبد الطاغوت و " تشابه علينا " ، و " بعذاب بئيس " ، ونحو ذلك ، وذلك يسير جدا ، وهذا بين واضح يغني عن الإكثار فيه .

وقد اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كبيرا ، فقال الخليل بن أحمد : معنى قوله " سبعة أحرف " سبع قراءات ، والحرف ههنا القراءة .

وقال غيره : هي سبعة أنحاء ، كل نحو منها جزء من ( أجزاء ) القرآن ، خلاف للأنحاء غيره .

وذهبوا إلى أن كل حرف منها هو صنف من الأصناف ( نحو قول الله عز وجل ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية ، وكان معنى الحرف الذي يعبد الله عليه ( هو ) صنف من الأصناف ) ، ونوع من الأنواع التي يعبد الله عليها ، فمنها ما هو محمود عنده تبارك اسمه ، ومنها ما هو بخلاف ذلك . ؟

فذهب هؤلاء في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف ( إلى أنها سبعة ) أنحاء ، وأصناف فمنها زاجر ومنها آمر ، ومنها حلال ، ومنها ( حرام ، ومنها ) محكم ، ومنها متشابه ، ومنها أمثال .

واحتجوا [ ص: 275 ] بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

حدثناه محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني حيوة بن شريح ، عن عقيل بن خالد ، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان الكتاب الأول نزل من باب واحد ، على وجه واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب ، على سبعة أوجه : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعتبروا بأمثاله ، وآمنوا بتشابهه ، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا .

وهذا حديث عند أهل العلم لا يثبت ; لأنه يرويه حيوة ، عن عقيل ، عن سلمة هكذا .

ويرويه الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سلمة بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا .

وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود ، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به .

[ ص: 276 ] وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده ، وقد رده قوم من أهل النظر ، منهم أحمد بن أبي عمران ، قال : من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد ، محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو يكون حلالا لا ما سواه ; لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أو حرام كله ، أو أمثال كله .

ذكره الطحاوي ، عن أحمد بن أبي عمران سمعه منه ، وقال : هو كما قال ابن أبي عمران ، قال : واحتج ابن أبي عمران بحديث أبي بن كعب أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اقرإ القرآن على حرف فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف الحديث .

وقال قوم : هي سبع لغات في القرآن مفترقات على لغات ( العرب ) كلها يمنها ونزارها ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجهل شيئا منها ) ، وكان قد أوتي جوامع الكلم .

وإلى هذا ذهب أبو عبيد في تأويل هذا الحديث قال : ليس معناه أن يقرأ القرآن على سبعة أوجه ، هذا شيء غير موجود ، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات مفترقة في جميع القرآن ، من لغات العرب ، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة ، والثاني بلغة [ ص: 277 ] قبيلة أخرى سوى الأولى ، والثالث بلغة أخرى سواهما ، كذلك إلى السبعة قال : وبعض الأحياء أسعد بها ، وأكثر حظا فيها من بعض . وذكر حديث ابن شهاب ، عن أنس أن عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف ما اختلفتم أنتم وزيد ( فيه ) ، فاكتبوا بلسان قريش ؛ فإنه نزل بلسانهم .

وذكر حديث ابن عباس أنه قال : نزل القرآن بلغة الكعبيين : كعب قريش ، وكعب خزاعة ، قيل ( وكيف ذلك ؟ قال : لأن ) الدار واحدة ، قال أبو عبيد : يعني أن خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم ، وذكر أخبارا قد ذكرنا أكثرها في هذا الكتاب ، والحمد لله .

وقال آخرون : هذه اللغات كلها السبعة إنما تكون في مضر ، واحتجوا بقول عثمان : نزل القرآن بلسان مضر ، وقالوا : جائز أن يكون ( منها ) لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لتميم ، ومنها لضبة ، ومنها لقيس ، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب .

وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر ، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر .

وقالوا في مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها ، مثل كشكشة قيس ، وعنعنة تميم ، فأما كشكشة قيس فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا [ ص: 278 ] ( فيقولون ) في قد جعل ربك تحتك سريا " جعل ربش تحتش سريا " ، وأما عنعنة تميم فيقولون في أن : عن فيقولون : " عسى الله عن يأتي بالفتح " ، وبعضهم يبدل السين تاء فيقول في الناس : النات ، وفي أكياس أكيات ، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها ، ولا يحفظ عن السلف فيه شيء منها .

وقال آخرون : أما بدل الهمزة عينا ، وبدل حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء ، وقد قرأ به الجلة ، وقد احتجوا بقراءة ابن مسعود ليسجنه عتى حين ، وبقول ذي الرمة :


فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولونك إلا عنها غير عاطل

.

يريد إلا أنها غير .

أخبرنا عبد الله بن محمد ( قال : حدثنا محمد ) بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده أنه كان عند عمر بن الخطاب ، فقرأ رجل : " من بعد ما رأوا الآيات ليسجنه عتى حين " ( فقال عمر من أقرأكها ؟ قال : أقرأنيها ابن مسعود فقال له عمر : حتى حين ؟ ! ) .

وكتب إلى ابن مسعود أما بعد : فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ، ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام .

[ ص: 279 ] ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار ، لا أن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز ، وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي ، والله أعلم .

وقد روي عن عثمان بن عفان مثل قول عمر هذا أن القرآن نزل بلغة قريش ، بخلاف الرواية الأولى ، وهذا أثبت عنه ; لأنه من رواية ثقات أهل المدينة .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : أخبرنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا هشيم بن أيوب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ( قال ) ابن شهاب ، وأخبرني أنس بن مالك أن حذيفة قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية ، وأذربيجان فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن ، فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى .

فأرسل عثمان إلى حفصة ( أن ) أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها عليك ، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن اكتبوا الصحف في المصاحف ، وإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلغة قريش ؛ فإن القرآن أنزل بلسانهم .

ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف ، رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق مصحفا [ ص: 280 ] قال أبو عمر : قول من قال : إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب - والله أعلم - لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ، ونحوها ، وقريش لا تهمز .

وقد روى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف صار في عجز هوازن منها خمسة ( عجز هوازن ثقيف ، وبنو سعد بن بكر ، وبنو جشم ، وبنو نصر بن معاوية .

قال أبو حاتم : خص هؤلاء دون ربيعة ، وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنزل الوحي ، وإنما ربيعة ، ومضر إخوان ، قالوا : وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن يقرأ بها لغات قريش ، ثم أدناهم من بطون مضر .

قال أبو عمر :

هو حديث لا يثبت من جهة النقل ، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : نزل القرآن على لغة هذا الحي من ولد هوازن ، وثقيف ( وإسناد حديث سعيد هذا أيضا غير صحيح ) .

وقال الكلبي في قوله : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، قال : خمسة منها لهوازن ، وحرفان لسائر الناس ، وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى [ ص: 281 ] حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف سبع لغات ، وقالوا هذا لا معنى له ; لأنه لو كان ذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض ; لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل ، وطبع عليه ، وفطر به لم ينكر عليه .

وفي حديث مالك ، عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب رد قول من قال : سبع لغات ; لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي ، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته ، كما محال أن يقرئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته .

والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا .

وقالوا : إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعلى هذا الكثير من أهل العلم .

فأما الآثار المرفوعة فمنها ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا أبو العباس تميم ، قال : حدثنا عيسى بن [ ص: 282 ] مسكين ، قال : حدثنا سحنون : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بشر بن سعيد أن أبا جهيم الأنصاري أخبره أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ، فقال أحدهما : تلقيتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الآخر : تلقيتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فقال : " إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فلا تماروا في القرآن ، فإن المراء فيه كفر " .

وروى جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن واصل بن حيان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية ( منها ) ظهر ، وبطن ، ولكل حد ومطلع " .

وروى حماد بن سلمة ، قال : أخبرني حميد ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " .

وروى همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن يحيى بن يعمر ، عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب ، قال : قرأ أبي آية [ ص: 283 ] وقرأ ابن مسعود ( آية ) خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ألم تقرأ آية كذا ، وكذا كذا ، وكذا ؟ وقال ابن مسعود : ألم تقرأ آية كذا ، وكذا كذا ، وكذا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كلكم محسن مجمل " قال : قلت : ما كلنا أحسن ، ولا أجمل ، قال : فضرب صدري ، وقال : " يا أبي ، إني أقرئت القرآن " فقلت : على حرف ، أو حرفين ؟ فقال لي الملك الذي عندي : على حرفين . فقلت : على حرفين أو ثلاثة ؟ فقال الملك الذي معي : على ثلاثة . فقلت : على ثلاثة . . . هكذا حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف كاف ، قلت غفورا رحيما ، أو قلت سميعا حكيما ، أو قلت عليما حكيما ، ( أو عزيزا حكيما ) أي ذلك ( قلت ؟ فإنه كما قلت ) ، وزاد بعضهم في هذا الحديث ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب .

قال أبو عمر :

أما قوله في هذا الحديث ( قلت ) سميعا عليما ، وغفورا رحيما ، وعليما حكيما ، ونحو ذلك ، فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها ، أنها معان متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، لا تكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه [ ص: 284 ] أو يضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ، وما أشبه ذلك .

وهذا كله يعضد قول من قال : إن ( معنى ) السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه ، نحو : هلم ، وتعال ، وعجل ، وأسرع ، وانظر ، وأخر ( ونحو ذلك ) .

وسنورد من الآثار ، وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يتبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء الله ؛ فإنه أصح من قول من قال : سبع لغات مفترقات ؛ لما قدمنا ذكره ، ولما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المفترقات فيه حتى لو تقصيت لكثر عددها ، وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا ( وبالله توفيقنا ) .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي : حدثنا محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنزل القرآن على سبعة أحرف ، غفورا رحيما ، عزيزا حكيما ، عليما حكيما " وربما قال : " سميعا بصيرا " .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد [ ص: 285 ] بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن شقير العبدي ، عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب ، قال : سمعت رجلا يقرأ ، فقلت : من أقرأك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : انطلق إليه ، فانطلقنا إليه ، فقلت : استقرئه يا رسول الله ، قال : " اقرأ " . فقرأ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أحسنت " فقلت : أو لم تقرئني كذا وكذا ؟ ! قال : بلى ، " وأنت قد أحسنت " ، فقلت بيدي : قد أحسنت ؟ قد أحسنت ؟ ! قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في صدري ، وقال : اللهم أذهب عن أبي الشك ، قال : ففضضت عرقا ، وامتلأ جوفي فرقا ، قال : فقال النبي صلى [ ص: 286 ] الله عليه وسلم : يا أبي ، إن ملكين أتياني ، فقال أحدهما : اقرأ على ( حرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على حرفين ، قال الآخر : زده ، قلت زدني ، قال : اقرأ على ثلاثة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على أربعة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على خمسة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على ستة أحرف ، قال : الآخر : زده ، قلت : زدني ) ، قال : اقرأ على سبعة أحرف ، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف .

وقرأت على أبي القاسم خلف بن القاسم أن أبا محمد بن أحمد بن عبد الله بن بحير القاضي أملى عليهم قال : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي القاضي ، قال : أخبرنا أبو جعفر النفيلي ، قال : قرأت على معقل بن عبيد الله ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة ، فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها بخلاف قراءتي ، فقلت : من أقرأك هذه السورة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : لا تفارقني حتى [ ص: 287 ] آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيناه ، فقلت : يا رسول الله ، إن هذا قد خالف قراءتي في هذه السورة التي علمتني ، قال : اقرأ يا أبي ، فقرأت ، فقال : أحسنت ، فقال للآخر : اقرأ : فقرأ بخلاف قراءتي ، فقال له : أحسنت ، ثم قال : يا أبي ، إنه أنزل على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف ، قال : فما اختلج في صدري شيء من القرآن ( بعد ) .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : أتى جبريل النبي - عليهما السلام - وهو بأضاة بني غفار فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف واحد ، قال فقال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته ، سل لهم التخفيف ، فإنهم لا يطيقون ذلك فانطلق حتى رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك ( القرآن ) على حرفين قال : أسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته ، إنهم لا يطيقون ذلك ( فاسأل لهم [ ص: 288 ] التخفيف ، فانطلق ) ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ( ثلاثة أحرف ، قال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو معافاته ومغفرته ، إنهم لا يطيقون ذلك فسل لهم التخفيف ، فانطلق ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ القرآن على ) سبعة أحرف ، فمن قرأ منها حرفا فهو كما قرأ ، وروي حديث أبي بن كعب هذا من وجوه .

والسورة التي أنكر فيها أبي القراءة سورة النحل ، ذكر ذلك الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ( ، عن أبي بن كعب ) وساق الحديث ، وروي ذلك من وجوه .

وأما حديث عاصم ، عن زر ، عن أبي فاختلف على عاصم فيه ( فلم أر لذكره وجها ) وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ، ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذكر ( آية ) رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يعن به سبع لغات ، والله أعلم .

[ ص: 289 ] على ما تقدم ذكرنا له ، وإنما هي أوجه تتفق معانيها ، وتتسع ضروب الألفاظ فيها ، إلا أنه ليس منها ما يحيل معنى إلى ضده كالرحمة بالعذاب ، وشبهه .

( وذكر يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله ، قال : أتيت المسجد فجلست إلى ناس ، وجلسوا إلي ، فاستقرأت رجلا منهم سورة ، ما هي إلا ثلاثون آية ، وهي ( حم ) الأحقاف ، فإذا هو يقرأ فيها حروفا لا أقرؤها ، فقلت ، من أقرأك ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقرأت آخر ، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرؤها أنا ولا صاحبه ، فقلت : من أقرأك ؟ قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : وأنا أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أنا بمفارقكما حتى أذهب بكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقت بهما حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده علي ، فقلت : يا رسول الله ، إنا اختلفنا في قراءتنا ، فتمعر وجهه حين ذكرت الاختلاف ، وقال : إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ، وقال علي : إن رسول الله يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم ، فلا أدري أسر ( إليه ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ما لم نسمع ، أو علم الذي كان في نفسه فتكلم به .

وكذلك رواه الأعمش ، وأبو بكر بن عياش وإسرائيل ، وحماد بن سلمة وأبان العطار ، عن عاصم بإسناده [ ص: 290 ] ومعناه ، ولم يذكر البصريان حماد ، وأبان ، عليا .

وقال الأعمش في حديثه : ثم أسر إلى علي فقال : لنا علي : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تقرءوا كما علمتم ) .

وقال أبو جعفر الطحاوي في حديث عمر ، وهشام بن حكيم المذكور في هذا الباب : قد علمنا أن كل واحد منهما إنما أنكر على صاحبه ألفاظا قرأ بها الآخر ، ليس في ذلك حلال ولا حرام ، ولا زجر ولا أمر .

وعلمنا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هكذا أنزلت " ، أن السبعة الأحرف التي نزل القرآن بها لا تختلف في أمر ولا نهي ، ولا حلال ولا حرام ، وإنما قول الرجل للرجل : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وادن ، ونحوها .

وذكر أكثر أحاديث هذا الباب حجة لهذا المذهب ، وأبين ما ذكر في ذلك أن قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ( ، عن أبي بكرة ) قال : جاء جبريل إلى النبي - عليهما السلام - على حرف ، قال : فقال ميكائيل : استزده على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال : اقرأه ، فكل شاف كاف ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحو ، هلم ، وتعال ، وأقبل ، [ ص: 291 ] واذهب ، وأسرع ، وعجل .

حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد ( بن بكر ) بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ، ليس تختلف في حلال ولا حرام .

وذكر أبو عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب في الأحرف السبعة : هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه .

وروى الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، قال : إني سمعت القراءة ، فرأيتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع ( والاختلاف ) ، فإنما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال .

وروى ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ للذين آمنوا انظرونا " للذين آمنوا أمهلونا " ، " للذين آمنوا أخرونا " ، " للذين آمنوا ارقبونا " .

وبهذا الإسناد عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كلما أضاء لهم مشوا فيه " مروا فيه " ، " سعوا فيه " كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبي بن كعب ، فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث ، والله أعلم .

إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو منها حرف واحد ، وعلى هذا أهل العلم فاعلم .

[ ص: 292 ] وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه ، قال : قيل : أترى أن يقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب فامضوا إلى ذكر الله ؟ فقال : ذلك جائز . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف ، فاقرءوا منه ما تيسر : ومثل ما تعلمون ويعلمون .

وقال مالك لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا ، قال : وقد كان الناس ، ولهم مصاحف ، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - كانت لهم مصاحف .

قال ابن وهب : وسألت مالكا ، عن مصحف عثمان بن عفان قال لي : ذهب ، قال : وأخبرني مالك بن أنس ، قال : أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فجعل الرجل يقول : " طعام اليتيم " ، فقال له ابن مسعود : طعام الفاجر ، فقلت لمالك : أترى أن يقرأ كذلك ؟ قال : نعم ، أرى ذلك واسعا .

قال أبو عمر : معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة ، وإنما ذكرنا ذلك ، عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث ، وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة ; لأن ما عدا مصحف عثمان فلا يقطع عليه ، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد ، لكن لا يقدم أحد على القطع في رده .

وقد روى عيسى [ ص: 293 ] عن ابن القاسم في المصاحف بقراءة ابن مسعود ، قال : أرى أن يمنع الإمام من بيعه ، ويضرب من قرأ به ، ويمنع ذلك .

وقد قال مالك : من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه ، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم ، منهم الأعمش سليمان بن مهران .

وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان المصحف .

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد ، وخلف بن القاسم بن سهل ، قال : أنبأنا محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ ، قال : حدثنا أبو علي الأصبهاني المقرئ ، قال : حدثنا أبو علي الحسين بن صافي الصفار : أن عبد الله بن سليمان حدثهم ، قال : حدثنا أبو الطاهر ، قال : سألت سفيان بن عيينة ، عن اختلاف قراءة المدنيين ، والعراقيين : هل تدخل في السبعة الأحرف ؟ فقال : لا ، وإنما السبعة الأحرف كقولهم : هلم ، أقبل ، تعال ، أي ذلك قلت أجزأك .

قال : وقاله ابن وهب ، قال : أبو بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ ، ومعنى قول سفيان هذا أن [ ص: 294 ] اختلاف العراقيين ، والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة ، وبه قال محمد بن جرير الطبري ، وقال أبو جعفر الطحاوي : كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها ; لأنهم كانوا أميين لا يكتبون إلا القليل منهم على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات ، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة ، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا ، فكانوا كذلك حتى كثر من يكتب منهم ، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه ، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها .

وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف ( إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ، ثم ارتفعت تلك الضرورة ، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف ) وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد .

واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من رواية ابن أبي ليلى عنه ، قوله فيه - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف ، والحرفين ، والثلاثة ، حتى بلغ السبعة .

واحتج بحديث عمر بن الخطاب مع هشام ( بن حكيم ) ، واحتج بجمع أبي بكر الصديق للقرآن في جماعة الصحابة ، ثم كتاب عثمان كذلك .

وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت فأما أبو بكر ، فأمر فيما جمع منه ، وأما عثمان فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر ، وكانت عند حفصة [ ص: 295 ]

وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن : تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة منها : ما تتغير حركته ولا يزول معناه ، ولا صورته ، مثل : هن أطهر لكم وأطهر لكم ويضيق صدري ويضيق ، ونحو هذا .

ومنها ما يتغير معناه ، ويزول بالإعراب ، ولا تتغير صورته ، مثل قوله : ربنا باعد بين أسفارنا ، وباعد بين أسفارنا .

ومنها ما يتغير معناه بالحروف ، واختلافها ( بالإعراب ) ، ولا تتغير صورته ، مثل قوله : " إلى العظام كيف ننشزها ، وننشرها .

ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه ، كقوله كالعهن المنفوش ( والصوف المنفوش ) .

ومنها ما تتغير صورته ومعناه ، مثل قوله : وطلع منضود وطلح منضود ، ومنها بالتقديم والتأخير مثل : وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءت سكرة الحق بالموت .

ومنها الزيادة والنقصان ، مثل : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) ، ومنها قراءة ابن مسعود ) ( له تسع وتسعون نعجة أنثى ) .

قال أبو عمر : هذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث ، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا .

فمثل قوله : كالعهن المنفوش ، والصوف [ ص: 296 ] المنفوش . قراءة عمر بن الخطاب " فامضوا إلى ذكر الله " وهو كثير .

ومثل قوله : " نعجة أنثى " قراءة ابن مسعود وغيره ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) .

وقراءة أبي بن كعب " فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " ، " وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها " ، وهذا كثير أيضا .

وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد ، وهو صورة مصحف عثمان ، وما دخل فيه ما يوافق صورته من الحركات ، واختلاف النقط من سائر الحروف .

وأما قوله : كالصوف المنفوش ، فقراءة سعيد بن جبير وغيره ، وهو مشهور عن سعيد بن جبير .

روي عنه من طرق شتى ، منها : ما رواه بندار ، عن يحيى القطان ، عن خالد بن أبي عثمان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقرأ : كالصوف المنفوش .

وذكر ابن مجاهد ، قال : حدثني أبو الأشعث ، قال : حدثنا كثير بن عبيد : حدثنا بقية ، قال : سمعت محمد بن زياد يقول : أدركت السلف وهم يقرءون في هذا الحرف في القارعة : وتكون الجبال كالصوف المنفوش " [ ص: 297 ]

وأخبرنا عيسى بن ( سعيد بن ) سعدان المقرئ سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، قال : أنبأنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي المقرئ ، قال : حدثنا ( أبو الحسين صالح بن أحمد القيراطي ، قال : حدثنا محمد بن سنان القزاز قال ) : حدثنا أبو داود الطيالسي : حدثنا خالد بن أبي عثمان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقرؤها كالصوف المنفوش .

وأما قوله : " وجاءت سكرة الحق بالموت " فقرأ به أبو بكر الصديق ، وسعيد بن جبير ، وطلحة بن مصرف ، وعلي بن حسين ، وجعفر بن محمد ، وأما " وطلع منضود " ، فقرأ به علي بن أبي طالب ، وجعفر بن محمد .

وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من وجوه صحاح متواترة ; منها ما رواه يحيى بن آدم ، قال : أنبأنا ( يحيى بن أبي ) زائدة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن قيس بن عبد الله وهو عم الشعبي ، عن علي أن رجلا قرأ عليه وطلح منضود فقال علي : إنما هو : وطلع منضود ، قال : فقال الرجل : أفلا تغيرها ؟ ، فقال علي : لا ينبغي للقرآن أن يهاج ، .

وهذا عندي معناه لا ينبغي أن يبدل ، وهو جائز مما نزل القرآن عليه ، وإن كان علي كان يستحب غيره مما نزل القرآن عليه أيضا .

وأما قوله : نعجة أنثى ، فقرأ به عبد الله بن مسعود .

أخبرنا عبد الله [ ص: 298 ] بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : قال سفيان كان صغيرهم وكبيرهم - يعني أهل الكوفة يقرأ قراءة عبد الله ( بن مسعود ) - .

قال : وكان الحجاج يعاقب عليها قال ، وقال الحجاج : ابن مسعود يقرأ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى ، كان ابن مسعود يرى أن النعجة يكون ذكرا .

وكسر الحسن ، والأعرج النون من " نعجة " ، وفتحها سائر الناس .

وفتح الحسن وحده التاء من " تسع وتسعون " وكسرها سائر الناس .

وأما : " فامضوا إلى ذكر الله " فقرأ به عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو العالية ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، ومسروق ، وطاوس ، وسالم بن عبد الله ، وطلحة بن مصرف .

ومثل قراءة ابن مسعود " نعجة أنثى " في الزيادة والنقصان قراءة ابن عباس " وشاورهم في بعض الأمر " ، وقراءة من قرأ : " عسى الله أن يكف من بأس الذين كفروا " ، وقراءة ابن مسعود ، وأبي الدرداء : " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى " .

[ ص: 299 ] وهذا حديث ثابت رواه شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، وعن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عيسى بن سعيد : حدثنا إبراهيم بن أحمد : حدثنا أبو الحسن : حدثنا عبد الله بن محمد الزهري : حدثنا سفيان ، قال : سمعت ابن شبرمة يقرؤها " عسى الله أن يكف من بأس الذين كفروا " .

( قال سفيان ) : وقرأ عبد الله بن مسعود ، " وأقيموا الحج والعمرة لله " وقد أجاز مالك القراءة بهذا ومثله فيما ذكر ابن وهب عنه ، وقد تقدم ذكره ، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة في غير الصلاة على وجه التعليم ، والوقوف على ما روي في ذلك من علم الخاصة ، والله أعلم .

وأما حرف زيد ( بن ثابت ) فهو الذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم ، وقراءتهم من بين سائر الحروف ; لأن عثمان جمع المصاحف ( عليه ) بمحضر جمهور الصحابة ، وذلك بين في حديث الدراوردي ، عن ( عمارة بن ) غزية ، عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، وهو أتم ما روي من الأحاديث في جمع أبي بكر للقرآن ثم أمر عثمان بكتابة المصاحف بإملاء زيد .

وقد تقدم عن الطحاوي أن أبا بكر ، وعثمان عولا على زيد بن ثابت [ ص: 300 ] في ذلك ، وأن الأمر عاد فيما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد بما لا وجه لتكريره ، وهو الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه ، وتجوز الصلاة به ، وبالله التوفيق .

وذكر ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وخارجة أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب ففعل ، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي ، ثم كانت عند عمر حتى توفي ، ثم كانت عند حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها ، فبعثت بها إليه فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثم ردها إليها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها .

حدثنا محمد : حدثنا علي بن عمر : حدثنا أبو بكر النيسابوري : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : ( أخبرنا ابن وهب قال ) أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وخارجة فذكره سواء .

( وحدثنا خلف بن القاسم - رحمه الله - قال : حدثنا أبو جعفر عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، قال : حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، قال : لما بويع أبو بكر أبطأ علي ، عن بيعته ، والحاصل في بيته [ ص: 301 ] فبعث إليه أبو بكر ما بطأك عني ؟ أكرهت إمرتي ؟ فقال علي : ما كرهت إمارتك ، ولكني آليت أن لا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع المصحف .

قال ابن سيرين : وبلغني أنه كتبه على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير .

قال أبو عمر : أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل ، وأنه كان لا يروي ، ولا يأخذ إلا عن ثقة ، وأن مراسله صحاح كلها ليس كالحسن ، وعطاء في ذلك ، والله أعلم ) .

ولجمع المصاحف موضع من القول غير هذا إن شاء الله ، ونحن نذكر جميع ما انتهى إلينا من القراءات عن السلف ، والخلف في سورة الفرقان لما في حديثنا المذكور في هذا الباب من قول عمر بن الخطاب سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفي رواية معمر ، عن ابن شهاب يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة ، غير ما أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت ذكر حروف سورة الفرقان ؛ ليقف الناظر في كتابي هذا على ما في سورة الفرقان من الحروف المروية عن سلف هذه الأمة ، وليكون أتم وأوعب [ ص: 302 ] في معنى الحديث ، وأكمل ( فائدة ) إن شاء الله ، وبه العون ( لا شريك له ) .

ذكر ما في سورة الفرقان من اختلاف القراءات على استيعاب الحروف وحذف الأسانيد .

فأول ذلك قوله تبارك وتعالى : الذي نزل الفرقان على عبده قرأ عبد الله بن الزبير " عباده " ، وقرأ سائر الناس ( عبده ) .

وقوله عز وجل اكتتبها قرأ طلحة بن مصرف " اكتتبها " ، وقرأ سائر الناس اكتتبها .

وفي قوله عز وجل يأكل منها قراءتان : " الياء ، والنون " فقرأ علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وشيبة بن نصاح ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ( يأكل ) بالياء . وقرأ " نأكل " بالنون يحيى بن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف بن هشام ، وطلحة بن سليمان ، ونعيم بن ميسرة ، وعبيد الله بن موسى .

[ ص: 303 ] وفي قوله عز وجل ويجعل لك قصورا ثلاث قراءات : الرفع ، والنصب ، والجزم ، فقرأ بالرفع " ويجعل لك " ابن كثير ، وابن عامر ، والأعمش ، واختلف فيه عن عاصم فروى عنه الرفع أبو بكر بن عياش ، وشيبان .

وقرأ : " ويجعل لك " مجزوما أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وعاصم في رواية حفص ، والأعمش أيضا ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى بن عمر ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف بن هشام ، والحسن البصري ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، ونعيم ، وميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ : " ويجعل لك " عبيد الله بن موسى ، وطلحة بن سليمان .

وفي قوله مكانا ضيقا قراءتان بالتخفيف والتشديد ، فقرأ بتخفيفها ابن كثير ، وأبو عمرو ، وفي رواية عقبة بن يسار عنه ، وعلي بن نصر ، ومسلم بن محارب ، والأعمش .

وقرأ بالتشديد ضيقا الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وابن محيصن ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وسالم ، ويعقوب ، وأبو شيبة المهري .

وفي قوله عز وجل : ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ثلاث قراءات بالياءين فيهما جميعا ، والنون فيها جميعا ، والنون في نحشرهم ، والياء في فيقول ، فقرأ : " ويوم يحشرهم فيقول " جميعا بالياء ابن هرمز الأعرج ، ، وأبو جعفر ، وابن كثير ، والحسن على اختلاف عنه ، وأبو عمرو على اختلاف عنه ، وعاصم الجحدري [ ص: 304 ] وقتادة ، والأعمش ، وعاصم على اختلاف عنهما .

( وقرأ : " ويوم نحشرهم فنقول " جميعا بالنون علي بن أبي طالب ، وابن عامر ، وقتادة على اختلاف عنه ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى ، والحسن ، وطلحة بن سليمان ) .

وقرأ : " ويوم نحشرهم " بالنون " فيقول " بالياء علقمة ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، والحسن ، وأبو عمرو على اختلاف عنهما ، ويعقوب ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " نحشرهم " بكسر الشين عبد الرحمن بن هرمز الأعرج .

وفي قوله ( أن نتخذ ) قراءتان : ضم النون ، وفتح الخاء ، وفتح النون ، وكسر الخاء ، فقرأ ( نتخذ ) بضم النون ، وفتح الخاء : زيد بن ثابت ، وأبو الدرداء ، وأبو جعفر ، ومجاهد على اختلاف عنه ، ونصر بن علقمة ، ومكحول على اختلاف عنه ، وزيد بن علي ، وأبو رجاء ، والحسن على اختلاف عنهم ، وحفص بن حميد ، وجعفر بن محمد .

وقرأ نتخذ بفتح النون ، وكسر الخاء : ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعلقمة ، وإبراهيم ( وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، وطلحة ، وعيسى ، والكسائي ، وابن إدريس ) ، وخلف ، والأعرج ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، ومجاهد على اختلاف عنه ، وابن كثير ، وعاصم الجحدري ، وحكيم بن عقال ، وأبو عمرو بن [ ص: 305 ] العلاء ، وقتادة ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، واختلف ، عن الحسن ، وأبي رجاء ، ومكحول فروي عنهم الوجهان جميعا .

وفي قوله فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا أربعة أوجه : أحدها : جميعا بالتاء ، والثاني : جميعا بالياء ، والثالث : يقولون بالياء ، وتستطيعون بالتاء ، والرابع : تقولون بالتاء ، ويستطيعون بالياء .

فقرأهما جميعا بالتاء ، والثاني جميعا بالتاء تقولون ، وتستطيعون عاصم في رواية حفص عنه ، وطلحة بن مصرف .

وقرأهما بالياء عبد الله بن مسعود ، والأعمش ، وابن جريج ، وقرأهما " بما تقولون " بالتاء " فما يستطيعون " بالياء أهل المدينة جميعا الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والزهري ، ونافع ، وابن كثير ، وأهل مكة ، وأهل الكوفة طلحة ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، وعاصم ، والأعمش على اختلاف عنهما ، وأهل البصرة الحسن ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " بما يقولون " بالياء ، " وتستطيعون " بالتاء أبو حيوة [ ص: 306 ]

وفي قوله ، " ويمشون " قراءتان : تخفيف الشين ، وتشديدها ، فمن خفف فتح الياء ، وسكن الميم ، ومن شدد ضم الياء وفتح الميم ، وقرأ " يمشون " علي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عبد الله ، وقرأ سائر الناس ( يمشون ) .

وفي قوله عز وجل : حجرا محجورا قراءتان ضم الحاء وكسرها ، فقرأ بضمها " حجرا محجورا " الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والأعمش ، وكذلك في قوله " برزخا وحجرا محجورا " ، وقرأ سائر الناس بكسرها ، والمعنى واحد حراما محرما .

في قوله عز وجل تشقق السماء قراءتان بتشديد الشين وتخفيفها ، فقرأ بتشديدها الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وابن كثير ، وابن محيصن ، وأهل مكة ، وابن عامر ، والحسن ، وعيسى بن عمر ، وسلام ، ويعقوب ، وعبد الله بن يزيد ، وأبو عمر على اختلاف عنه ، وقرأ " تشقق " بتخفيف الشين الزهري ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، وأبو عمرو ، ونعيم بن ميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وفي قوله : ونزل الملائكة تنزيلا أربع قراءات : " ونزل الملائكة " ، و " نزل الملائكة " ، " ننزل الملائكة " ، و " أنزل الملائكة " قرأ بالأولى الأعرج ، ونافع ، والزهري ، وعاصم ، والأعمش ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس [ ص: 307 ] وخلف ، والحسن ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعاصم الجحدري ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وطلحة بن سليمان ، وقرأ بالثانية ، " ونزل الملائكة " أبو رجاء ، وقرأ بالثالثة " ننزل الملائكة " عبد الله بن كثير ، وأهل مكة ، وأبو عمرو على اختلاف عنه ، وقرأ بالرابعة " وأنزل " ابن مسعود ، والأعمش .

وفي قوله : ياويلتا قراءتان : كسر التاء على الإضافة ، وفتحها على الندبة ، قرأ بكسرها الحسن البصري ، وقرأ سائر الناس فيما علمت بفتحها .

وفي قوله إن قومي اتخذوا قراءتان : تسكين الياء ، وحذفها لالتقاء الساكنين ، وفتحها ، قرأ بكلا الوجهين جماعة .

وفي قوله : لنثبت به فؤادك قراءتان : بالياء والنون ( قرأ بالياء عبد الله بن مسعود ، وقرأ سائر الناس بالنون ) .

وفي قوله : فدمرناهم تدميرا قراءتان : فدمرناهم ، فدمرانهم ، قرأ فدمرانهم علي بن أبي طالب ، ومسلمة بن محارب ، وقرأ سائر الناس فدمرناهم .

وقرأ جماعة بصرف ثمود ، وجماعة بترك صرفها .

وفي قوله : أرأيت من اتخذ إلهه هواه قراءتان : إلهه ، وإلهة ، فقرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج : " أفرأيت من اتخذ إلهة هواه " وقرأ سائر [ ص: 308 ] الناس " إلهه " إلا أن أبا عمرو في بعض الروايات عنه يدغم الهاء ( في الهاء ) بعد تسكين المفتوحة منهما .

وفي قوله وهو الذي أرسل الرياح بشرا قراءتان : في " الريح " الجمع والتوحيد ، وفي " بشرا " ست قراءات : " نشرا " بالنون مثقل ومخفف ، " وبشرا " بالباء مثقل ومخفف ، والخامسة : " نشرا " بالنون المفتوحة ، والسادسة : " بشرى " ; مثل حبلى .

فقرأ " الرياح " جمعا " نشرا " بالنون وبضمتين أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبد الرحمن الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وأبو عمرو ، وعيسى بن عمر ، ويعقوب ، وسلام ، وسفيان بن حسين .

وقرأ " الرياح " جمعا أيضا " ونشرا " بالنون أيضا إلا أنه خفف الشين ابن عامر ، وقتادة ، وأبو رجاء ، وعمرو بن ميمون ، وسهل ، وشعيب .

ورواية عن أبي عمرو رواها هارون الأعور ، وخارجة بن مصعب ، عن أبي عمرو ، وقرأ " الريح " واحدة " نشرا " بالنون وضمتين ابن كثير ، وابن محيصن ، والحسن ، وقرأ " الرياح " جماعة " بشرا " بالباء خفيفة الشين علي بن أبي طالب ، وعاصم .

ورواية عن أبي عبد الرحمن السلمي قال الفراء : كأنه بشير وبشر .

وقرأ " الرياح " جماعة " نشرا " بالنون ، وفتحها عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وزر بن حبيش ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وطلحة بن مصرف على اختلاف عنه ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ( وابن ) إدريس ، وخلف بن هشام ، وأبو عبد الله جعفر بن محمد ، والعلاء بن شبابة ، .

وقرأ " الريح " واحدة " نشرا " بفتح النون ، وسكون الشين ابن عباس ، وطلحة ( وعيسى ) [ ص: 309 ] الهمداني على اختلاف عنهما ، وطلحة بن سليمان .

وقرأ " بشرى بين يدي رحمته " مثل حبلى محمد بن السميفع اليمني من البشارة .

وفي قوله ( ونسقيه ) قراءتان : ضم النون ، وفتحها ، فقرأ بضم النون من أسقى أهل المدينة أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، والأعرج ، ومن أهل مكة ابن كثير ، ومن أهل الكوفة عاصم ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وطلحة بن سليمان ، وخلف بن هشام ، وعيسى الهمداني ، ومن أهل البصرة الحسن ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، ومن أهل الشام ابن عامر ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " نسقيه " بفتح النون من سقى عاصم ، والأعمش على اختلاف عنهما .

وفي ( ليذكروا ) قراءتان : التخفيف والتثقيل ، فقرأ بالتخفيف أهل الكوفة ، وقد ذكرناهم ، وقرأ بالتشديد أهل المدينة ، وأهل مكة ، وأهل البصرة وأهل الشام ، وقد ذكرناهم قبل .

وفي قوله " ملح " قراءتان : فتح الميم ( فقرأ بفتح الميم " ملح أجاج " طلحة بن مصرف ، وقرأ سائر الناس بكسر الميم ) .

وفي قوله : أنسجد لما تأمرنا قراءتان : الياء والتاء ، فقرأ بالتاء زيد بن ثابت ، وابن عباس ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن وثاب ، والحسن [ ص: 310 ] وعيسى ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد .

وقرأ بالياء عبد الله بن مسعود ، والأسود ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله : ( سراجا ) ثلاث قراءات : سراجا ، وسرجا ، وسرجا ; فقرأ سراجا عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن الزبير ( وأبو الدرداء ) ، وأهل المدينة جميعا : ابن هرمز ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، .

وأهل مكة : مجاهد وابن كثير ، وأهل البصرة : الحسن على اختلاف عنه وأبو رجاء ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وأهل الشام : ابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد .

وقرأها أيضا من أهل البيت علي بن حسين ، وزيد بن علي ، ومحمد بن علي ، أبو جعفر .

وقرأ : " سرجا " بضمتين ابن مسعود وأصحابه ، وإبراهيم ، ويحيى ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وأبان بن تغلب ، ومنصور ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، ونعيم بن ميسرة هؤلاء كلهم كوفيون .

وعن بعضهم روي " سرجا " مخفف ، وهو أبان بن تغلب وإبراهيم النخعي .

وفي قوله عز وجل لمن أراد أن يذكر قراءتان : التخفيف [ ص: 311 ] والتثقيل ، فقرأ " يذكر " مثقلة مشددة مفتوحة الكاف عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأهل المدينة : أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وأهل مكة : ابن كثير وأصحابه .

وأهل البصرة : الحسن ، وأبو رجاء ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وأهل الشام : ابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد ، وعاصم ، والكسائي من الكوفيين .

وقرأها علي بن أبي طالب على اختلاف عنه ، وقرأ " يذكر " مخففة علي بن أبي طالب في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عنه ، والرواية الأولى رواها الأصبغ بن نباتة ، وناجية بن كعب عنه ، وابن مسعود ، وإبراهيم ، ويحيى ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وأبو جعفر ، محمد بن علي ، وعلي بن حسين ، وابن إدريس ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله ( ولم يقتروا ) ثلاث قراءات : منها في الثلاثي قراءتان ، من قتر يقتر ويقتر ، فقرأ " يقتروا " بفتح الياء وكسر التاء من قتر يقتر مجاهد وابن كثير ، والزهري ، وأبو عمر ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وعمرو بن عبيد ، وعبد الله بن يزيد ، وعمرو بن ميمون .

( وقرأ ) " يقتروا " بضم التاء من قتر أيضا علي بن أبي طالب في رواية الأصبغ بن نباتة [ ص: 312 ] وناجية ، وعاصم ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، وأبو رجاء ، وأبو عمرو على اختلاف عنه .

وقرأ من الرباعي يقتروا بضم الياء ، وكسر التاء من أقتر يقتر علي بن أبي طالب في رواية أبي عبد الرحمن السلمي ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، واختلف فيه عن الحسن ، وأبي رجاء ، وابن عامر ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله : وكان بين ذلك قواما قراءتان ; كسر القاف وفتحها ; قرأ بكسرها حسان بن عبد الرحمن صاحب عائشة ، وهو الذي يروي عنه قتادة كان يقرأ " قواما " وينكر " قواما " ويقول : القوام قوام الدابة ، والقوام على المرأة ، وعلى أهل البيت ، وعلى الفرس والجارية ، وقرأ سائر الناس في جميع الأمصار قواما بفتح القاف .

وفي قوله ( يضاعف ) ، ( ويخلد ) قراءات في إعرابهما ، وفي تشديد العين ، فأما الإعراب فالجزم في الفاء والدال من " يضاعف " " ويخلد " ، والرفع فيهما فقرأ " يضاعف ، ويخلد فيه " مرفوعين عاصم ، على اختلاف كثير عنه في ذلك .

قرأ " يضاعف " ، " ويخلد " بالجزم فيهما ابن هرمز الأعرج ، ونافع ، والزهري مدنيون ، والأعمش ، وطلحة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف كوفيون ، والحسن ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، وأبو عمرو ، وسلام بصريون ، ونعيم بن ميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " يضعف ويخلد " بتشديد العين من يضعف ، والرفع فيهما ابن عامر ، والأعمش وقرأ " يضعف ويخلد " بالجزم [ ص: 313 ] فيهما ، وتشديد يضعف أبو جعفر ، وشيبة ، ويعقوب ، وعيسى الثقفي ، وابن كثير ، وأهل مكة ، وقرأ " نضعف " بالنون له العذاب نصبا ، ويخلد فيه بالياء جزما طلحة بن سليمان .

وفي قوله " ذرياتنا " قراءاتان الجمع والتوحيد فقرأ ذريتنا واحدة مجاهد وأبو عمرو ، وعاصم على اختلاف عنه ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، وعبيد الله بن موسى .

وقرأ " وذرياتنا " جماعة أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم على اختلاف عنه ، والحسن ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وسلمة بن كهيل ، ونعيم بن ميسرة ، وعبد الله بن يزيد .

وفي قوله " ويلقون " قراءتان إحداهما : ضم الياء ، وفتح اللام وتشديد القاف ، والثانية : فتح الياء وتسكين اللام وتخفيف القاف .

فقرأ بالترجمة الأولى ابن هرمز ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، ومجاهد ، وابن كثير ، والحسن ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، واختلف ، عن عاصم ، والأعمش .

وقرأ بالترجمة الثانية علي وابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والأعمش ، وطلحة [ ص: 314 ] وعيسى الكوفي ، وحمزة ، الكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، ومحمد بن السميفع اليماني ، وعاصم على اختلاف عنه .

وقرأ ابن عباس ، وابن الزبير " فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما " وكذلك في حرف ابن مسعود ، وقرأ سائر الناس فقد كذبتم فسوف يكون لزاما .

فهذا ما في سورة الفرقان من الحروف التي بأيدي أهل العلم بذلك ، والله أعلم ، ما أنكر منها عمر على هشام بن حكيم ، وما قرأ به عمر ، وقد يمكن أن يكون هناك حروف لم تصل إلينا وليس كل من قرأ بحرف نقل عنه وذكر ، ولكن إن فات من ذلك شيء فهو اليسير النزر ، وأما عظم الشيء ومنته وجملته فمنقول محكي عنهم فجزاهم الله عن حفظهم علينا الحروف والسنن أفضل الجزاء ، وأكرمه عنده برحمته .

وفي هذا الحديث ما يدل على أن في جبلة الإنسان ، وطبعه أن ينكر ما عرف ضده ، وخلافه ، وجهله ، ولكن يجب عليه التسليم لمن علم .

وفيه ما كان عليه عمر من الغضب في ذات الله فإنه كان لا يبالي قريبا ولا بعيدا فيه ، وقد كان كثير التفضيل لهشام بن حكيم بن حزام [ ص: 315 ] ولكن إذ سمع منه ما أنكره لم يسامحه حتى عرف موقع الصواب فيه ، وهذا يجب على العالم والمتعلم في رفق وسكون ، ومما يدلك على موضع هشام بن حكيم عند عمر ما ذكره ابن ( وهب ) وغيره ، عن مالك ، قال : كان عمر بن الخطاب إذا خشي وقوع أمر ، قال : أما ما بقيت أنا وهشام بن حكيم بن حزام فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية