التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
369 [ ص: 19 ] حديث أول لابن شهاب ، عن عبيد الله مسند

مالك ، ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف ، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد .


هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ فيما علمت ، وقال فيه الواقدي ، عن مالك : وذلك في حجة الوداع - وأنا قد راهقت الاحتلام . وقال فيه ابن عيينة ، عن الزهري : فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

حدثنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا أبو بن الأعرابي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، سمع ابن عباس يقول : جئت أنا والفضل بن عباس يوم عرفة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي [ ص: 20 ] بالناس ، ونحن على أتان لنا ، فمررنا ببعض الصف ، فنزلنا عنها وتركناها ترتع ، فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

وفي هذا الحديث من الفقه أن المرور بين يدي المصلي إذا كان وراء الإمام لا يضر المصلي ، ولا حرج فيه على المارة أيضا ، وقد تقدم في باب زيد بن أسلم من حكم السترة ، وحكم المار بين يدي المصلي ، وأن الصلاة لا يقطعها شيء ، ومضى هناك من الآثار في ذلك ما فيه غنى وكفاية ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .

وفي الحديث دليل واضح على أن الإمام سترة لمن خلفه ، فلا حرج على من مر وراءه بين أيدي الصفوف ، وقد استدل قوم بأن هذا الحديث دليل على أن الحمار لا يقطع الصلاة مروره بين يدي المصلي ، وردوا به قول من زعم أن الحمار يقطع الصلاة ، وانفصل منهم مخالفهم بأن مرور الأتان كان خلف الإمام بين يدي الصف ، فلا دليل فيه من رواية مالك هذه وما كان مثلها ، وقد روي حديث ابن عباس هذا بلفظ هو حجة لمن قال : الحمار لا يقطع الصلاة .

، أخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا أبو عاصم ، ابن جريج ، قال : [ ص: 21 ] أخبرنا عبد الكريم ، أن مجاهدا أخبره ، عن ابن عباس ، قال : أتيت أنا والفضل على أتان ، فمررنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة .

وفيه إجازة شهادة من علم الشيء صغيرا وأداه كبيرا ، وهو أمر لا خلاف فيه ، وقياسه : العبد يشهد في عبوديته على ما يؤدي الشهادة فيه بعد عتقه ، وكذلك الكافر والفاسق إذا أداها كل واحد منهم في حال تجوز الشهادة فيه ، وهذا كله مجتمع عليه عند العلماء ، إلا أنهم اختلفوا في هؤلاء لو شهدوا بها فردت لأحوالهم الناقصة ، ثم شهدوا بها في حال تمام شروط الشهادة - على ما قد أوضحناه في موضعه من هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية