ألف الناس فما ينجهم من عسيف يبتغي الخير وحر
[ ص: 76 ] قال أبو عبيد : وقد يكون الأسيف الحزين ، ويكون العبد ، وأما في هذا الحديث فالعسيف المذكور فيه الأجير ، كما قال مالك ، ليس فيه اختلاف . وفي هذا الحديث ضروب من العلم ، منها : أن أولى الناس بالقضاء الخليفة إذا كان عالما بوجوه القضاء ، ومنها أن المدعي أولى بالقول والطالب أحق أن يتقدم بالكلام وإن بدأ المطلوب ، ومنها أن الباطل من القضايا مردود ، وما خالف السنة الواضحة من ذلك فباطل ، ومنها أن قبض من قضي له ما قضي له به إذا كان خطأ وجورا وخلافا للسنة الثابتة ، لا يدخله قبضه في ملكه ، ولا يصحح ذلك له ، وعليه رده . ومنها أن للعالم أن يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه إذا أفتى بعلم ، ألا ترى أن الصحابة كانوا يفتون في عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . روى عكرمة بن خالد عن ابن عمر أنه سئل عمن كان يفتي في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبو بكر وعمر ، ولا أعلم غيرهما . وقال القاسم بن محمد : كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى موسى بن ميسرة ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، عن أبيه قال : كان الذين يفتون على عهد [ ص: 77 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من المهاجرين : عمر ، وعثمان وعلي ، وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت . وفيه أن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت : والذي نفسي بيده ، وفي ذلك رد على الخوارج والمعتزلة . وأما قوله في الحديث : لأقضين بينكما بكتاب الله فلأهل العلم في ذلك قولان أحدهما : أن الرجم في كتاب الله على مذهب من قال : إن من القرآن ما نسخ خطه وثبت حكمه ، وقد أجمعوا أن من القرآن ما نسخ حكمه وثبت خطه ، وهذا في القياس مثله . وقد ذكرنا وجوه نسخ القرآن في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا ، ومن ذهب هذا المذهب احتج بقول عمر بن الخطاب : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن ، وقوله : لولا أن يقال إن عمر زاد في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ، فإنا قد قرأناها . وسنبين ما لأهل العلم من التأويل في قول عمر هذا بما يجب ، في باب يحيى بن سعيد من كتابنا هذا إن شاء الله . [ ص: 78 ] ومن حجته أيضا ، ظاهر هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قال لأنيس الأسلمي : إن اعترفت امرأة هذا فارجمها . فاعترفت فرجمها . وأهل السنة والجماعة مجمعون على أن الرجم من حكم الله عز وجل على من أحصن . والقول الآخر أن معنى قوله عليه السلام : لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل . أي لأحكمن بينكما بحكم الله ، ولأقضين بينكما بقضاء الله ، وهذا جائز في اللغة . قال الله عز وجل : كتاب الله عليكم . أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم ، على أن كل ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حكم الله . قال الله عز وجل : من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . وقد ذكرنا قبل أن من الوحي قرآنا وغير قرآن . ومن حجة من قال بهذا القول قول علي بن أبي طالب في شراحة الهمدانية : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لفظ حديث قتادة عن علي وهو منقطع . وفيه أن الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم ، وهذا لا خلاف بين أحد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيه ، [ ص: 79 ] قال الله عز وجل : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب . وأجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ، أن المحصن حده الرجم . واختلفوا هل عليه مع ذلك جلد أم لا . فقال جمهورهم : لا جلد على المحصن ، وإنما عليه الرجم فقط ، وممن قال ذلك مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن صالح ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور والطبري ، كل هؤلاء يقولون : لا يجتمع جلد ورجم . وقال الحسن البصري ، وإسحاق بن راهويه ، وداود بن علي : الزاني المحصن يجلد ثم يرجم ; وحجتهم عموم الآية في الزنا بقوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة . فعم الزناة ولم يخص محصنا من غير محصن . وحديث عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة وروى [ ص: 80 ] أبو حصين ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وعلقمة بن مرثد ، وغيرهم ، عن الشعبي قال : أتي علي بزانية فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : الرجم رجمان : رجم سر ورجم علانية ، فأما رجم العلانية فالشهود ثم الإمام ثم الناس ، وأما رجم السر : فالاعتراف فالإمام ثم الناس . وحجة الجمهور أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا الأسلمي ورجم يهوديا ورجم امرأة ، ولم يجلد واحدا منهم ، وقيل امرأتين . روى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر سمعه يقول : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة ، فدل ذلك على أن الآية قصد بها من لم يحصن من الزناة ، ورجم أبو بكر وعمر ولم يجلدا . روى الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن شداد ، أن عمر رجم في الزنا رجلا ولم يجلده . وحديث مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي واقد الليثي إذ بعثه عمر إلى امرأة الرجل التي زعم أنه وجد [ ص: 81 ] معها رجلا فاعترفت ، وأبت أن تنزع وتمادت على الاعتراف ، فأمر بها عمر فرجمت ، ولم يذكر جلدا . ورواه الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي واقد الليثي ، أن ذلك كان من عمر مقدمه الشام بالجابية . وروى ابن وهب ، عن عبد الله بن عمر العمري ، عن نافع أن عمر بن الخطاب رجم امرأة ولم يجلدها بالشام . وروى مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، قال : سمعت سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار يقولان : إن عمر بن الخطاب كان يقول : إن آية الرجم نزلت وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ورجمنا بعده ، فقال عمر عند ذلك : ارجموا الثيب واجلدوا البكر . وسيأتي من معاني الرجم ذكر صالح في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله . وأما حديث علي في قصة شراحة فليس بالقوي ، لأنهم يقولون : إن الشعبي لم يسمع منه ، وهو مشهور قد رواه ابن أبي ليلى وغيره عنه . ومن أوضح شيء فيما ذهب إليه جمهور العلماء ، حديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب : قوله لأنيس أن يأتي امرأة الآخر ، فإن اعترفت رجمها ، فاعترفت فرجمها ، ولم يذكروا جلدا . وأما حديث عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : الثيب بالثيب جلد مائة والرجم . فإنما كان هذا في أول نزول آية [ ص: 82 ] الجلد ، وذلك أن الزناة كانت عقوبتهم إذا شهد عليهم أربعة من العدول في أول الإسلام ، أن يمسكوا في البيوت إلى الموت ، أو يجعل الله لهم سبيلا ، فلما نزلت آية الجلد التي في سورة النور قوله عز وجل الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة الآية قام - صلى الله عليه وسلم - فقال : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة . فكان هذا في أول الأمر ، ثم رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعة ولم يجلدهم ، فعلمنا أن هذا حكم أحدثه الله نسخ به ما قبله ، ومثل هذا كثير في أحكامه وأحكام رسوله ليبتلي عباده ، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، أنه كان ينكر الجلد مع الرجم ويقول : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجلد . وعن الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : ليس على المرجوم جلد ، بلغنا أن عمر رجم ولم يجلد . وفي هذه المسألة قول ثالث ، وهو أن الثيب من الزناة إن كان شابا رجم وإن كان شيخا جلد ورجم . [ ص: 83 ] روي ذلك عن مسروق ، وقالت به فرقة من أهل الحديث ، أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، قال : حدثنا خلف بن هشام البزار ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : البكران يجلدان وينفيان سنة ، والثيبان يرجمان ، والشيخان يجلدان ويرجمان . فهذا ما لأهل السنة من الأقاويل في هذا الباب . وأما أهل البدع فأكثرهم ينكر الرجم ويدفعه ولا يقول به في شيء من الزناة ثيبا ولا غير ثيب ، عصمنا الله من الخذلان برحمته . حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يخطب فقال : أيها الناس إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، فإن آية ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم وأن أبا بكر قد رجم وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا . [ ص: 84 ] قال أبو عمر : الخوارج وبعض المعتزلة يكذبون بهذا كله ، وليس كتابنا هذا موضعا للرد عليهم ، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به . وروي عن علي بن حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، والمبارك بن فضالة ، وأشعب وهشام ، كلهم بإسناده ومعناه ، وقال أحمد بن حنبل : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن زيد ، قال : سمعت علي بن زيد يقول : كنا نشبه حفظ يوسف بن مهران بحفظ عمرو بن دينار . واختلف الفقهاء في الإحصان الموجب للرجم ، فجملة قول مالك ومذهبه : أن يكون الزاني حرا مسلما بالغا عاقلا قد وطئ وطئا مباحا في عقد نكاح ثم زنى بعد هذا ، والكافر - عنده - والعبد لا يثبت لواحد منهما إحصان في نفسه ، وكذلك العقد الفاسد لا يثبت به إحصان ، وكذلك الوطء المحظور ، كالوطء في الإحرام أو في الصيام أو في الاعتكاف أو في الحيض ، لا يثبت بشيء من ذلك إحصان ، إلا أن الأمة والكافرة والصغيرة يحصن الحر المسلم عنده ولا يحصنهن . هذا كله تحصيل مذهب مالك وأصحابه ، وحد الحصانة في مذهب أبي حنيفة وأصحابه على ضربين ، أحدهما : إحصان يوجب الرجم ، يتعلق بسبع شرائط : الحرية والبلوغ والعقل والإسلام والنكاح الصحيح والدخول ، والآخر : إحصان يتعلق به حد القذف ، له خمس شرائط في المقذوف : الحرية والبلوغ والعقل والإسلام والعفة . [ ص: 85 ] وقد روي عن أبي يوسف في الإملاء : أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه ، وروي عنه أيضا أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية ثم أسلما ، أنهما محصنان بذلك الدخول . وروى بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، قال : قال ابن أبي ليلى : إذا زنى اليهودي والنصراني بعدما أحصنا فعليهما الرجم . قال أبو يوسف : وبه نأخذ . وقال الشافعي : : إذا دخل بامرأته وهما حران ووطئها ، فهذا إحصان ، كافرين كانا أو مسلمين . واختلف أصحاب الشافعي على أربعة أوجه فقال بعضهم : إذا تزوج العبد أو الصبي ووطئا ، فذلك إحصان . وقال بعضهم : لا يكون واحد منهما محصنا كما قال مالك . وقال بعضهم : إذا تزوج الصبي أحصن إذا وطئ ، فإن بلغ وزنى كان عليه الرجم ، والعبد لا يحصن . وقال بعضهم : إذا تزوج الصبي لا يحصن ، وإذا تزوج العبد أحصن . وقالوا جميعا : الوطء الفاسد لا يقع به إحصان . وقال مالك : تحصن الأمة الحر ، ويحصن العبد الحرة ، ولا تحصن الحرة العبد ، ولا الحر الأمة ، وتحصن اليهودية والنصرانية المسلم ، وتحصن الصبية الرجل ، وتحصن المجنونة العاقل ، ولا يحصن الصبي المرأة ، ولا يحصن العبد الأمة ، ولا تحصنه إذا جامعها في حال الرق ، قال : وإذا تزوجت المرأة خصيا وهي لا تعلم أنه خصي ، فوطئها ثم علمت أنه خصي فلها أن تختار فراقه ، ولا يكون ذلك الوطء إحصانا . [ ص: 86 ] وقال الثوري : لا يحصن بالنصرانية ولا بالمملوكة ، وهو قول الحسن بن حي ، زاد الحسن بن حي : وتحصن المشركة بالمسلم ، ويحصن المشركان كل واحد منهما بصاحبه ، وقال الليث بن سعد في الزوجين المملوكين : لا يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد عتقهما ، وكذلك النصرانيان لا يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد إسلامهما ، قال : وإن تزوج امرأة في عدتها فوطئها ثم فرق بينهما فهو إحصان . وقال الأوزاعي في العبد تحته الحرة : إذا زنى فعليه الرجم ، وإن كان تحته أمة وأعتق ثم زنى ، فليس عليه الرجم حتى ينكح غيرها ، وقال في الصغيرة التي لم تحصن إنها تحصن الرجل ، والغلام الذي لم يحتلم لا يحصن المرأة ، قال : ولو تزوج امرأة فإذا هي أخته من الرضاعة فهذا إحصان . قال أبو عمر : إيجاب الأوزاعي الرجم على المملوكة تحت الحر وعلى العبد تحت الحرة لا وجه له ; لأن الله تعالى يقول فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب . والرجم لا يتنصف وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الأمة إذا زنت : فاجلدوها وقال مالك في حديثه ذلك : ولم يحصن . وسنبين ذلك بعد تمام القول في هذا [ ص: 87 ] الحديث إن شاء الله ، وأما قوله في الحديث : وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاما ، فلا خلاف بين علماء المسلمين أن ابنه ذلك كان بكرا وأن الجلد - جلد البكر - مائة جلدة . واختلفوا في التغريب في حق الرجل والمرأة ، فقال مالك : ينفى الرجل ولا تنفى المرأة ولا العبد ، ومن نفي حبس في الموضع الذي ينفى إليه ، وقال الأوزاعي : ينفى الرجل ولا تنفى المرأة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا نفي على زان ، وإنما عليه الحد رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، وقال الثوري ، والشافعي ، والحسن بن حي ، : ينفى الزاني إذا جلد امرأة كان أو رجلا ، واختلف قول الشافعي في نفي العبد ، فقال مرة : أستخير الله في تغريب العبيد ، وقال مرة : ينفى العبد نصف سنة ، وقال مرة أخرى : سنة إلى غير بلده ، وبه قال الطبري . قال أبو عمر : من حجة من غرب الزناة مع حديثنا هذا ، حديث عبادة بن الصامت : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام . لم يخص عبدا من حر ، ولا أنثى من ذكر . حدثني أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن الجهم قالا : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت . وحدثنا [ ص: 88 ] عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير وبكر بن حماد ، قال أحمد : حدثنا أبي ، وقال بكر : حدثنا مسدد ، قالا : حدثنا يحيى القطان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة . ومن حجتهم أيضا ما حدثناه عبد الرحمن بن مروان ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن داود ، قال : حدثنا موسى بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب . وحجة من لم ير النفي على العبيد : حديث أبي هريرة في الأمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فيه الحد دون النفي ، ومن رأى نفي العبيد زعم أن حديث الأمة معناه التأديب لا الحد ، وسنوضح القول في ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله . ومن حجة من لم ير نفي النساء ، ما يخشى عليهن من الفتنة ، وقد روي عن أبي بكر وعمر تغريب المرأة البكر ، وروي عن علي أنه لم ير [ ص: 89 ] نفي النساء . وروى عبد الرزاق ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله في البكر يزني بالبكر : يجلدان مائة وينفيان سنة . قال : وقال علي : حسبهما من الفتنة أن ينفيا . عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، قال : غرب عمر ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر ، فلحق بهرقل فتنصر ، فقال عمر : لا أغرب مسلما بعد هذا أبدا . قالوا : ولو كان النفي حدا لله ما تركه عمر بعد ، ولا كان علي يكرهه ، وهو قول الكوفيين ، وأما أهل المدينة ، فعلى ما ذكرنا عنهم ، قال معمر : وسمعت الزهري وسئل إلى كم ينفى الزاني ، قال : نفاه عمر من المدينة إلى البصرة ، ومن المدينة إلى خيبر .